الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا ما نسخ أو درس، وهذا لم ينقله المصنف مع أنه هو غالب أحوال الفقهاء في البحث، إذا قالوا: شرع من قبلنا شرع لنا لا يعنون نبيا معينا.
قال القاضي: ومذهب المالكية: أن جميع شرائع الأمم شرع لنا، غلا ما نسخ، ولا فرق بين موسى وغيره.
وقال ابن برهان: قيل: كان متعبدا قبل النبوة بشرع آدم عليه السلام؛ لأنه أول الشرائع.
وقيل: كان على دين نوح عليه السلام.
(قاعدة)
الشرائع المتقدمة ثلاثة أقسام:
قسم لم نعلمه إلا من كتبهم، ونقل أخبارهم الكفار، فلا خلاف أن التكليف لا يقع به علينا، ولا في حق رسوال الله صلى الله عليه وسلم لعدم الصحة في النقل، كما نقل في التوراة في تحريم لحم الجدي بلبن أمه يشير إلى المضيرة التي يطبخها أهل الزمان.
وقسم انعقد الإجماع على التكليف به، وهو ما علمنا شرعنا أنه كان شرعا لهم، وأمرنا في شرعنا بمثله؛ كقوله تعالى:{وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} [المائدة: 45]. وقال تعالى لنا: {كتب عليكم القصاص في القتلى} [البقرة: 178].
وقسم ثبت أنه من شرعهم بنقل شريعتنا، ولم نؤمر به، فهذا هو موضوع الخلاف؛ كقوله تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام أنه قال لموسى عليه السلام:{إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين} [القصص: 27] فصرح بالإجارة، فهل نستند نحن بهذا على جواز الإجارة في شرعنا؛ فإن جوازها مختلف فيه بين العلماء.
وكذلك قوله تعالى؛ حكاية عن قصة يوسف قول المنادى: {وأنا به زعيم} [يوسف: 72] هل نستدل به نحن على جواز الكفالة، هذا القسم هو موطن الخلاف، والقسمان الأولان مجمع عليهما، فلموطن الخلاف شرطان: ثبوته في شرعنا، وعدم ورود شرعنا باقتضائه منا، فمتى انخرم أحد الشرطين، انتفى الخلاف إجماعا، على النفي، أو على الثبوت.
وكذلك لما فهرس سيف الدين هذه المسألة، قال: هل كان متعبدا بما صح من شرائع من قبله بطريق الوحي إليه؛ لأنه من جهة كتبهم المبدلة، ونقل أربابها، ثم الخلاف إنما هو في القواعد، وإلا فأهل زمانه عليه السلام قبل النبوة، كانوا متعبدين بالإيمان؛ لأنهم كانوا يعذبون على كفرهم، وهو فرع لتكليفهم بشرع من قبلهم، فهو عليه السلام كذلك، فتفسيره ما قبل النبوة وبعدها مشكل، ويبطل بهذا ما يستدل به؛ لأنه ليس في محل النزاع من قوله تعالى:{شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا} [الشورى: 13] ونحوه.
قوله: " إن أرادوا بالخلاف أن الله تعالى أمره باقتباس الأحكام من كتبهم، فهذا هو حقيقة المسألة ".
قلنا: كيف يتصور أن يكون هذا حقيقة المسألة، ونحن مجمعون على أن المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق لا يعلم عدالة راويه؛ أنه يحرم اتباعه، فكيف بالمنقول عن الأنبياء السالفة يقبل فيها قول الكفار الذين لم يرووا عن أسلافهم، ولا يعرفون الرواية في دينهم، بل الرواية واتصال الأسانيد من خصائص الإسلام، وغيرنا من الملليتعذر عليه ذلك؛ لكثرة الخبط، والتخليط، والتبديل، واختلاف الأهواء، فقبول مثل هذه الكتب، وهذه النقول خلاف
الإجماع، فنحن إذا نقلت إلينا التواريخ لا يعمل بها؛ لعدم صحتها، ولو نقل العدل عن العدل، وفي السند واحد مجهول العدالة لا يثبت به حكما، فكيف بقوم قطعنا بكفرهم، وأهويتهم الفاسدة، وتبديلهم، وتنوع أكاذيبهم، هذا لا ينبغي أن يخطر لأحد من علماء الشريعة.
قوله حكاية: النبي عليه السلام: " لو كان موسى حيا، لما وسعه إلا اتباعي "
قلنا: لا يلزم من اتباع الرسل له ألا يكون متعبدا بالشرائع، لجواز أن يكون متعبدا بها، وهم على تقدير وجودهم يصيرون تابعين له فيما كانوا متبعين فيه؛ كما يصير الإمام مأموما؛ لطريان عارض.
قوله: " العلم بحكم شرعهم يتوقف على المراجعة لكتبهم "
قلنا: لا نسلم؛ بل يعلم ذلك بالوحي.
قوله: " قد يكون متن الدليل متواترا، ودلالته على المطلوب تفتقر إلى نظر دقيق ".
تقريره: أنه روى عن إمام الحرمين أنه سئل؛ هل يجوز سماع كلام المرأة الشابة؟ فقال: لا لقوله تعالى: {رب أرني أنظر إليك} [الأعراف: 143] فقيل له: وأي تعلق لهذه الآية بهذه المسألة؟
فقال: الباعث لموسى عليه السلام على طلب الرؤيا، إنما هو سماع الكلام، فلما سمع الكلام، اشتاق إلى الرؤية، فكذلك يلزم أن سماع كلام المرأة يبعث على رؤيتها، فلا يجوز؛ لأن رؤيتها حرام، وما يؤدي إليه يكون حراما، فمثل هذا نظر دقيق في آية متواترة، فأمكن القطع بالسند للبعد في الدلالة.
(فائدة)
استدل سيف الدين، والقاضي عبد الوهاب بقوله صلى الله عليه وسلم في قصة الربيع لما كسرت سن صبية فقال:(كتاب الله القصاص)، وأشار إلى قوله تعالى:{والسن بالسن} [المائدة: 45]، وذلك مما اخبر الله تعالى انه في التوراة، فتعين أن ما ثبت أنه من التوراة، يكون شرعًا لنا، فإنه ليس في القرآن ذلك إنشاء، بل حكاية عن التوراة، وأجاب سيف الدين بأن الإشارة إنما وقعت لقوله تعالى:{فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194]، وأجاب القاضي بأن الإشارة إلى قوله تعالى:{ولكم في القصاص حياة} [البقرة: 179].
قلت: وجواب سيف الدين أسدّ؛ فإن الحياة إنما تحصل من القصاص في النفوس دون الاعضاء، هذا هو السابق للذهن، ويجوز أن يراد حياة الأعضاء؛ فإن كل عضو، إذا قطع، مات، وإذا شرع القصاص حفظت عليه حياته، وفي الجوابين نظر، بسبب أن الاستدلال بالأخص بالقصة أرجح من الاستدلال بالأعم، فالاستدلال بآية الزنا على الزنا أرجح من الاستدلال بقوله تعالى:{فمن يعمل مثقال ذرة شرًا يره} [الزلزلة: 8] ونحوه، وآية السن أخص بالواقعة من آية الإعتداء، وآية القصاص، فيكون استدلال الخصم مقدمًا على الجواب عنه، ويجوز أن يقال، بل الجواب أرجح؛ لأنه
تمسك بدليل مجمع على صحته، وهو القرآن المشار، وآية السن استدلال بشرع من قبلنا، وهو مختلف فيه، فيكون مرجوحًا بالنسبة إلى الآيتين الأخريين، وحمل كلامه على الأرجح متعين؛ لعلو منصبه صلى الله عليه وسلم، ومن هذا الباب قوله عليه السلام:(من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها؛ فإن الله تعالى يقول: {وأقم الصلاة لذكري} [طه: 14]) وإنما كان هذا القول لموسى عليه السلام.
قوله: " إنما رجع للتوراة؛ ليقرر عليهم أن ذلك الحكم، كما هو ثابت في شرعه، فهو ثابت في شرعهم، وأنهم معاندون ".
قلنا: هذا الجواب مشكل، وهذا الحديث مشكل؛ من جهة أن هذه القضية كانت عند مقدمه عليه السلام (المدينة) ولم تكن الحدود يومئذ تقام؛ فضلا عن الرجم الذي هو متأخر عن عزائم الغسلام، وتشديداتها التي لا تتم إلا بكمال الكلمة، وكمال الدين؛ ولأنه ورد في بعض الطرق خرجه، الطرطوشي وغيره؛ أن ابن عمر قال في روايته الحديث:" وكان حد المسلمين يومئذ الجلد " فقد اخبر الراوي؛ أن الرجم لم يكن شرعا يومئذ، فلا يستقيم الجواب.
وأما الحديث؛ فلأنه إن كان المستند قول الكفار، فمشكل على القواعد، أو الذين أسلموا من الأحبار؛ كعبد الله بن سلام وغيره، فلا يتجه أيضا؛ لأنهم، وإن كانوا عدولا عظماء في الدين؛ غير أنهم ليس لهم رواية في التوراة، لا سند متصل؛ غير أنهم وجدوا آباءهم يقرءون هذا الكتاب، والجميع من أهل الكتاب على شرائعهم، ومطالعة أحوالهم وتصرفاتهم جزم بذلك،
فيتعين أنه إنما أقدم بوحي وصل غليه لم ينقل إلينا، وبهذا الطريق يتعذر الاستدلال به على أن الكافر يرجم؛ لأن ذلك الوحي الوارد يجوز أن يكون عاما في أمثال تلك الواقعة، ويجوز أن يكون خاصا بها، ناصا على عدم تعديته لغيرها، وإذا احتمل واحتمل، سقط الاستدلال؛ لاسيما، والأصل عدم العموم، وعدم التناول، وعدم الشرعية، فيقف الحال على المستدل بهذا الحديث على رجم الكفار.
ومن جملة إشكال الحديث: أنه روى أنه عليه السلام سمع في القضية بينة من اليهود الكفار، نقله الطرطوشي في تعليقه، ومن جملة الإشكال، أنه عليه السلام قال " اللهم إني أول من أحيا سنة أماتوها ".
وغير ذلك من الظواهر التي تقتضي الاعتماد على ظاهر التوراة، وقبول رواية الكفار وشهادتهم، ولا يندفع جميع ذلك، إلا بأن يكون وحي وصل إليه، عليه السلام.
قال القاضي عبد الوهاب في (الملخص): وموضع الخلاف في المسألة أن الله تعالى إذا اخبر في القرآن أنه شرع لبعض الأمم المتقدمة شيئا، وأطلق الأخبار، ولم يذكر أنه شرعه لنا، ولا أنه لم يشرعه لنا، ولا أنه نسخه، هل يجب علينا العمل به أم لا؟
فهذا يؤيد ما لخصته لك من القاعدة، وتبين لك بطلان اختيار الإمام في (المحصول) واختيار الغزالي في (المستصفى) كماستقف عليه إن شاء الله تعالى، وكذلك قال القاضي أبو يعلى في كتاب (العمدة)؛ أن موضع الخلاف فيما غذا ثبت شرعهم بغير نقلهم؛ كما قاله القاضي عبد الوهاب.
قوله: " أسلم من خيارهم من تقوم الحجة به ".
قلنا: لا نسلم، وإنما تقوم الحجة به، وإن كان عدلا، أو لو كان ينقل
تلك الكتب عن العدل إلى موسى عليه السلام وهذا معلوم الانتفاء بالضرورة لمن حاله حال تصرفات القوم.
قوله: " وثانيها قوله تعالى: {فبداهم اقتده} [الأنعام: 90] "
تقريره: " أن الهدى: اسم جنس اضيف، فيعم جميع أنواع الهدى الأصول والفروع، وهو المطلوب، وهذا تقرير قوله تعالى:{أن اتبع ملة إبراهيم} [النحل: 123].
قوله: " أحد التخصيصين لازم إما: النبيين، وإما: أحكام التوراة ".
قلنا: يختار التخصيص في النبيين، ولا يحصل مطلوبكم؛ لأن التخصيص، إنما دخل لفظ النبيين من جهة أن الأنبياء الذين تقدموا التوراة لم يحكموا بها، فيبقى من عداهم على مقتضى العمم، فيندرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في العموم، فلا يحصل مطلوبكم؛ بخلاف إذا قلنا بالتخصيص في الأحكام، فإن التخصيص يبقى مجملا؛ لا تتغير مرتبة الخروج؛ حتى يتعين الباقي لبقاء العقائد، وغن بقيت غلا ان معها الكليات الخمس، حفظ الدماء، والعقول، والأنساب، والأموال، والأعراض، لم يختلف فيها الشرائع، وبقاء الشركة في غيرها محتمل؛ غير أنا نقطع بأن الكل غير مراد قطعا.
ولقوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام: {ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم} [آل عمران: 50] يدل على المخالفة في بعض الأحكام.
قوله: " لأمره باتباع هدى مضاف غلى جميعهم، وهو أصل الدين ".
قلنا: الاختلاف لا يابى الإضافة للجميع، كما قال: هدى الشافعي ومالك حق؛ مع اختلاف المذهبين؛ لا سيما، والنحاة تقول: يكفى في
الإضافة أدنى ملابسة، كقول أحد حاملي الخشبة لصاحبه:" شل طرفك "، فتصح إضافة المتفق عليه، والمختلف فيه للجميع.
وكذلك تقول: اختلف العلماء، وأقوالهم، وطرقهم، ومعتمدهم، رحمة، كل هذه الألفاظ لا تمنع الإضافة مع الاختلاف، فكذلك هاهنا.
قوله: " الآية تقتضي تشبيه الوحي بالوحي، لا الموحى بالموحى ".
تقريره: أن لفظ (ما) يجوز أن يكون بمعنى (الذي) فيكون المراد الموحى بالموحى، وأن تكون مصدرية، فيكون التقدير في الأول: أوحينا غليك، كالذي أوحيناه غلى غبراهيم، وفي الثاني: أوحينا غليك، كوحينا لإبراهيم، وهذا أرجح في علم البيان، وصناعة الأدب؛ لأن (ما) لو كانت بمعنى (الذي) لافتقرت إلى صلة وعائد، فكأن يكون العائد هاهنا محذوفا تقديره:" أوحينا إليك كالذي أوحيناه إلى إبراهيم " فهذه الهاء التي هي ضمير هي العائد، وقد حذفت، والأصل عدم الحذف والإضمار، وإن كان جائزا، والمصدرية لا تفتقر لعائد، فكانت غنية عن الحذف؛ فكانت أرجح،
قوله: " وثانيها: قوله بعد هذا {وما كان من المشركين} [النحل: 123].
تقريره: أن هذا السلب في قوله: {وما كان من المشركين} [النحل: 123] يقتضي أن المراد بالملة التوحيد؛ حتى تنظم المقالبلة، ويظهر مناسبة السلب.
قوله: " وعلى أن الآية تدل على أنه تعبد محمدا عليه السلام بما وصى به نوحا عليه السلام ".
تقريره: أن قوله تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا} [الشورى: 13] إلى قوله تعالى: {أن أقيموا الدين} [الشورى: 13]