الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جميع هذه المواطن فكل ما يذكرون من التقسيم يجري فيها، فدل ذلك على بطلانه لجزمنا بصحة هذه الأمور.
(سؤال)
إن قول كل واحد لو أفاد العلم اجتمع متواترات لأشكل باجتماع الأدلة اليقينية
.
قوله: (المستلزمية نقيض اللامستلزمية التي هي أمر عدمي، فتكون المستلزمية أمرا ثبوتيا):
قلنا: لا نسلم أنها ثبوتية؛ وذلك لأن حرف السلب كما يدخل على الثبوت فيحصل السلب، يدخل على أداة السلب، واسم السلب، فالأول كقولنا:(ليس زيد قائما) بتكرير ليس، فمتى تكررت مرتين كان ثبوتيا، ويكون زيد قائما، ومتى تكررت بالفرد كان نفيا، وكان زيد ليس بقائم، ولقد سمعت الخسرو شاهي يقول:(اجتمعت مع العميدي، فشرع يذكر لي نكتة كرر فيها لفظ (ليس) نحو خمسين مرة، فقلت له: لا يكثر على كل عدد فرد من ذلك نفي، وكل عدد زوج ثبوت، فخمسون ثبوت، وخمس وخمسون نفي، فقل ما شئت بعد ذلك) ودخوله على اسم السلب.
قولنا: ليس عدم زيد في الدار، وليس نفيه في الدار، وليس سلبه في الدار، فيكون زيد في الدار جزما، إذا تقررت هذه القاعدة فنقول: المستلزمية عند الخصم المنازع في هذا المقام عدمية، فيكون حرف السلب دخل على اسم السلب، فيكون ثبوتا، فتكون المستلزمية أمرا عدميا، فتكون المستلزمية عدمية عكس مقصودكم، وهذه النكتة متكررة في كتب الإمام كثيرا، وهذا جوابها.
قوله: (عند حصوله الخبر الثاني يكون الأول معدوما، فيلزم تأثير المعدوم في الموجود):
قلنا: أصوات المخبرين تنقطع من الخارج، ولا تبقى زمانين، لكن يبقى لها صور ذهنية في النفس، فتلك الصور التي في النفس باقية إما بالنوع إن قلنا: العرض لا يبقى زمنين أو بالشخص إن قلنا: يبقى، وهي المؤثرة، فما أثر إلا أمر موجود.
سلمنا عدمها، لكن قد تقدم أن الربط عادي، فلله- تعالى- أن يربط آثار قدرته بما شاء من وجود شيء، أو عدمه؛ لأن قدرته- تعالى- هي الموجدة، وهذا الربط عادي، وإنما يلزم الإشكال أن لو كانت هذه الأشياء هي الموجدة.
قوله: (كل واحد منفردا لو لم يكن مؤثرا لم يكن المجموع مؤثرا، كما أن كل واحد من أفراد الزنج لما لم يكن أبيض استحال أن يكون الجميع أبيض).
قلنا: قد تقدم في هذا بحث غريب، وتفصيل حسن، وهو أن الصفات منها ما لا يثبت إلا للأفراد، وهي الصفات الحقيقية كالألوان، والطعوم، والروائح، والعلوم، والحركات ونحوها، ومنها ما لا يثبت للأفراد، وإنما يثبت للمجموع، وهي ما كان من باب الربط العادي، كما تقدم في الري والشبع ونحوه، وعلم التواتر من هذا القبيل لا من الأول، فليس التواتر من الزنجي في شيء.
قوله: (الشرط لابد من وجوده حالة وجود المشروط، والحروف المتقدمة حالة وجود الحرف الأخير).
قلنا: الشرط يجب حصوله حالة عدم الشرط على الوجه الذي جعل شرطا، والحروف المتقدمة لم نقل: إن ذواتها شروط، بل تقدمها، وسبقها على الحرف الآخر هو الشرط، فالحروف بوصف العدم، والتقدم هو
الشرط، وهذا المعنى مقارن، فأنتم إنما بنيتم أن ذوات الحروف معدومة، ونحن لم نقل: ذواتها شروط.
قوله: (المسبوقية أمر عدمي، فلا يكون جزء العلة).
قلنا: قد تقدم أن المؤثر إنما هو قدرة الله- تعالى- وإنما هاهنا ربط عادي، والربط يصح بالوجود بالعدم، وبالنسب، وبأي معلوم كان؛ لأن ذلك ليس فيه تأثير إنما هو أمر يبقى، إن تعلقت به الإرادة على ذلك الوجه، فلا يضر كيف كان.
قوله: (المقيد بشرط حصول التواتر في استواء الطرفين، والواسطة إما العقل والنقل، أو المركب منها).
قلنا: الحصر غير ثابت، بقيت قرائن الأحوال، والنقل مع قرائن الأحوال، أو العقل مع قرائن الأحوال، ونحن نجد من أنفسنا علما ضروريا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما توفى حتى كانت أمته أكثر من عدد التواتر ينقلون عنه أصل الدين والقرآن وغير ذلك، ومدركنا في هذا العلم إنما هو النقل، وقرائن الأحوال، وكذلك التواتر لا يكاد يحصل العلم فيه إلا بالنقل، وقرائن الأحوال، وكذلك اختلفت مراتب الأعداد في إفادة العلم بالمخبرية، فإن جميع الصالحين ليس كجميع الصالحين، فقد يحصل لنا العلم بخبر جماعة من الصلحاء، ولو كانوا فسقة لم يحصل العلم، وما ذلك إلا قرائن الأحوال.
قوله: (الأمة العظيمة المتفرقة في الشرق والغرب يستحيل قتلهم).
قلنا: قد تقدم التنبيه على هذا، وأن اليهود لم يفارقوا أرض (الشام) بالأرض المقدسة إلا بعد بخت نصر، وإنما فر منهم نحو الأربعين إلى أرض (مصر) مع دانيال- عليه السلام وأخذهم (بخت نصر) من (مصر) وخربها، فهذا التهويل أصله باطل.
قوله: (لم يكن النصارى بالغين في ابتدائهم إلى حد التواتر ولم يكن شرعهم حجة إلى بعثة محمد عليه السلام.
قلنا: اشتراط حصول العلم في الشرائع إنما هو وضع شرعي، ولله- تعالى- أن يكلف بالعلم مرة، وبغيره أخرى؛ لأجل تعذره، وكذلك تقدم قول التبريزي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في أول الإسلام يبعث رسله إلى القبائل يبلغونهم أصول الديانات والتوحيد، وغيره من العقائد التي يشترط في زماننا فيها العلم، وذلك للضرورة في ذلك الوقت؛ لأنه- عليه السلام لو بعث لكل قبيلة عدد التواتر لم يبق عنده أحد، ولم يف عددهم بذلك، وإذا كان ذلك وقع في شرعنا الذي هو أتم الشرائع للضرورة، فأولى أن يقع في شريعة عيسى عليه السلام؛ لأنه لم يؤمر بالقتال، ولا انتشرت كلمته قبل مفارقته للنصارى، بل كانت أصحابه نحو السبعين، وتفرقوا في البلاد، وكذلك الحواريون، فلم يحصل في جهة منهم إلا واحد، أو اثنان، فلم يشترط التواتر للضرورة.
* * *