الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثالث
فيما أدخل في الإجماع، وليس منه
قال الرازي المسألة الأولي: إذا قال بعض أهل العصر قولا، وكان الباقون حاضرين، لكنهم سكتوا، وما أنكروه، فمذهب الشافعي رضي الله عنه وهو الحق أنه ليس بإجماع، ولا حجةٍ.
وقال الجبائي: إنه إجماع وحجة بعد انقراض العصر.
وقال أبو هاشمٍ: ليس بإجماعٍ، ولكنه حجة.
وقال أبو علي بن أبي هريرة: إن كان هذا القول من حاكمٍ، لم يكن إجماعًا، ولا حجةً، وإن لم يكن من حاكمٍ، كان إجماعًا، وحجةً.
لنا: أن السكوت يحتمل وجوهًا أخر، سوى الرضا، وهي ثمانية:
أحدها: أن يكون في باطنه مانع من إظهار القول، وقد تظهر عليه قرائن السخط.
وثانيها: ربما رآه قولا سائغًا أدى اجتهاده إليه، وإن لم يكن موافقًا عليه.
وثالثها: أن يعتقد أن كل مجتهدٍ مصيب؛ فلا يرى الإنكار فرضًا أصلا.
ورابعها: ربما أراد الإنكار، ولكنه ينتهز فرصة التمكن منه، ولا يرى المبادرة إليه مصلحةً.
وخامسها: أنه لو أنكر، لم يلتفت إليه، ولحقه بسبب ذلك ذل، كما قال ابن عباسٍ في سكوته عن العول:(هبته، وكان والله مهيبًا).
وسادسها: ربما في مهلة النظر.
وسابعها: ربما سكت؛ لظنه أن غيره يقوم مقامه في ذلك الإنكار، وإن كان قد غلط فيه.
وثامنها: ربما رأي ذلك الخطأ من الصغائر، فلم ينكره.
وإذا احتمل السكوت هذه الجهات، كما احتمل الرضا، علمنا أنه لا يدل على الرضا، لا قطعًا، ولا ظاهرًا، وهذا معنى قول الشافعي، رحمه الله:(لا ينسب إلى ساكتٍ قول).
واحتج الجبائي: بأن العادة جارية بان الناس، إذا تفكروا في مسألة زمانًا طويلا، واعتقدوا خلاف ما انتشر من القول، أظهروه، إذا لم تكن هناك تقية، ولو كانت هناك تقية، لظهرت واشتهرت فيما بين الناس، فلما لم يظهر سبب التقية، ولم يظهر الخلاف، علمنا حصول الموافقة.
وجوابه: ما بينا أن وراء الرضا احتمالات أخرى.
واحتج أبو هاشمٍ: بأن الناس في كل عصرٍ يحتجون بالقول المنتشر في الصحابة، إذا لم يعرف له مخالف.
وجوابه: أن ذلك ممنوع.
واحتج أبو علي بن أبي هريرة: بأن هذا القول، إن كان من حاكمٍ، لم يدل سكوت الباقين على الإجماع؛ لأن الواحد منا قد يحضر مجالس الحكام فيجدهم يحكمون بخلاف مذهبه، وما يعتقده، ثم لا ينكر عليهم، وإن كان من غير الحاكم، كان إجماعًا، وهو ضعيف؛ لأن عدم الإنكار إنما يكون بعد
استقرار المذهب، وأما حال الطلب، فالخصم لا يسلم جواز السكوت، إلا عن الرضا، سواء كان مع الحاكم، أو مع غيره، والله أعلم.
القسم الثالث
(فيما أدخل في الإجماع وليس منه)
قال القرافي: قوله: (مذهب الشافعي ليس إجماعًا، ولا حجة على آخره):
تقريره: أنه لما كان السكوت محتملا للمخالفة وغيرها، لم يبق إلا قول البعض، وهو ليس بإجماع ولا حجة.
وقال الجبائي: إجماع وحجة؛ لأن السكوت دليل الرضا، فالمنطوق به قول الكل، فيكون إجماعًا وحجة.
وقال أبو هاشمٍ: ليس بإجماع ألبتة، لأن السكوت لا يقوم مقام النطق؛ فلا يكون إجماعًا، وهو يفيد ظنًا قويًا؛ فيكون حجة لذلك.
وقال ابن أبي هريرة: إن كان القائل حاكمًا لم يكن إجماعًا ولا حجة، وإلا فإجماع وحجة؛ لأن الحاكم كثير الفحص عن رعيته، فيعلم من الأسباب، والأحوال ما لم يطلع عليه غيره.
فربما كان ظاهر حكمه على خلاف الإجماع؛ لأجل ما خفي عن غيره، وهو حق، فهو يعتمد في حكمه أسبابًا وأحوالا، ومدارك شرعية.
وربما أداة إلى ترجيح ما هو مرجوح في غير هذه الصورة، وأما غير الحاكم فلا يحكم إلا بالأدلة الشرعية فقط.
وغيره يشاركه في ذلك، فلو أخطأ لرد عليه غيره، ويتعدد الرد في حق الحاكم؛ لتعدد جهات حكمه.
قوله: (ربما رآه قولا سائغًا لمن أداه اجتهاده إليه، وإن لم يوافق عليه):
تقريره: أن المصالح قد تتقارب، ولا يتعين الخطأ في أحدها، فلا نقول به لعدم الرجحان عنده، ولا ننكره لعدم تعين مفسدته.
قوله: (قد يعتقد أن كل مجتهد مصيب):
قلنا: هذا غير مانعٍ من الإنكار؛ لأنه وإن اعتقد ذلك، فهو يعتقد مع ذلك أن القائل وإن اجتهد فقد أخطأ الراجح والدليل بالكلية، فينكر عليه لذلك.
وإن كان يعتقد أنه مكلف بما غلب على ظنه، فإنا وإن قلنا: كل مجتهد مصيب، فإنا لم نقل: إن الأدلة مستوية، ولا أن كل أحد لابد أن يصادف في اجتهاده مدركًا صحيحًا، بل قد يتفق خلاف ذلك على هذا التقدير.
قوله: (ربما أراد الإنكار، ولكنه ينتظر الفرصة):
تقريره: أنه يروى عن جعفر الصادق: (ما كل ما يعلم يقال ولا كل ما يقال حضر رجاله، ولا كل ما حضر رجاله حضر أوانه، ولا كل ما حضر أوانه حضرت أحواله، ولا كل ما حضرت أحواله أمن غوره، فاحذر لسانك ما استطعت، والسلام).
قوله: (لو أنكر لحدث بسبب ذلك كما قال ابن عباس في سكوته عن القول: هبته، وكان مهيبًا) يعني: عمر رضي الله عنهما.
قلنا: هذا يتعين حمله على أن الدليل لم يكن في غاية الظهور عند ابن عباس، وكان الظهور في الدليل يحتاج لنظرة وإيضاح، والهيبة تمنع من ذلك، فلم يتعين الإنكار، أما لو ظهر الدليل ظهورًا تامًا، فالمعلوم من أخلاق الصحابة أنهم لا يسكتون على مثل هذا.
قوله: (رأي ذلك الخطأ من الصغائر فلم ينكره):