الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الرابع
في الطريق الذي به يعرف كون الناسخ ناسخًا، والمنسوخ منسوخًا
قال الرازي: قد يعلم ذلك باللفظ تارةً، وبغيره أخرى:
أما اللفظ: فهو: أن يوجد لفظ النسخ: إما بأن يقول: هذا منسوخ، أو يقول: ذاك ينسخ هذا.
وأما غير اللفظ: فهو: أن يأتي بنقيض الحكم الأول، أو بضده، مع العلم بالتاريخ:
مثال النقيض: قوله تعالى:} الآن خفف الله عنكم {[الأنفال: 66] فإنه نسخ لثبات الواحد للعشرة؛ لأن التخفيف نفى للثقل المذكور.
ومثال الضد: التحويل من قبلةٍ إلى أخرى؛ لأن التوجه إلى الكعبة ضد التوجه إلى بيت المقدس.
وأما التاريخ: فقد يعلم باللفظ، أو بغيره:
أما اللفظ: فكما إذا قال: أحد الخبرين قبل الآخر.
وأما غير اللفظ: فعلى وجوهٍ.
أحدها: أن يقول: هذا الخبر ورد سنة كذا، وهذا في سنة كذا.
وثانيها: أن يعلق أحدهما على زمان معلوم التقدم، والآخر بالعكس؛ كما لو قال: كان هذا في غزاة بدر، والآخر في غزاة أحد، وهذه الآية نزلت قبل الهجرة، والأخرى بعدها.
وثالثها: أن يروى أحدهما رجل متقدم الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويروى الآخر رجل متأخر الصحبة، وانقطعت صحبة الأول للرسول، عليه السلام، عند ابتداء الآخر بصحبته؛ فهذا يقتضي أن يكون خبر الأول متقدمًا، أما لو دامت صحبة المتقدم مع الرسول، عليه الصلاة والسلام، لم يصح هذا الاستدلال.
ويتفرع على هذا الأصل مسائل:
مسألة: قال القاضي عبد الجبار: الصحابي إذا قال في أحد الخبرين المتواترين: (إنه كان قبل الآخر) قبل ذلك، وإن لم يقل قوله في نسخ المعلوم؛ كما تقبل شهادة الشاهدين في الإحصان، الذي يترتب عليه الرجم، وإن لم يقبل في إثبات الرجم، وكما يقبل قول القابلة في الولد: إنه من إحدى المرأتين، وإن كان يترتب على ذلك ثبوت نسب الولد من صاحب الفراش، مع أن شهادة المرأة لا تقبل في ثبوت النسب.
قال أبو الحسين، رحمه الله: هذا يقتضي الجواز العقلي، في قبول خبر الواحد في تاريخ الناسخ، ولا يقتضي وقوعه إلا إذا تبين أنه يلزم من ثبوت أحد الحكمين ثبوت الآخر.
مسألة: إذا قال الصحابي: (كان هذا الحكم، ثم نسخ) كقولهم: (إن خبر: (الماء من الماء) نسخ بخبر التقاء الختانين) لم يكن ذلك حجةً؛ لأنه يجوز أن يكون قاله اجتهادًا؛ فلا يلزمنا.
وعن الكرخي: أن الراوي إذا عين الناسخ؛ فقال: (هذا نسخ هذا)، جاز أن يكون قاله؛ اجتهادًا؛ فلا يجب الرجوع إليه.
وإن لم يعين الناسخ، بل قال:(هذا منسوخ) وجب قبوله؛ لأنه لولا ظهور النسخ فيه، لما أطلق النسخ إطلاقًا.
وهذا ضعيف؛ فلعله قاله لقوة ظنه في أن الأمر كذلك، وإن كان قد أخطأ فيه، والله أعلم بالصواب.
القسم الرابع
في معرفة النسخ
قال القرافي: قوله: (يعرف النسخ بالإتيان بالنقيض أو الضد).
يريد في الوقت الذي يتعين للأصل المنسوخ.
قوله: (لو دامت صحبة الأول لم يصح هذا الاستدلال).
تقريره: أن المتقدم الصحبة إذا دامت صحبته قد يروى حديثًا بعد الذي رواه المتأخر الصحبة، فلا يدل تقدم الصحبة على تأخر الحديث.
قوله: (يقبل قول الصحابي في أن هذا المتواتر قبل ذلك المتواتر، كما يقبل الاثنين في الإحصان دون الزنا، والمرأة في أن الولد من هذا المرأة).
تقريره: أن التقدم شرط النسخ، والإحصان شرط اعتبار الرجم، والولادة شرط ثبوت النسب، فقاس أحدهما على الآخر.
قوله: (هذا يقتضي الجواز العقلي دون الوقوع حتى يتبين اشتراك الجميع في مدرك الحكم).
تقريره: أن هذه أبواب متباينة جدًا، فلعل المخالفة في أحدها بين أصله، وفرعه لمعنى يخصه، فلابد أن يبين التسوية في المدرك حتى يحصل الاستواء في الحكم.
قوله: (إذا لم يذكر الناسخ يقبل، بخلاف إذا عينه).