الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: (الحديث يقتضي أن الشرار يكونون في ذلك الوقت، إما أن يكونوا بأسرهم شرارًا أو لا):
قلنا: هذه صيغة حصر تقتضي حصر الأول في الثاني، فينحصر قيام الساعة في الأشرار، فلا يوجد إلا شرير حينئذ كما إذا قلت:(لا تُصل إلا على طاهر).
يقتضي حصر الصلاة في الطاهر.
(تنبيه)
غير سراج الدين وزاد، فقال:[إن المعلق بالشرط] إن لم يكن عدمًا عند عدمه حصل الغرض
، وإن كان لم يكن حرمة إتباع غير سبيل المؤمنين مشروطة بمشاقة الرسول؛ لئلا يجوز إتباع كل ما هو غير سبيل المؤمنين عند عدم المشاقة.
قال: ولقائل أن يقول: لا يلزم حصول الغرض من القسم الأول؛ لجواز أن يكون المعلق بالشرط عدمًا عند عدمه، ويكون حرمة إتباع غير سبيل المؤمنين عدمًا عند عدم مشاقة الرسول.
وإن تردد في عدم هذه الحرمة عند عدم المشاقة لم يكن جواز المخالفة للإجماع في جميع الصور عند عدم المشاقة إن كانت الحرمة عدمًا عنده، إذ انتفاء حرمة كل إتباع لغير سبيل المؤمنين، لا يوجب جواز كل إتباع لغير سبيلهم.
ثم إثبات القسم الثاني من الترديد الأول يحصل غرضه، وأيضًا لم يرد
المعترض بذلك تعليق الحرمة بالمشاقة، بل ترتيب الوعيد على المشاقة، والاتباع المذكورين مجموعًا، ولا يلزم منه ترتيبه على كل واحدٍ منهما منفردًا، وما ذكره ليس جوابًا عنه.
وقال على قوله: (وهذا الشرط حذفه أهل الإجماع في الإجماع الثاني): ولقائل أن يقول: هذا جواب عن المقدمة بإثبات الحكم، وأما إثبات الحكم بدليل الإجماع، فالخصم يسلم أنه مخصوص.
ثم قال: ولقائل أن يقول: الخصم لا يسلم أن إثبات الحكم بغير الإجماع مخصوص، فله أن يلزم ذلك.
قلت: يريد بقوله: (إذا انتفى حرمة كل اتباع غير سبيل المؤمنين، لا يوجب جواز كل اتباع لغير سبيل المؤمنين) أن هذا الاستثناء ورد على موجبة كلية، وهو حرمة اتباع كل غير سبيل المؤمنين، وانتفاء الموجبة يكفي فيها الجزئية، فلا يلزم ثبوت الجواز في الكل.
وقوله: (القسم الثاني يحصل الغرض)، يريد أنه كان بعينه، ويحصل مقصوده من غير حاجة للترديد، ويرد على سراج الدين: أن الخصم يمنع حينئذ لولا الترديد.
قوله: (هذا جواب عن المقدمة بإثبات الحكم):
يريد: أنه جواب عن سؤال البعض بالتزامه، فليس دفعًا له.
قوله: (إثبات الحكم بدليل الإجماع، فالخصم يسلم أنه مخصوص):
يريد: أن الدليل الدال لأهل الإجماع على جواز الاختلاف خص بصورة الإجماع الثاني، فإنه لا يجوز الخلاف حينئذ.
قوله: (الخصم لا يسلم أن إثبات الحكم بغير الإجماع مخصوص):
يريد: أنه الخصم لا يعتقد الإجماع حجة، فيجوز عنده الخلاف بعد الإجماع الثاني.
قال التبريزي: الشيعة وإن أذعنوا بالقبول، لكنهم مغالطون فيه؛ لأنهم يعتقدون أن الإمام المعصوم في غمارهم، والحجة في قوله لا في قولهم، وهذه الآية وهي قوله تعالى:} ومن يشاقق الرسول {[النساء:115] تمسك بها الشافعي.
وقول المصنف: (إن الإجماع على المباح مخصوص من الدليل الدال على وجوب الإتباع) ضعيف؛ إذ لا تناقض بين اعتقاد وجوب الفعل من حيث هو متابعة، واعتقاده إباحته من حيث هو ذلك الفعل.
كما لو أمر السيد عبده باتباعه في الاصطياد، فالاعتماد في التخصيص على الإجماع.
وأما اتباع سبيلهم فهو واجب إلى حين الاتفاق؛ فإنه سبيلهم على هذا الوجه، وهو الجواب عن قوله: (سبيل الإجماع في الحكم أخذه من دليل لا بالإجماع (أن الحكم بمجرد دليل غير الإجماع سبيلهم في غير محل الإجماع، وقبل الإجماع، أما بعده فلا.
ثم قال: (من لم يخلق لا يسمى مؤمنًا، ولهذا إذا حضر الموجودون من فقهاء العصر صح أن يقال: حضر كل الفقهاء):
قلت: وقد علمت أن المؤمنين في الآية متعلق للحكم لا محكوم بإيمانهم، فلا يلزم ذلك.
ثم قال: إن المصنف داع من دعوى القطع وتفسيق المخالف للإجماع، ومن المعلوم إطباق التابعين، وكل قائل للإجماع على القطع بأن الإجماع حجة قاطعة، ولو تطرق احتمال إلى دلالة الإجماع، أو دلالة دليل الإجماع لكان
قطعهم به خطأ قطعًا، وكان المخالف إذا فسقوه، وبدعوه وشددوا النكير عليه أن ينكر عليهم نكيرهم وتفسيقهم بتفسيقهم إياه.
ويقول: هل ارتكبت إلا ترك [ما هو] ظاهر لما هو أظهر منه.
في نظري كما يصنع كل مجتهد في مجرى اجتهاده؟ فما هذا النكير؟
وأي فرق بين ظاهر وظاهر؟
والجواب السديد أن يقال: إن المسألة قطعية، ولا سبيل إلى إثبات أصول الشريعة بالظن؛ فإنه تشريع، ولم يتعبد بالظن إلا في الفروع لاسيما إثبات أصل تقدم على نصوص الكتاب والسنة المتواترة، والألفاظ اللغوية قد تفيد القطع، وإنكار ذلك قدح في قواطع الكتاب والسنة، وهو بين كفر وبدعة.
ثم يلزم منه عجز الأنبياء عليهم السلام عن تبليغ الرسائل على القطع، وفيه عجز مرسلهم عن تفهيم العباد الأحكام على القطع من طريق الوحي، وهو محال. نعم لا ننكر أن القطع لا يستند إلى مجرد العلم بالوضع؛ فإنه يحتمل الزيادة، والنقصان، والمجاز وغيره.
لكن يحصل الأمر منبهًا بتأكيدات وتكريرات.
وأما باعتبار حال المتكلم وهيئته وحركاته، والمعهود من عاداته، أو بأمر من خارج، أو بالمجموع، وذلك مما لا تحيط العبارة بتفاصيلها، كيف ولو أنها أحاطت لما أغنت؟ فإن حكايتها لا تقوم مقامها، فيستفيد المشاهدون لها القطع بالمشاهدة، والغائبون عنها بواسطة قطع المشاهدين، وقرائن تفيد القطع بأن قطعهم عن قاطع، كما في سائر قواطع الكتاب والسنة، ولو كلفنا أنفسنا أبدًا دليلا على ثبوت مباني الإسلام، وطهارات الأحداث والأخباث، وغير ذلك مما لا نجد للاحتمال فيه مجالا، وبذلنا فيه كل الوسع حتى اجتهدنا فيه بالفكر، والنظر لم نظفر بما بلغ من صرائح النصوص.
كقوله تعالى:} فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا
موقوتًا {[النساء:103]،} كتب عليكم القصاص {[البقرة:178]،} ولله على الناس حج البيت {[آل عمران: 97]،} إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا {[المائدة:6]،} وإن كنتم جنبًا فاطهروا {[المائدة: 6]، (بني الإسلام على خمس)، وأمثالها.
ولو جردنا النظر فيها إلى الوضع لم نرجع فيها إلى أكثر من ظاهر يقبل التأويل.
فما هذا القطع، ولا قاطع؟
ولا يمكن إسناده إلى الإجماع؛ لأنه ليس بحجة قاطعة، ثم هو فرع دلالة اللفظ، ولا إلى عدد التواتر؛ فإنه لا أثر لكثرة الرواة في الدلالة.
فالشافعي إنما ذكر أصل الدليل في المسألة؛ لأن مستند قطعه بمدلوله هو النظر إلى مقتضى الوضع فحسب، بل جاز أن يستند في ذلك إلى ما يطابق على مقتضاه من ألفاظ الكتاب والسنة صريحًا وإلى قرائن أخرى حسب ما فصلناه.
ثم قال من الجواب عن قولهم: (الأمة منهية عن المعاصي، فلا يكونون معصومين).
قد قال الله تعالى:} لئن أشركت ليحبطن عملك {[الزمر:65]،} ولا تدع مع الله إلهًا آخر {[القصص:88]، وهو - تعالى - يعلم عصمته عليه السلام بل لو لم يكن ممنوعًا عما عصم عنه لما كان ذلك عصمة، فليفهم ذلك.
وعن قولهم: (الخطأ جائز على كل واحد، فيجوز على الكل): أن ذلك الجواب مشروط بالانفراد، وقد فقد الشرط حالة الإجماع.
* * *