الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا ثبت هذا، فنقول: إن كان المراد من الخبر هو الحكم الذهني، فلا شك أن تصوره في الجملة بديهي، مركوز في فطرة العقل، وإن كان المراد منه اللفظة الدالة على هذه الماهية، فالإشكال غير وارد أيضا؛ لأن مطلق اللفظ الدال على المعنى البديهي التصور، يكون أيضا بديهي التصور.
المسألة الثالثة
قيل: لابد في الخبر من الإرادة
؛ لأن هذه الصيغة قد تجيء ولا تكون خبرا: إما لصدورها عن الساهي والحاكي، أو لأن المراد منها الأمر مجازا؛ كما في قوله:{والجروح قصاص} [المائدة: 45] وإذا كانت الصيغة صالحة للدلالة على الخبرية، وعلى غيرها، لم ينصرف إلى أحد الأمرين، دون الآخر، إلا لمرجح، وهو الإرادة، أو الداعي.
والكلام في هذا الأصل قد تقدم في أول "باب الأمر".
وأيضا: فلا معنى لكون الصيغة خبرا، إلا أن المتلفظ تلفظ بها، وكان مقصوده تعريف الغير ثبوت المخبر به للمخبر عنه، أو سلبه عنه.
وزعم أبو علي وأبو هاشم أن الصيغة- حال كونها خبرا- صفة معللة بتلك الإرادة، وإبطاله أيضا قد مضى في أول باب الأمر.
المسألة الثانية
"في حد الخبر"
قال القرافي: قوله: "يحتمل التصديق والتكذيب":
تقريره: أن الفرق بين الكذب والصدق، والتكذيب والتصديق أن الأولين يرجعان إلى نسبتين وإضافتين في نفس الأمر، وهما المطابقة في الصدق، وعدمها في الكذب على نوع من المخالفة للواقع، والمخالفة والمطابقة نسبتان
بين اللفظ ومدلوله، والاحتراز من الكلام اللساني أو النفساني على حسب ما يراد بهما، أي أخبرنا عن الصدق أو الكذب في ذلك الكلام، كإخبارنا عن ذلك هو التصديق أو التكذيب، فقد يوجد التصديق والتكذيب تبعا للصدق والكذب إن كان إخبارنا بذلك صادقا، وبدونها إن كان كاذبا، فقد يصدقوه وليس بصادق، ويكذبه وليس بكاذب، وكذلك يوجد الصدق والكذب بدون التصديق والتكذيب، فكل واحد أعم من الآخر، وأخص من وجه.
قوله: "احترزنا بقولنا: بنفسه عن الأمر؛ فإنه يفيد وجوب الفعل لكن لا بنفسه؛ لأن ماهية الأمر استدعاء الفعل، والصيغة لا تفيد إلا هذا العدد، ثم إنها تفيد كون الفعل واجبا تبعا لذلك".
قلنا: الصحيح عندنا أن الأمر موضوع للطلب الجازم، وهو الوجوب فهو يفيد بذاته الوجوب، وقولكم:"الاستدعاء الماهية يفيد الوجود" لا يتجه، بل لا يفيد الصيغة إلا الاستدعاء الخاص، الذي هو الوجوب، كما يفيد لفظ الإنسان الحيوان الخاص، الذي هو الناطق، وكذلك القول في النهي يفيد التحريم بذاته؛ لأنه موضوع لطلب الترك الجازم.
قوله: "الصدق والكذب نوعان تحت جنس الخبر":
قلنا: بل الصدق والكذب صفتان تعرضان للخبر على سبيل البدل، كالحركة والسكون للإنسان أو الحيوان، والصفة العارضة لا تكون نوعا من المعروض، نعم إذا وجد المعروض يفيد أحد العارضين كان نوعا، لكن ذلك يقال له: الصادق والكاذب.
قوله: "الجنس أعرف من ماهية النوع":
تقريره: أن كل شيء يتوقف عليه الجنس يتوقف عليه النوع لتوقفه على الجنس، وليس كل ما يتوقف عليه النوع يتوقف عليه الجنس، لجواز توقفه
على أمور ينشأ التوقف فيها عن خصوصه وفعله، وما كان أقل توقفا كان أدخل في الوجود، وأعرف؛ لقلة مقدماته.
قوله: "لا يمكن تعريف الصدق والكذب إلا بالخبر":
قلنا: قد تقدم أول الكتاب في تعريف العلم أن الحد شرح ما دل عليه اللفظ الأول بطريق الإجمال، فجاز أن يكون لفظ الخبر مجهولا لأي شيء وضع، ولفظ الصدق والكذب مسماه معلوم، فيعرف أحدهما بالآخر وكذلك بالعكس، وقد تقدم بسط هذا أيضا في حد الأمر، فلا دور حينئذ.
قوله: ""أو" للترديد، وهو ينافى التعريف":
قلنا: قد تقدم في حد الحكم الجواب عن هذا مبسوطا، وأنه حكم بالترديد لا ترديد في الحكم، وأن المنافع هو الثاني دون الأول.
قوله: "خبر الله- تعالى- خارج عن هذا الحد؛ لعدم احتماله الكذب":
قلنا: الحد إنما يتناول الخبر من حيث هو خبر، وقد يكون من حيث هو يقبل شيئا، ولا يقبله مضافا لغيره، كما نقول:"الواحد نصف الاثنين" لا يحتمل الكذب، و "الواحد نصف العشرة" لا يحتمل الصدق، فعلنا أن الخبر إنما يحد بالنظر إلى ذاته مع قطع النظر عن المخبر به، والمخبر عنه، أما تقيد أحدهما، فقد يمتنع عليه ذلك، ولا عجب من ذلك؛ فإن العدد من حيث هو عدد يقبل الزوج والفرد، وإذا أخذ بكونه عشرة لا يقبل الفرد أو بقيد كونه خمسة لا يقبل الزوج، والحيوان من حيث هو هو يقبل جميع الفصول، وإذا أخذ بقيد كونه إنسانا لا يقبلها كلها، وكذلك القول في جميع الأمور العامة والحقائق الكلية، فاندفع السؤال.
فإن قلت: فيتعين أن يريد في الحد من حيث هو كذلك.
قلت: إن نطق به فهو حسن، وإن سكت عنه فهو المفهوم عند الإطلاق؛