الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة
لا يعتبر في المجمعين بلوغهم إلى حد التواتر
؛ لأن الآيات والأخبار دالة على عصمة الأمة والمؤمنين، فلو بلغوا- والعياذ بالله- إلى الشخص الواحد، كان مندرجا تحت تلك الدلالة؛ فكان قوله حجة.
فأما من أثبت الإجماع بالعقل؛ من حيث إن اتفاقهم يكشف عن وجود الدليل، فيعتبر فيه بلوغ المجمعين حد التواتر؛ لكنه باطل عندنا؛ على ما مر.
المسألة السادسة
إجماع غير الصحابة حجة؛ خلافا لأهل الظاهر
.
لنا: أن التابعين إذا أجمعوا، كان قولهم سبيلا للمؤمنين؛ فيجب اتباعه بالآية.
فإن قلت: الآية إنما دلت على وجوب اتباع سبيل المؤمنين الذين كانوا حاضرين عند نزول الآية؛ لأنهم كانوا هم المؤمنين؛ أما الذين سيوجدون بعد ذلك، فلا يصدق عليهم في ذلك الوقت: أنهم مؤمنون.
قلت: فهذا يقتضي أنه لو مات من أولئك الحاضرين واحد ألا ينعقد الإجماع بعد ذلك؛ لكن كثيرا منهم مات قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن لم نقطع بذلك؛ لكن لا يمكننا القطع ببقائهم بعد وفاته، فيكون الشك فيه شكا في انعقاد الإجماع.
احتج المخالف بأمور:
أحدها: أن أدلة الإجماع لا تتناول إلا الصحابة؛ فلا يجوز القطع بأن إجماع غيرهم حجة.
بيان الأول: أن قوله عز وجل: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} [البقرة: 143] وقوله: {كنت خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران: 110] لاشك أنه خطاب مواجهة؛ فلا يتناول إلا الحاضرين.
وأما قوله عز وجل: {ويتبع غير سبيل المؤمنين} [النساء: 115] فكذلك؛ لأن من سيوجد بعد ذلك لا يصدق عليه في الحال اسم المؤمنين، فالآية لا تتناول إلا من كان مؤمنا حال نزولها.
وكذا القول في قوله صلى الله عليه وسلم: (أمتي لا تجتمع على خطأ).
وإذا ثبت أن هذه الأدلة لا تتناول إلا الصحابة، وثبت أنه لا طريق إلى إثبات الإجماع إلا هذه الأدلة؛ وجب ألا يكون إجماع غير الصحابة حجة.
وثانيها: أن أهل العصر الثاني، لو أجمعوا، لكان إجماعهم، إما أن يكون لقياس، أو لنص:
والأول: باطل؛ لأن القياس ليس بحجة عند الكل؛ فلا يجوز أن يكون طريقا إلى صدور الإجماع من الكل؛ فيبقى الثاني، وهو أنهم إنما أجمعوا من جهة النص، والنص إنما وصل إليهم من الصحابة؛ فكان إجماع الصحابة على ذلك الحكم؛ لأجل ذلك النص- أولى، فلما لم يوجد إجماعهم، علمنا عدم ذلك النص.
وثالثها: أنه لابد في الإجماع من اتفاق الكل، والعلم باتفاق الكل لا يحصل إلا عند مشاهدة الكل، مع العلم بأنه ليس هناك أحد سواهم، وذلك لا يتأتى إلا في الجمع المحصور، كما في زمان الصحابة.
أما في سائر الأزمنة: فمع كثرة المسلمين، وتفرقهم في مشارق الأرض ومغاربها يستحيل أن يعرف اتفاقهم على شيء من الأشياء.
ورابعها: أن الصحابة أجمعوا على أن كل مسألة لا تكون مجمعا عليها، فإنه يجوز الاجتهاد فيها، فالمسألة التي لا تكون مجمعا عليها بين الصحابة، تكون محلا للاجتهاد؛ بإجماع الصحابة، فلو أجمع التابعون عليها، لخرجت عن أن تكون محلا للاجتهاد، وذلك يفضي إلى تناقض الإجماعين.
وخامسها: أن الصحابة، إذا اختلفت على قولين، ثم أجمع التابعون على أحدهما- لا يصير القول الثاني مهجورا؛ كما تقدمت هذه المسألة، وإذا كان كذلك، فنقول: المسألة التي أجمع التابعون عليها، يحتمل أن يكون لواحد من الصحابة فيها قول يخالف قول التابعين؛ مع أن ذلك القول لم ينقل إلينا، ومع هذا الاحتمال لا يثبت الإجماع.
فإن قلت: لو فتحنا هذا الباب، لزم ألا يبقى شيء من النصوص دليلا على شيء من الأحكام؛ لاحتمال طريان النسخ، والتخصيص.
قلت: الفرق: أن حصول إجماع التابعين مشروط بأن لا يكون لأحد من الصحابة قول يخالف قولهم، فالشك فيه شك في شرط يتوقف ثبوت الإجماع عليه فيكون ذلك شكا في حدوث الإجماع، والأصل بقاؤه على العدم.
وأما في مسألة الإلزام: فاللفظ يقتضي العموم، والشك إنما وقع في طريان المزيل، والأصل عدم طريانه؛ فظهر الفرق.
والجواب عن الأول: أن الذي ذكرتموه يقتضي أنه لما مات واحد من أولئك الحاضرين ألا يبقى إجماع الباقين حجة؛ وذلك يفضي إلى سقوط العمل بالإجماع؛ وهم لا يقولون به.
وعن الثاني: أنه يحتمل أن تكون تلك الواقعة ما وقعت في زمن الصحابة، فلم يتفحصوا عما يمكن الاستدلال به عليها، ثم إنها وقعت في زمن التابعين، فتفحصوا عن الأدلة، فوجدوا بعض ما نقلته الصحابة دليلا عليه.
وعن الثالث: أن حاصل ما ذكرتموه راجع إلى تعذر حصول الإجماع في غير زمان الصحابة، وهذا لا نزاع فيه؛ إنما النزاع في أنه لو حصل، كان حجة.
وعن الرابع: ما مر من الجواب عنه فير مرة.
وعن الخامس: أنه يلزمكم ألا يكون إجماع الصحابة حجة؛ لاحتمال أن يكون الصحابي الذي مات قبل وفاة الرسول- عليه الصلاة والسلام له فيه قول، والله أعلم.
المسألة الخامسة
لا يعتبر في المجمعين التواتر
قال إمام الحرمين في (ألبرهان): قال بعضهم: لا يجوز نقصان الأئمة عن حد التواتر؛ فإنهم حفظة الشريعة، وقد ضمن الله- تعالى- قيامها، وحفظها ليوم القيامة، وأقل من التواتر، يجوز تواطؤهم على الباطل، فلا يجزم بحفظهم للشريعة.
وقال الأستاذ: يجوز ذلك، ولم لم يبق إلا واحد قوله حجة. قال: والذي يرتضيه مع خلو الزمان عن العلماء وانتهاء الأمر إلى الفترة ما قاله.
وأما قوله: (إن المنحط عن التواتر حجة) فغير مرضي؛ فإن الإجماع مستنده العادة، فمن تعذر الإجماع على الخطأ والقليل، لم يشهد له العادة.
قوله: (إنما دلت الآية على اتباع المؤمنين الموجودين، والذين سيوجدون بعد ذلك لا يصدق عليهم أنهم مؤمنون):
قلنا: قد تقدم في باب الاشتقاق المشتق متى كان متعلق الحكم لا يشترط فيه الحصول، وهذه الآية المشتق فيها متعلق وبسطه هنالك، ولذلك يمنعه.
قوله: بعد هذا: (إن أدلة الإجماع لا تتناول غير الصحابة): بناء على هذا.
قوله: (لو أجمع التابعون فيما أجمع الصحابة على جواز الاجتهاد فيه تناقص الإجماعان):
قلنا: قد تقدم مرارا أن الإجماع الأول فيما هو مثل هذا مشروط بعدم طريان الإجماع، بخلاف الإجماع على القول الواحد، وتقدم الفرق مبسوطا.
قوله: (إجماع التابعين مشروط بألا يكون لأحد الصحابة قول مختلف يخالف قولهم:
قلنا: لا نسلم، بل إجماع التابعين يبطل قول الصحابي السابق الجزم بقول الإجماع الحادث، وإن ما عداه باطل، وقول الصحابي ليس معصوما، والإجماع معصوم عندنا كيف وقع.
* * *