الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(تنبيه)
اختلف العلماء في لفظ (غير):
هل ينصرف بالإضافة كسائر الأسماء، أو لا ينصرف كقول العرب:(مررت برجل غيرك) فتنعت به النكرات؛ لأن كل أحد يصدق عليه أنه غيرك، فكانت متوغلة في التنكير، أو الفرق بين أن تضاف لضدين لا ثالث لهما، فتنصرف كقولك: مررت بغير الساكن، فيتعين أنه المتحرك، وأيضًا لشيء لأضداده عدد كثير نحو:(غيرك) فلا تنصرف، ولهذا اختلف في قوله تعالى:} غير المغضوب عليهم {[الفاتحة:7] هل هو نعت لـ (الذين) أو بدل على هذه القاعدة؟ إذا تقرر هذا، فأمكن أن يقال: إن اسم الجنس إذا أضيف إنما يعم إذا كان المضاف يتعرف، أما إذا لم يتعرف فلا، ويكون العموم تابعًا للتعريف، كما كان الإطلاق تابعًا للتنكير.
كما أننا لو تخلينا أن (لام) التعريف في الجمع المعرف زائدة، وأنها لم تفد تعريفًا، لم يحصل العموم، وأمكن أن يقال: إن عدم التعريف لا يُخيل بالعموم؛ لأن النكرة شيء مع لا، وهي للعموم.
و (ما جاءني من أحد) نكرة، وهي للعموم، وإذا كان التعميم أعم من التعريف، لا يضر عدم التعريف؛ لأنه لا يلزم من عدم الأخص عدم الأعم، فهذا موضع نظر، فتأمله.
قوله: (إن كانت للعموم يكون معناه إن كل من اتبع كل ما كان مغايرًا لكل ما كان من سبيل المؤمنين استحق العقاب، وهذا لا يقتضي منع البعض):
قلنا: هذا بناء على أن صيغ العمومات كليات، وإنما هي كليات.
وقد بينا في أول كتاب العموم- أن مدلول العموم لو كان كلا لتعذر الاستدلال بالعموم في النفي والنهي، وإذا كان مدلول العموم كلية لا كلا، كان الوعيد في البعض كالكل سواء.
قوله: (عندنا يحرم بعض ما غاير بعض سبيل المؤمنين، أو بعض ما غاير كل سبيل المؤمنين، أو كل ما غاير بعض سبيل المؤمنين):
تقريره: أن الخصم يعتقد أن المراد بـ (سبيل المؤمنين) الإيمان لا الفروع، وبمغايرة الكفر، فيحرم بعض ما غاير بعض سبيل المؤمنين، فالبعض الأول الكفر، والثاني الإيمان، ويحرم بعض ما غاير كل سبيل المؤمنين، فالمراد بالبعض: الكفر، وبالكل: الإيمان
وجميع الفروع والبعض الذي هو الكفر مغاير لهذا الكل، ويحرم كل ما غاير بعض سبيل المؤمنين، فالمراد بالبعض الإيمان، والمراد بالكل كل شيء يخالف الإيمان وينافيه، ولا شك أن كل ما ينافي الإيمان حرام.
قوله: (من شرط صحة المجاز حصول المناسبة).
قلنا: العلاقة - هاهنا - أن الطريق الحسي موصل للقصد من السفر وغيره، والإيمان وما يختاره الإنسان لنفسه موصل لمقصده من ذلك الذي اختاره، فالعلاقة كون كل واحد منهما مفضيًا للقصد.
قوله: (التجوز إلى الدليل أولى):
قلنا: بل الحكم أولى؛ لأن (السبيل) لغة: هو ما يختاره الإنسان لنفسه موصلا لمقصده، والدليل لا يختاره الإنسان، بل النظر يقود إليه، أما الحكم إذا دل الدليل عليه، فإن الإنسان يختاره حينئذ بعد صحة النظر؛ ولأن الحكم هو المقصد، والدليل وسيلة، والمقاصد أهم من الوسائل، فحمل كلام الشرع على الأهم أولى من التجوز.
قوله: (بين إتباع سبيل المؤمنين، وإتباع سبيل غيره واسطة؛ لأن غير وإن كان للاستثناء، لكن أصله للصفة).
قلنا: كونها للاستثناء أو للصفة لا مدخل له هاهنا؛ فإنا وإن جعلناها صفة المنع متجه، فلا حاجة لهذه المقدمة.
قوله: (فإن قلت: ترك متابعة سبيل المؤمنين غير سبيل المؤمنين، فمن ترك متابعة سبيلهم، فقد اتبع غير سبيلهم):
قلنا: لا نسلم أنه غير سبيلهم؛ فإن كل واحد منهم لم يفت بما أفتى به لأجل الإتباع، بل لأجل الدليل، والإتباع إنما يكون بعد تقرر فتواهم، فالإتباع لغيرهم لا لهم، فترك المتابعة هو سبيلهم، وترك المتابعة أعم من المخالفة؛ فإنهم في أنفسهم لم يتبعوا أنفسهم، ولم يخالفوا أنفسهم، والمخالفة والموافقة إنما كانا بيانًا من الغير بالنسبة إليهم.
قوله: (المفهوم من عدم حصول الإجماع حصول الخلاف):
قلنا: لا نسلم، بل عدم الإجماع أعم؛ لأنه يكون بطريقين:
أحدهما: أن يختلفوا.
والثاني: ألا تقع المسألة ألبتة، أو تقع ولم يجدوا دليلا، وهم متفقون، فيصدق أنهم ما اجتمعوا ولا اختلفوا في هذه الصور كلها.
فعدم الإجماع أعم من الاختلاف، والأعم لا يفسر الأخص به، ولا يلزم على هذا التقدير أن يكون الإجماع مشروطًا بتجويز الخلاف، بل توقفهم حالة النظر، واتفاقهم على ذلك مشروط بالإجماع على الحكم آخرًا، فهو إجماع مشروط بإجماع، لا إجماع مشروط بتجويز اختلاف.
قوله: (الذين لم يوجدوا بعد فليسوا بمؤمنين):
قلنا: قد تقدم في (باب الاشتقاق) أول الكتاب أن المشتق على قسمين: محكوم به، ومتعلق للحكم.
فمتعلق الحكم يكون حقيقة مطلقًا في الحال، والماضي، والمستقبل، بخلاف المحكوم به، لا يكون حقيقة إلا في الحاضر فقط، و (المؤمنين) في الآية متعلق الحكم، والحكم هو وجوب متابعتهم، فتكون الآية تتناول المؤمنين أبدًا غاية في جميعهم، بل تتناول كل ما في مادة الإمكان، ويسقط هذا البحث هناك في الاشتقاق.
قوله: (الإجماع لا ينعقد إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم):
قلنا: قد تقدم في باب النسخ إمكان إجماعهم على الحكم في حياته عليه السلام، وما المانع من ذلك، وقد شهد عليه السلام لأمته بالعصمة، وأمته غيره، وهي موجودة في زمانه؟ فإذا أفتوا كلهم بشيء كان حقا، وتصور الإجماع، وكما تصورنا الإجماع بعد وفاته عليه السلام مع أن فتياه عليه السلام ليست من جملة فتاويهم، فكذلك يتصور في زمانه عليه السلام ليس معهم، ويكون قولهم حينئذ حجة، ويمكنه الوقوع.
قوله: (لم يثبت أن الذين كانوا موجودين في زمانه عليه السلام بقوا بعد وفاته عليه السلام فيحصل الشك في الإجماع):
قلنا: هذا السؤال يقتضي إذا سلم عدم وقوع الإجماع، ونحن إنما نتكلم في أن الإجماع إذا وقع هل هو حجة أم لا؟ وهذا لا ينفيه ألبتة.
قوله: (الإيمان: التصديق بالقلب، وهو غير معلوم، فكيف نعلم أنهم مؤمنون حتى نتبعهم؟):
قلنا: قد يعلم ما في القلب بقرائن الأحوال، ولذلك نقطع بكثير من أحوال النفوس من الفرح والغضب، وغير ذلك، بسبب ما يظهر على أهلها من قرائن الأحوال، فكذلك الإيمان والكفر.
قوله: (خطؤهم يخرجهم عن استحقاق الثواب):
قلنا: لا نسلم، بل المخطئ يؤجر؛ لقوله عليه السلام:(إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر)؛ ولأنهم بذلوا اجتهادهم في طاعة الله تعالى، وذلك عمل صالح يثابون عليه، وعلى نياتهم.
قوله: (الفقهاء يثبتون الإجماع بظواهر العمومات، ولا يكفرون من خالف العمومات لتأويل، ويكفرون من خالف الإجماع، فيجعلون الفرع أقوى من الأصل):
قلنا: الإجماع قطعي لأجل دلالة كل عموم، لا بالنظر إلى ذلك العموم وحده، بل جميع أصول الفقه مسائلة المشهورة قطعية، ومدرك القطع فيها يحصل لمن حصل له الاستقراء التام في نصوص الشريعة، وأقضيه الصحابة في فتاويهم ومناظراتهم، والإطلاع على كثرة واردات السنة في أعيان تلك المسائل، فيحصل القطع حينئذ، أما بمجرد آية أو خبر فلا، فهذا هو معنى قول العلماء:(مسائل أصول الفقه قطعية)، وليس في الممكن أن يوضع في كتاب جميع تلك الأمور التي تحصل العلم، كما أنا نقطع بسخاء حاتمٍ، وبشجاعة على؛ لكثرة الاستقراء لأخبارهما: ولو أنا لم نجد إلا كتابًا سطرت فيه حكايات كثيرة عنهما لم يحصل لنا القطع، فوضع العلماء في كتب أصول الفقه أصول المدارك دون نهاياتها تنبيهًا عليها، وحينئذ يتجه قولهم: إن مخالف الإجماع يكفر لمخالفته القطعي، ومخالف العموم لا يكفر لمخالفته الظني، وليس في ذلك ترجيح الفرع على الأصل؛ لأن أصل الإجماع في التحقيق إنما هو ذلك المجموع الذي أشرنا إليه، ولو خالف أحد ذلك المجموع كفرناه، وسوينا بين الفرع والأصل، بل نكفره بذلك الأصل القطعي بطريق الأولى؛ لكونه أصلا قطعيًا، وإذا لم نكفره بمخالفة عموم واحد نكون قد رجحنا الفرع على بعض أصله، ولا غرو في ذلك حينئذ،
فتأمل ذلك؛ فإن المصنف [قد] أكثر التشنيع في هذا المقام، وأداه صعوبة هذا الموضع إلى أن قال: الإجماع ظني، وهو خلاف إجماع من تقدمه كما حكاه هو هاهنا، وما سببه إلا عدم النظر في هذا البحث، فتأمله تخلص من هذه الضوائق إن شاء الله تعالى.
قوله: (عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة إلا على شرار أمتي):
قلنا: هذا لا ينافي كونهم في ذلك الوقت أجمعوا على واقعة واحدة، ويكونون شرارًا باعتبار كثرة فسوقهم؛ فإن الحكم للغالب كما أنا نقول: للصالحين: صالحون، وإن كان لهم هفوات كثيرة.
قال الله تعالى:} إن ربك واسع المغفرة {[النجم:32]، سلمنا عدم اجتماعهم في ذلك الوقت، لكنا ندعى أن الإجماع إذا وجد كان حجة، ولا ندعى أنه واجب الدوام، ولا واجب الوقوع في صورة معينة، فلا يقدح ذلك في غرضنا، وهذا هو الجواب عن نفيه الأحاديث التي أوردها في هذا الموضع.
قوله: (جاز الخطأ على كل واحد، فيجوز على الكل، كالزنج لما كان كل واحد أسود كان الكل أسود):
قلنا: الأحكام على قسمين:
منها ما لا يثبت إلا للمجموعات، ولا يثبت للآحاد، كالعلم بعدد التواتر، والري بعد شرب القدح، لا يثبت لكل نقطة منه، والشبع بالرغيف، لا يثبت لكل لبابة منه، والجيش يشيل الصخرة العظيمة دون آحاده، وهو كثير في العالم في الأدوية، و [في] الأغذية، والعلاجات ونحو ذلك.
ومنها ما يثبت للآحاد، ولا يثبت للمجموع، عكس الأول، كالألوان؛ فإن مجموع الصقلاب ليس أبيض، بل أفراده فقط؛ لأن البياض يعتمد جسمًا يقوم به، والمجموع فيه صورته ذهنية، لا وجود لها في الخارج، وما لا وجود له في الخارج يمتنع أن يقوم به البياض، وإنما توالي الأفراد في الخارج حتى يخلق الله - تعالى - عقيب ذلك التوالي علمًا في النفس من التواتر مثلا، أو ريا من توالي نقط الماء، أو شبعًا من توالي لباب الخبز، فهذا ممكن؛ لأنه يرجع إلى خلق الله - تعالى - موجودًا عند موجودات أخر، بخلاف قيام الأعراض، والألوان، والطعوم، والروائح، وجميع الصفات الحقيقية تعتمد موضوعات موجودة في الخارج، فتأمل هذا الموضع، وبه يظهر لك بطلان قولهم:(إن مجموع الزنج أسود)، وإن الخطأ إذا جاز على الآحاد جاز على المجموع، بل المجموع يخلق الله - تعالى - عقيبه العلم، ولا يخلقه عقيب الآحاد، ويخلق ظن الصواب عند الآحاد، وتجويز الخطأ، ولا يخلق ذلك عقيب التواتر، فهذا موضع غلط يقل التفطن له.
قوله: (حال الناس تختلف في الأمارة، فيستحيل إجماعهم لأجلها):
قلنا: الأمارة تارة تكون من النظر والاستنباط، فهذه يختلف الناس فيها، وتارة لا يكون الدليل قطعيًا، وتكون الأمارة الظنية خبرًا واحدًا، وقرينة حالية أو مقالية تعلم بالحس، ودلالتها في نفسها ظنية، فيتفق العقلاء عليها بالضرورة.
ومثاله: إذا روى في الواقعة حديث صحيح، والناس يسمعونه، وليس له معارض، فيستحيل على كل مؤمن إلا أن يعمل به، فيحصل الإجماع بالضرورة.
قوله: (بعض الناس يقول: الأمارة ليست حجة):
قلنا: هذا لا ينافي انعقاد الإجماع؛ لأن هذا القائل إما أن يكون مسبوقًا بالإجماع، فينعقد الإجماع على الحكم بأمارةٍ قبل طروء هذا المذهب، أو ينقرض هذا القائل، ولم يبق إلا من يقول بأن الأمارة حجة، فينعقد الإجماع حينئذ بالأمارة.
قوله: (إن لزم من عدم الشرط عدم المشروط، كان إتباع غير سبيل المؤمنين جائزًا مطلقًا، وهو باطل؛ لأن مخالفة الإجماع وإن لم يكن خطأ، لكن لا يكون صوابًا مطلقًا):
قلنا: هذا الكلام غير مفيد؛ لأن المعلق على الشرط هو التحريم، فينتفي التحريم عند انتفائه.
فإن أردت بقولك: (لا يكون صوابًا مطلقًا) أنه لا سبيل إلى القول بعدم تحريم مخالفته، فهذه مصادرة؛ لأن مذهب الخصم أن مخالفة الإجماع لا تكون حرامًا في حالة من الأحوال ألبتة.
وإن أردت أن التحريم ينتفي، ويبقي الندب للموافقة، فهذا لا يقدح في أن المشروط انتفى عند انتفاء الشرط، ولا يقدح في أن الإجماع لا يكون حجة، كما قاله الخصم، فلا يتحصل من هذا الكلام شيء.
قوله: (الشرط في (المشافه) هو تبين الهدى، بمعنى الدليل الدال على التوحيد):
تقريره: أن الشرط وإن كان لا يتناول إلا المستقبل، و (لام) التعريف
للعموم، لكن معنا في الآية ما يقتضي ذلك، وهو قوله تعالى:} تبين له الهدى {[النساء: 115] بلفظ الفعل الماضي، وهذا الماضي لا يكون معناه الاستقبال كقولك:(إن جاءني زيد أكرمته) تقديره: (إن يأتني أكرمه)، فلفظه ماضي، ومعناه مستقبل، وهاهنا ليس كذلك بسبب أن تبين الهدى هاهنا ليس مشروطا، بل خارج عنهما، كما تقول:(من يدخل داري بعد أن تقدم مني الإعلام أمس فله درهم)، فكأنك أوجبت الربط، واستحقاق الدرهم موصوفًا بأن ذلك الربط وقع بعد وقوع أمر آخر في الوجود، وكذلك هاهنا.
وإذا كان لفظ (تبين) ماضيًا لفظًا ومعنى، وجب ألا يكون الألف واللام فيه للعموم؛ فإن جميع أفراد الهدى وأدلة الفروع لا يلزم أن تكون كلها [قد] وقعت ودخلت الوجود قبل نزول هذه الآية، بل العموم غير متناهٍ، وغير المتناهي لا يقضي عليه بالدخول في الزمن الماضي، إذا بطل العموم تعين العهد، وإن الهدى هو المعجزة الدالة على صدق الرسول عليه السلام، والأدلة الدالة على الوحدانية وغيرها من قواعد الديانات.
قوله: ((الغير) و (السبيل) للعموم لصحة الاستثناء):
قلنا: قد تقدم في (باب الاستثناء) أنه أربعة أقسام:
ما لولاه لعلم دخوله، وما لولاه لظن دخوله، وما لولاه لجاز دخوله، وما لولاه لامتنع دخوله، فلعله هاهنا ما لولاه لجاز دخوله، فلا يبقي فيه حجة.
قوله: (لو لم يحمل على العموم بقيت الآية مجملة):
قلنا: لا نسلم، بل ذكر وصف الإيمان ينفي الإجمال، ويحمل على ما صاروا به مؤمنين.
قوله: (إذا أمر الله - تعالى - بإتباع سبيلهم في الاستدلال بالدليل، ثبت أن كل ما اتفقوا عليه صواب):
تقريره: أنه إذا وجب إتباعهم في الأدلة كانت حقًا، ومتى كان الدليل حقًا كانت المدلولات والأحكام حقًا، وكان الجميع صوابًا.
قوله: (لو قال: (غير سبيلهم، ولا يتبع سبيلهم)، كان ركيكًا، بل لو قال: لا يتبع غير سبيل الصالحين) لا يفهم منه إلا إتباع سبيلهم، ولذلك لا يستقبح:(لا تتبع سبيل غير الصالحين، ولا سبيلهم).
تقريره: أن هذه أمور وفروق مستفادة من عرف الاستعمال، وبعضها من الوضع.
فقولنا: (لا يتبع غير سبيل زيد) يفهم منه الأمر بإتباع سبيله، وقولنا:(لا يتبع غير سبيل زيد) يقتضي النهي عن إتباع سبيل زيد؛ لأن غير غير سبيل زيد هو سبيل زيد، وقولنا: ذلك الفرق فيه لغوي بخلاف قولنا: (لا يتبع زيد، وغير سبيل زيد).
يفهم من الثاني الأمر بإتباع سبيله، ولا يفهم من الأول، وسببه أن لفظ (غير) أشد إشعارًا بالمغايرة للآخر، بخلاف لفظ (السبيل) فيجوز لا تتبع سبيل زيد، ولا سبيل زيد أيضًا، بل اترك الإتباع مطلقًا، وكن أصلا في نفسك، حيث اقتضى الدليل حكمًا أعمل به، بخلاف (لا تتبع غير سبيل زيد)، والفرق هاهنا عرفي.
قوله: (أهل الإجماع حذفوا هذا الشرط في الإجماع على الحكم، دون الاختلاف والتوقف).
تقريره: أن الأمة إذا كانت في مهلة النظر، أو اتفقت على قولين، فإن المصلحة لم تتعين لأحد النقيضين، بل هي دائرة بينهما، وإذا أجمعوا على
قول واحد، وأفتوا تعينت المصلحة فيما أفتوا به، فلا معنى لاشتراط شيء في هذا الإجماع، بل مخالف مخطئ قطعًا؛ لتعين المصلحة فيه، بخلاف القسم الأول، جاز أن تتعين المصلحة في حالة غير هذه الحالة التي هم فيها.
فيقر هذه الحالة ما لم يظهر ما هو أرجح منها، فلذلك حسن الشرط، ولا حاله أحسن من اتفاقهم على الحكم الواحد؛ لتعين المصلحة فيه، فلم يحسن الشرط.
قوله: (سبيل الصالحين شيء مضاف للصالحين، والمضاف غير المضاف إليه، والصلاح جزء من ماهية الصالح):
قلنا: هذا غير متجه؛ فإن الخصم لم يقل: إن ما به صاروا صالحين هو عين الصالحين، حتى يتجه عليه أن المضاف غير المضاف إليه، بل قال: يجب متابعتهم في الذي أوجب وصولهم لهذه الغاية، لا في الحكم الذي أفتوا به.
قوله: (إذا تعذر حمله على الإيمان يحمل على المتابعة في الصلاح مجازًا).
قلنا: قد بينا فيما تقدم أن المشتق إذا كان متعلق الحكم لا يكون مجازًا، وإنما ذلك إذا كان محكومًا به.
قوله: (جميع المؤمنين هم الذين دخلوا في الوجود):
قلنا: لا نسلم، وإنما يلزم ذلك أن لو كان هذا المشتق محكومًا به، لكنه متعلق الحكم، فلا يختص بالموجود، ولا نفصل فيه بين الحال والاستقبال، إنما نفصل بينهما في المحكوم به.
قوله: (لو كان قول المؤمنين من أهل عصر النبي صلى الله عليه وسلم مطابقًا لقوله صار قولهم لغوًا):
قلنا: لا نسلم، بل تجتمع الحجتان وتضافر الأدلة ليس محالا، وقد شهد عليه السلام لأمته بالعصمة، وهو عليه السلام معصوم، فإذا تضافر القولان اجتمع المثلان من معصومين، فلم يلغ أحدهما.
قوله: (ظاهر اللفظ الكل إلا ما أخرجه الدليل من الأطفال والمجانين)
قلنا: قد تقدم في (باب العموم) أن مدلول العموم كلية لا كل، فادعاء الكل غير متجه، وإذا كان مدلول اللفظ الكلية يصير معنى الآية: وجوب إتباع كل واحد واحد من المؤمنين، وكل فرد على حياله يحرم مخالفته، وهذا لم يقل به أحد، بل يتعين أن يقال: صيغ المؤمنين متى استدل بها في كون الإجماع حجة يتعين أن يعتقد المستدل بها أنها استعملت مجازًا في غير موضوعها، وهو الكل من حيث هو كل، وهذا مجاز؛ لأن موضوعها الكلية، وهي مغايرة للكل كما تقرر في أول (العموم).
قوله: (المؤمن في اللغة: هو المصدق باللسان):
قلنا: لا نسلم، بل التصديق بالقلب، وإنما اللسان معرب عما في النفس، كما أن الكافر: من كفر بقلبه، ولم ينطق بلسانه، ولذلك يستحق الأول الخلود في الجنة، وإن لم ينطق إذا تعذر ذلك عليه، ولم يتسع له زمانه، والآخر يستحق النار إجماعًا، نطق أم لا.
قوله: (النهي لا يقتضي إمكان المنهي عنه من كل وجه؛ لأن الله - تعالى - نهي المؤمن عن الكفر، مع علمه بأنه لا يفعله):
قلنا: الخصم يقول: إن الأمة لو ورد فيها أنها معصومة تعذر ورود النهي لها عن المعاصي؛ لأن إخبار الله - تعالى - معلوم لنا بالوحي، وأما الامتناع الناشئ عن العلم، فهو أمر خفي لا يعلم إلا بوقوع أمره، فمن رأيناه على حاله علمنا أن الله - تعالى - علمها من ذلك الشخص، فلم لا يكون هذا الفرق كافيًا في الباب؟.