الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة
قال الرازي: إذا قال القائل: العالم حادث فمدلول هذا الكلام حكمه بثبوت الحدوث للعالم
، لا نفس ثبوت الحدوث للعالم؛ إذ لو كان مدلوله نفس ثبوت الحدوث للعالم، لكان حيثما وجد قولنا:"العالم محدث" كان العالم محدثا؛ لا محالة؛ فوجب ألا يكون الكذب خبرا.
ولما بطل ذلك: علمنا أن مدلول الصيغة هو الحكم بالنسبة، لا نفس النسبة.
بقى هاهنا البحث عن ماهية الحكم؛ فإنه لا يجوز أن يكون المراد منه الاعتقاد؛ لأن الإنسان قد يخبر عما لا يعتقد فيه ألبتة؛ لأن من لا يعتقد أن زيدا في الدار، يمكنه، والحالة هذه، أن يقول:"زيد في الدار"، ولا يجوز أن يكون المراد منه الإرادة؛ لأن الإخبار قد يكون عن الواجب والممتنع، مع أن الإرادة يمتنع تعلقها به، فلم يبق إلا أن يكون الحكم الذهني أمرا مغايرا لجنس الاعتقادات والقصود، وذلك هو كلام النفس الذي لا يقول به أحد إلا أصحابنا.
المسألة الرابعة
إذا قال القائل: العالم حادث.
قال القرافي: قوله: "لو كان مدلول قولنا: العالم حادث نفس ثبوت الحدوث للعالم لكان، حيث وجد هذا القول، وجد حدوث العالم، فوجب ألا يكون الكذب خبرا":
قلنا: هذا البحث ينبني على أن الألفاظ هل وضعت للصور الذهنية، أو للحقائق الخارجية، فيكون قولنا: العالم حادث مدلوله الحكم؛ لأنه الذهني، وأما قولهم:"يلزم حدوث العالم":
قلنا: لا نسلم، وإنما يلزم ذلك أن لو كان اللفظ نفس مدلوله، فيلزم من وجوده وجوده، أو يكون غيره، لكن دلالته عليه قطعية، فلا ينفك المدلول عن وجود الدليل، أما إذا كان مدلوله الأمر الخارج الذي هو وقوع الحدوث للعالم، وكانت الدلالة ظنية، فيجوز أن يوجد الدليل حينئذ بدون مدلوله.
وقوله: "لا يكون الكذب خبرا": الأحسن تغيير العبارة، فنقول: لا يكون الخبر كذبا؛ لأن الكذب إذا تعذر لملازمة الدليل المدلول لا يتصف الخبر أبدا إلا بالصدق، فلا يكون الخبر كذبا؛ وأما الكذب في نفسه يكون متعذرا مطلقا فلا حاجة إلى قولنا: لا يكون الكذب خبرا؛ لان ذلك يوهم أنه قد يكون غير خبر، والمتعدد في نفسه على هذا التقدير لا يوجد مع الخبر، ولا مع غيره.
قوله: "من لا يعتقد أن زيدا في الدار يمكنه أن يقول: زيد في الدار":
قلنا: هذا لا يتجه مع قولكم: "إن مدلول اللفظ هو الحكم الذهني": لأن هذا القائل لم يحكم في ذهنه بأن زيدا في الدار ألبتة، بل قال ذلك بلسانه، وهو يعتقد بقلبه خلافه، فيفيدكم هذا أن اللفظ غير الاعتقاد، ومقصودكم أن الحكم الذي هو الخبر النفسي أحد أنواع الكلام غير الاعتقاد، ومقصودكم أن الحكم الذي هو الخبر النفسي أحد أنواع الكلام غير الاعتقاد، وهذا لا يفيده، بل إذا قصد تحقيق الكلام النفسي بهذا الطريق، فيؤخذ ما تقدم أول الكتاب من حكم الذهن بأمر على أمر إما أن يكون جازما، أو لا يكون إلى آخر التقسيم المتقدم، فيظهر أن الحكم الذي هو الإسناد أعم من العلم والظن والجهل، وجميع تلك الأقسام؛ لأنه مورد التقسيم فيها، ويؤخذ أيضا من قولنا: لو كان الواحد نصف العشرة لكانت العشرة اثنين، فقد أسندنا نصف العشرة للواحد، والاثنين للعشرة، ونحن لا نعتقده، وكذلك في براهين الخلف، وهي إثبات الدعوى بإقامة الدليل على إبطال نقيضها، كقولنا: العالم حادث؛ لأنه لو كان قديما للزم كذا وكذا، فقد