الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة
قال الرازي: اتفق الأكثرون على أن الخبر لابد وأن يكون: إما صدقا، وإما كذبا؛ خلافا للجاحظ
.
والحق أن المسألة لفظية؛ لأنا نعلم بالبديهة أن كل خبر أن يكون مطابقا للمخبر عنه، أو لا يكون:
فإن أريد بالصدق: الخبر المطابق، كيف كان، وبالكذب: الخبر الغير المطابق، كيف كان، وجب القطع بأنه لا واسطة بين الصدق والكذب، وإن أريد بالصدق: ما يكون مطابقا، مع أن المخبر يكون عالما بأنه غير مطابق- كان هناك قسم ثالث بالضرورة: وهو الخبر الذي لا يعلم قائله أنه مطابق، أم لا.
فثبت أن المسألة لفظية، فنقول: للجاحظ أن يحتج على قوله بالنص، والمعقول:
أما النص: فقوله تعالى؛ حكاية عن الكفار: {أفترى على الله كذبا أم به جنة} [سبا: 8] جعلوا إخباره عن نبوة نفسه: إما كذبا، وإما جنونا، مع أنهم كانوا يعتقدون أنه ليس برسول الله على التقديرين؛ وهذا يقتضى أن يكون إخباره عن نبوة نفسه، حال جنونه مع انه ليس بنبي عندهم- لا يكون كذبا؛ لأن المجعول في مقابلة الكذب، لا يكون كذبا.
وأما المعقول: فمن وجهين:
الأول: أن من غلب على ظنه أن زيدا في الدار، فأخبر عن كونه في الدار، ثم ظهر أنه ما كان كذلك، لم يقل أحد: إنه كذب في هذا الخبر.
الثاني: أن أكثر العمومات والمطلقات مخصصة ومقيدة، فلو كان الخبر الذي لا يطابق المخبر كذبا، لتطرق الكذب إلى كلام الشارع.
واحتج الجمهور: باتفاق الأمة على تكذيب اليهود والنصارى في كفرياتهم، مع أنا نعلم أن فيهم من لا يعلم فساد تلك المذاهب.
ويمكن أن يجاب عنه بان أدلة الإسلام، لما كانت جلية قوية، كان حالهم شبيها بحال من أخبر عن الشيء، مع العلم بفساده.
تنبيه: واعلم أن الخبر: إنا أن يقطع بكونه صدقا، أو بكونه كذبا، أو لا يقطع بواحد منهما، فلا جرم رتبنا هذا الكتاب على قسمين: القسم الأول في الخبر المقطوع به، وهو: إما أن يكون صدقا، أو كذبا:
أما الصدق: فطريق هذا القطع: إما أن يكون هو التواتر، أو غيره:
ونحن نتكلم أولا في التواتر، ثم في سائر الطرق المفيدة للقطع، ثم في الطرق التي يظن أنها تفيد القطع، وإن لم تكن كذلك.
المسألة الخامسة
الخبر إما صدق وإما كذب
قال القرافي: قوله: "إذا قال: زيد في الدار مع أنه ليس في الدار، وهو يظن أنه في الدار لم يقل أحد: إنه كذب":
قلنا: لا نسلم، بل جمهور أهل السنة لا يشترطون في الكذب الشعور بعدم المطابقة، بل يكفى عندهم في الكذب عدم المطابقة؛ لقوله عليه السلام:"من كذب علي عامدا متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" فدل بمفهومه على انه يمكنه أن يكذب غير متعمد.
وقوله عليه السلام: "كفى بالرجل كذبا أن يحدث بكل ما يسمع"، فجعله- عليه السلام كذبا مع أن الإنسان ما يحدث إلا بما يعتقده غالبا.
وقال عليه السلام: "بئس مطية الرجل زعموا"، وما ذلك إلا لأن ذلك قد يكون كذبا.
قوله: "أكثر العمومات مخصصة، والمطلقات مفيدة، فلو كان غير المطابق كذبا لكانت كذبا".
قلنا: لا نسلم، بل نحن نعني بالكذب أن يستعمل اللفظ في معنى على سبيل الحقيقة، أو المجاز، ولا يكون اللفظ مطابقا للذي استعمل اللفظ فيه فمن قال:"زيد في الدار، وليس في الدار"، فهو كذب، ومن قال:"هذا أسد"، ويريد استعمال اللفظ في مجازه على سبيل المجاز والمبالغة، وذلك الرجل الذي استعمل اللفظ فيه في غاية الجبن، كان كذبا لعدم المطابقة، فالعام المخصوص لم يستعمل اللفظ فيه إلا في الخصوص، والخصوص واقع، فالمطابقة حاصلة، والمطلق لم يستعمل إلا في المقيد، وهو واقع كذلك، أو في المطلق، ثم ارتدت الزيادة عليهن فلفظ المطلق المراد به
واقع، ولفظ الزيادة التي هي التقييد مدلوله واقع أيضا، فلا كذب ألبتة لأجل المطابقة لما استعمل اللفظ فيه.
قوله: "لما قويت أدلة الإسلام كان حال الكفار حال الكاذب":
قلنا: يلزم أن يكون قولنا بتكذيبهم مجازا، والأصل عدم المجاز.
***