الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة
قال الرازي: العلم الحاصل عقيب خبر التواتر ضروري؛ وهو قول الجمهور
؛ خلافا لأبي الحسين البصري، والكعبي من المعتزلة، ولإمام الحرمين والغزالي منا.
وأما الشريف المرتضى من الشيعة، فإنه كان متوقفا فيه.
لنا: لو كان ذلك العلم نظريا، لما حصل لمن لا يكون من أهل النظر؛ كالصبيان والبله؛ ولما حصل ذلك لهم، علمنا أنه ليس بنظري.
اعترض أبو الحسن والمرتضى على هذا الوجه بكلام واحد، وهو أن النظر في ذلك ليس إلا ترتيب العلوم بأحوال المخبرين، وهذا القدر حاصل للعامة والمراهقين؛ لأنه قد حصل في عقولهم علوم كثيرة، وهم يستنتجون من تركيبها علوما أخر.
سلمنا أن ما ذكرته يدل على قولك؛ لكن معنا ما يبطله من ثلاثة أوجه:
الأول: ما ذكره أبو الحسين البصري، وهو أن الاستدلال عبارة عن ترتيب علوم، أو ظنون يتوصل بها إلى علوم، أو ظنون، وكل اعتقاد توقف وجوده على ترتيب اعتقادات أخر، فهو استدلالي.
والعلم الواقع بالتواتر، هذا سبيله؛ لأنا لا نعلم وجود ما أخبرنا أهل التواتر عنه، إلا إذا علمنا أنه لا داعي للمخبرين إلى الكذب، ولا لبس في المخبر عنه، وأنه متى كان كذلك، استحال كون الخبر كذبا، وإذا بطل كونه كذبا، ثبت
كونه صدقا؛ فالسامع لخبر التواتر، ما لم يتقرر عنده كل واحدة من هذه المقدمات، لم يحصل له العلم، فكان ذلك العلم استدلاليا.
الثاني: أن العلم الحاصل بالخبر المتواتر، لو كان ضروريا لكنا مضطرين إليه؛ بحيث لا يمكننا الانفكاك عنه؛ ولو كان كذلك، لعلمنا بالضرورة كوننا عالمين؛ على سبيل الاضطرار، بذلك، وكان ينبغي أن يعلم بالضرورة كل عاقل كون هذا العلم ضروريا، كما في سائر العلوم الضرورية؛ ولما لم يكن كذلك، علمنا أن هذا العلم ليس بضروري.
الثالث: ذكره الكعبي، وهو أنه لو جاز أن يعلم ما غاب عن الحس بالضرورة، لجاز أن يعلم المحسوس بالاستدلال، ولما بطل هذا، بطل الأول.
والجواب: قوله: (ذلك الاستدلال سهل يتأتى من كل أحد):
قلنا: سنبين، أن شاء الله تعالى، في فصل مفرد: أن ذلك الاستدلال غامض جدا،
وهو الجواب بعينه عن المعارضة الأولى.
وعن الثاني: أن كون العلم ضروريا كيفية للعلم، ويجوز أن يكون أصل الشيء معلوما، وتكون كيفيته مجهولة.
وعن الثالث: أنه لابد من الجامع.
المسألة الثالثة
(علم التواتر ضروري أو نظري)؟
قال القرافي: شبهة النظري أن الناس إذا كان في القضية أهوية، تطرق إليهم احتمال الكذب، فلابد أن يعلم سلامتهم عن الهوى، وذلك إنما يعلم بعد البحث؛ فيكون العلم به نظريا.