الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
قال الرازي: لا شك في أن النقصان من العبادة نسخ لما أسقط
، ولا شك في أن ما لا تتوقف عليه صحة العبادة لا يكون نسخه نسخا للعبادة؛ كما لو قال:" أوجبت الصلاة والزكاة " ثم قال: " نسخت الزكاة ".
أما الذي تتوقف صحة العبادة عليه، فذلك قد يكون جزءا من ماهية العبادة، وقد يكون خارجا عنها، واختلفوا فيه، فقال الكرخي: نقصان ما تتوقف العبادة عليه، سواء كان جزءا، أو خارجا، لا يقتضي نسخ العبادة، وهو المختار.
وقال القاضي عبد الجبار: نقصان الجزء يقتضي نسخ الباقي، ونقصان الشرط المنفصل لا يقتضي نسخ الباقي.
فتقول: الدليل عليه: أن نسخ أحد الجزءين لا يقتضي نسخ الجزء الآخر، وذلك؛ لأن الدليل المقتضي للكل كان متناولا للجزئين، فخروج أحد الجزءين لا يقتضي خروج الجزء الآخر، كسائر أدلة التخصيص.
واحتجوا: بأن نقصان الركعة من الصلاة يقتضي رفع وجوب تأخير التشهد، ونفي إجزائها من دون الركعة؛ لأن قبل النسخ ما كان تجوز الصلاة من دون هذه الركعة.
وأيضا: إن كانت الركعة، لما نسخت، أوجبت علينا أن نخلي الصلاة منها فقد ارتفع إجزاء الصلاة، إذا فعلناها مع الركعة المنسوخة، وإجزاء الصلاة مع الركعة قد يكون حكما شرعيا؛ فجاز أن يكون رفعه نسخاً.
والجواب: أن هذه أحكام للركعة الباقية، مغايرة لذاتها؛ فكان نسخها مغايرًا لنسخ تلك الذات.
وأما نقصان الشرط المنفصل من العبادة، فلا يقتضي نسخ العبادة؛ لأنهما عبادتان، فإذا نسخ إحداهما؛ لدليل مقصورٍ عليها، لم يجز نسخ الأخرى.
فعلى هذا: نسخ الوضوء لا يكون نسخًا للصلاة، بل نفي الإجزاء مع فقد الطهارة قد زال؛ وذلك لأن الصلاة ما كانت تجزئ بلا طهارةٍ، فإذا نسخ وجوب الطهارة صارت مجزئةً، وارتفع نفي إجزائيها، فإن أراد الإنسان بقوله:(إن نسخ الوضوء يقتضي نسخ الصلاة) هذا المعنى - فصحيح، لكن الكلام موهم؛ لأن إطلاق القول بأن الصلاة منسوخة هو أنه قد خرجت عن الوجوب، أو عن أن تكون عبادةً، والله أعلم.
المسألة الثانية
النقصان من العبادة نسخ لما أسقط
قال القرافي: قال سيف الدين: اتفقوا على أن نسخ سنة من السنن، كنسخ ستر الرأس؛ والوقوف على يمين الإمام، لا يكون نسخا لتلك العبادة، أما ما تتوقف عليه العبادة فثلاثة أقوال:
لا يكون ناسخا.
وقال بعض المتكلمين: إنه نسخ مطلقًا، وإليه مال الغزالي.
ومنهم من فصل بين الجزء والشرط.
قال الغزالي في (المستصفي): (نسخ بعض العبادة، أو شرطها، أو سنة من سننها هل هو نسخ؟) وحكي الخلاف، ولم يفرق، ونص فيه على السنة خلاف سيف الدين.
قوله: (قال القاضي عبد الجبار: نسخ الجزء يقتضي نسخ الباقي، بخلاف الشرط).
تقريره: أن الجزء داخل في الماهية، فإسقاطه يغيرها، والشرط خارجي، فالماهية تبقي على صورتها، وتركيبها، ونظامها، فهذا منه يحسن فرقًا، ولا يحسن دليلا، لما سيأتي في أن الكل سواء.
قوله: (نقصان الركعة يقتضي رفع وجوب تأخير التشهد).
قلنا: تقدم منع الشيخ شمس الدين الخسر وشاهي أن التشهد والسلام لم يشرعا إلا عقيب الصلاة في آخرها كيف كانت، وعددها أي عدد كان، وكذلك نفس الحال فيها آخر الصلاة.
قوله: (ويرفع التنقيص نفي إجزاء الصلاة من دون الركعة).
قلنا: كونها لا تجزئ بدون الركعة التي كانت واجبةً ذلك يرجع إلى وجوب الركعة التي أنقصت، ونحن نسلم أن رفع وجوب تلك الركعة نسخ، فيتبعه عدم الإجزاء، وأن يقع تبعًا له، فالإجزاء وعدمه أيدًا لا يكونان إلا تابعين، فالإجزاء يتبع الحكم العقلي، وعدم الإجزاء يتبع الحكم الشرعي، فرفع ذلك العدم إنما يكون برفع ذلك الحكم الشرعي، وهو هاهنا الوجوب الذي في الركعة التي نقصت، ولا نزاع فيها، وبه يظهر الجواب عن قوله: ارتفع إجزاء الصلاة مع الركعة المنسوخة؛ لأن إجزاءها معه كان تابعًا لوجوب الركعة المنسوخة، فالإجزاء وعدمه ليس حكمًا شرعيًا أبدًا. ويدلك على ذلك تفسيرنا له أول الكتاب بأنه (موافقة للأمر)، أو (عدم القضاء) على