الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن قلت: هذا النقض يلزم منه أن يكون الأخص لا يستلزم الأعم، أو أن العلم بالكلي لا يستلزم العلم بالجزء، وكلاهما باطل بالضرورة؛ لأن العلم بالأخص إذا حصل بدون كسب، والأعم يفتقر للكسب، يلزم ألا يكون حاصلا، فيلزم عدم العلم به، فيلزم أحد الأمرين.
قلت: ليس كذلك، بل جاز أن يكون المعلوم من الأخص وجها من وجوهه علما إجماليا، فلا يلزم العلم بالأعم؛ لأن معنى قولنا العلم بالكل يستلزم العلم بالجزء التفصيلي بجميع وجوه الحقيقة، أما العلم الإجمالي المتعلق ببعض وجوه الحقيقة فلا، وهذا معنى معرفة نفسي الخاصة أي: من وجه اختصاصها بي، واتصافها بأحوالي الخاصة بي لا من حيث ذاتها، وحقيقتها وهيئتها، وبهذا نقول له: جاز أن يكون الخبر الخاص معلوما من بعض وجوهه كالنفس، فلا يكون مطلق الخبر معلوما بالضرورة.
"
سؤال"
قال "النقشواني": قد يطلب تعريف الشيء تفصيلا من جميع وجوهه، وقد يطلب تعريفه من وجه
، وعلى الأول يلزم الدور بين الصدق والكذب، ومطلق الخبر، وعلى الثاني لا يلزم؛ لأن كل واحد منهما حينئذ إنما يقصد تعريف من وجه، فيكون الوجه المعروف من أحدهما للآخر لا يحتاج للمعرف به، وكذلك القول في الوجه من الجهة الأخرى، فلا يلزم الدور، وكذلك تندفع هذه الأدوار في السلب والإيجاب، والنفي والإثبات، وجميع ذلك إذا عرف به الخبر.
"
تنبيه"
زاد التبريزي فقال: الصدق والكذب وصفان للخبر لا نوعان
؛ فإنهما يرجعان إلى مطابقة الوجود، وعدم المطابقة، وما الشيء باعتبار الإضافة إلى
غيره لا يكون نوعا له ولآخر ماهيته، والوصف يصلح معرفا للموصوف، وإنما يكون الصدق معرفا للخبر إذا وصفنا به المتكلم لا الكلام.
فقلنا: "صدق الرجل"، وليس هو المراد هاهنا.
قلت: وهذا غير متجه فإن صفة المتكلم لا تكون نوعا من الكلام، بل ذلك أبعد عن النوعية فإن فصل الشيء لا يكون صفة لغيره، ثم قال: والجواب عن التصديق والتكذيب أن المراد بهما قولنا: "صدقت وكذبت" بما هو هذا القول من غير نظر إلى اعتبار حقيقته، ويمكن معرفة هذا القول بما هو دون الإحاطة بماهية الخبر.
قال: والجواب عن سؤال المغايرة في الوجود الوارد على أبي الحسين أن التغاير يتحقق بالنظر إلى اختلاف الاعتبار، وهو جهة صحة معظم الأخبار، ففي الدعاء "اللهم أنت أنت، وأنا أنا، وفي الذكر: "يا من هو هو"، ويقول الإنسان: المسمى بالأسد هو المسمى بـ "الليث"، بل إذا قلنا: هذا زيد، لم يمكن تحقيق التغاير بين المبتدأ وخبره، إلا بأن نضع المبتدأ شيئا ما، مجهولا باعتبار ذاته معلوما بحكم اسم الإشارة، والخبر ذلك الغير الذي عرف لفظ زيد علما عليه؛ فإن المفهومين هما مختلفان في الاعتبار الذهني، متحدان في الوجود الحقيقي، وكذلك قولنا: السواد موجود، بل لو اعتقدنا تقرير قاعدة الأحوال لم يندفع الإشكال؛ فإنا إذا قلنا: "السواد لون"، لم يمكن أن يؤخذ اللون بما هو حقيقة الجنس جزئي الخبر، فإنه ينقسم إلى أنواع من جملها السواد، فكيف يكون هذا السواد دالا على أنه آخر جزئيات اللون عن السواد، وهو المبتدأ الذي أخبرنا عنه، فإذا اتحد المبتدأ والخبر، صار هو خبرا عن نفسه، ولكن باعتبار الحقيقة، أما بالإضافة إلى الاعتبارات الذهنية فلا.
قال: وعن الثاني الوارد على أبي الحسين أن قولنا: "الحيوان الناطق" لا يتضمن نفيا ولا إثباتا.
وعن الثالث: أن المراد بالنفي والإثبات هو المصدر لا الفعل، وهو مفرد، فلا يكون خبرا.
قال: وقوله: "حقيقة الخبر ضرورية ليتوقف الخبر الخاص على العام"- تمويه؛ فإن البحث إما أن يقع على لفظ لماذا وضع أو عن ماهية موضوعه، مع العلم بالوضع، فإن كان الأول فهو تصديق من باب السمع، فكيف يدرك بالضرورة أو بالنظر؟ وإن كان الثاني فلا شك انه قسم من أقسام الكلام، والكلام إن أخذ على أنه من قبيل النطق اللساني، وهو المقصود بالبحث في علم الأصول، فالعلم به علم بكيفية تركيب في أمر وضعي، فيكيف يكون ضروريا؟
وإن أخذ على أنه من النفساني، فقد اختلف العقلاء في أصل ثبوته، فكيف يكون وقوعه ضروريا وجدانيا؟ ثم برهان افتقاره للحد والرسم أنه أمر مركب؛ لان جزأه الأعم الذي هو أقرب أجناسه هو الكلام، وهو أيضا مركب، فيتقدم بالضرورة تصور جنسه على تصوره، وهو معنى الاكتساب بالحد.
قلت: سؤال: إذا قلنا: "زيد قائم" ينبغي ألا يصح، وكذلك جميع الأخبار؛ لأن الخبر الذي هو قائم إما أن يكون عين زيد أو غيره، فإن كان عينه، فيكون مثل قولنا:"زيد زيد"، و "عمر عمرو"، فإنه لا يفيد شيئا، ومنه "الليل ليل"، و "النهار نهار"، وإن كان غيره فهو كقولنا: زيد عمرو، فإنه لا يصح؛ لأنه كذب على أحد المتباينين، لا يكون عين الآخر، فبطلت الإخبارات مطلقا.