الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتناولة للماضي، والحال، والمستقبل، كقول العرب: فلان يعطي، ويمنع، ويصل، ويقطع، أي ذلك شأنه من جميع احواله، ومنه قول خديجة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم:(إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق)، أي هذا شأنك دائمًا، فهذا هو المراد، أي: افعل جميع ما يرد عليك من أوامر الله تعالى، وليكن هذا شأنك في جميع أحوالك: الماضي، والحال، والمستقبل، وهذا وإن كان مجازًا فيتعين الحمل عليه لقرينة ظاهر حال القائل، ومدح الله تعالى له؛ فإن الآية وردت في سياق مدحهما والثناء عليهما، والتأسي بهما في تلقي أوامر الله تعالى وبعض ذلك كاف في الحمل على المجاز، وترك الحقيقة.
قوله: "الفداء إنما حسن بسبب ما كان يتوقعه من الذبح".
قلنا: عندكم هذا الاعتقاد غير مطابق، فيندفع بوجوه:
أحدها: أن منصب الخليل عليه السلام ينبغي، بل يجب تنزيهه عن الغلط في أوامر الله تعالى واعتقادها على غير وجهها.
وثانيها: أن هذا الاعتقاد لم يتبين له باطنه، وقد شرع في الفعل، فيلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، وأنتم تمنعونه عن وقت الخطاب، فوقت الحاجة أولى.
وثالثها: أن الأمر لو كان كذلك، لكان البيان كافيًا في ذلك، فلا حاجة إلى الفداء، ولا كان يتصور الفداء.
(فائدة)
قال الغزالي في (المستصفى): أجابوا عن قضية إبراهيم عليه السلام بخمسة أوجه:
أحدها: انه كان منامًا لا أمرًا.
الثاني: كان أمرًا، لكن قصد به العزم دون الذبح.
الثالث: لم يحصل نسخ، لكن انقطع الحكم بالتعذر؛ لأجل انقلاب عنقه نحاسًا أو حديدًا.
الرابع: المأمور به كان المقدمات للذبح دون الذبح، وقد فعلها.
الخامس: انه امتثل، ولم ينسخ عنه شيء، لكنه ذبح، واندمل الجرح، قال: وقال أهل التأويل: إسماعيل ليس بمذبوح باتفاقهم، واختلفوا في كون إبراهيم عليه السلام ذابحًا.
فقال بعضهم: إبراهيم ذابح لحصول القطع، والولد غير مذبوح لحصول الالتئام.
قوله: "حين أمر بالفعل، كان المأمور به منشأ المصلحة، والآمر به أيضًا منشأ المصلحة، فلا جرم حسن الأمر به، وفي الوقت الثاني نفي المأمور به منشأ المصلحة.
لكن الأمر به لم يبق منشأ المصلحة، فلم يحسن الأمر به".
هذه العبارة في هذا الموضع كله إلى آخر المسألة غير متجهة؛ فإن المأمور به، الذي هو ذبح إسحاق عليه السلام، لم يكن منشأ المصلحة، إنما كانت المصلحة في الأمر خاصة لما فيه من امتحانهما وما يترتب عليه من إظهار طواعيتهما، وإنابتهما لربهما، وإيثارهما بأنفسهما، وذلك مقام عظيم، ومصالح متعددة جليلة تترتب على صدور الأمر.
أما نفس غراقة دم إسحاق عليه السلام مع قطع النظر عن الأمر، فليس منشأ المصلحة، بخلاف ذبح الأنعام للإغتذاء الإنساني متضمن للمصلحة، وهي حفظ الإنسان وتوفير عقله، وقوّته للمعارف والعلوم،