الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثامنة
قال الرازي: يجوز نسخ الشيء إلى ما هو أثقل منه؛ خلافًا لبعض أهل الظاهر
.
لنا: أن المسلمين سموا إزالة التخيير بين الصوم والفدية؛ بتعيين الصوم نسخًا، وهو أشق، وإزالة الحبس في البيوت إلى الجلد والرجم نسخًا، وأمر الصحابة بترك القتال، ثم أمرهم بنصب القتال، مع التشديد بثبات الواحد للعشرة، وحرم الخمر ونكاح المتعة بعد إطلاقهما، ونسخ جواز تأخير الصلاة عند الخوف إلى إيجابها في أثناء القتال، ونسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان، وكانت الصلاة ركعتين عند قوم، فنسخت بأربع في الحضر.
احتجوا بقوله تعالى: {نأت بخير منها} ] البقرة: 106 [والخير: ما هو اخف علينا، وبقوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}] البقرة: 185 [.
والجواب عن الأول: أن نقول: بل الخير ما هو اكثر صوابًا، وأصلح لنا في المعاد، وإن كان أثقل في الحال.
وعن الثاني: أنه محمول على اليسر في الآخرة، حتى لا يتطرق إليها تخصيصات غير محصورة.
المسألة الثامنة
نسخ الشيء بما هو أثقل منه
قال القرافي: قوله: "نسخ الحبس في البيوت بالجلد".
قلنا: لا نسلم أن الجلد أثقل؛ فإن النفوس الأبية تؤثر الحبس أبدًا على الجلد؛ لما فيه من المعرة، والعرف شاهد لذلك.
قوله: "حرم الله تعالى الخمر بعد إطلاقها".
قلنا: هذه مسألة خلاف، والذي يظهر لي أن الخمر لم تكن مباحة، بل مسكوت عن تحريمها ثم حرمت، ورفع المسكوت عنه ليس نسخًا، ويدل على ذلك ما حكاه الغزالي وغيره من العلماء أن القدر المسكر لم يبحه الله تعالى في ملة من الملل، بل أجمعت الشرائع على تحريمه، إنما الخلاف في القدر الذي لا يسكر، فعندنا حرام، وفي شريعة التوراة مباح على ما يقال، وما حرمه الله تعالى في جميع الملل لا يليق بهذه الشريعة التي هي أتم الشرائع في استيفاء المصالح، ودرء المفاسد إباحته فيها، بل إذا لم تتمكن الكلمة سكت عنه، كما سكت عن الدماء والأموال وغيرها في ابتداء الإسلام، ولم يقل احد: أنها كانت مباحة في اول الإسلام، بل كانت الشرائع تتجدد أولًا فأول، ولم يتقدم إباحتها بتجدد، فكذلك هاهنا. هذا هو مقتضى القواعد والمناسبة.
وأما ما اعتمدوا عليه في قوله تعالى: {تتخذون منه سكرًا ورزقًا حسنًا} ] النحل: 67 [، والسكر المسكر، وذكره في سياق الامتنان دليل الإباحة، وليس فيه دليل؛ لأن السكر اختلف في الأئمة، واصل السكر المنع، ومنه قوله تعالى: {سكرت أبصارنا}] الحجر: 15 [أي: منعت، ومنه: سكرة الباب: للضبة المانعة من الفتح، فقال جماعة من المفسرين: المراد بالسكر: الخل المانع من الأدواء الصفراوية وغيرها، والزبيب والتمر المانعان من الجوع، وعلى هذا سقط الاستدلال، فتعين اعتبارالقواعد السالمة عن المعارض.
قوله: "نسخ صوم يوم عاشوراء برمضان".
قلنا: فيه خلاف؛ هل كان عاشوراء واجب في الأصل أم لا؟ وهل يطلق وجوبه برمضان أم لا؟
قوله: "كانت الصلاة ركعتين عند قوم، فنسخت بأربع في الحضر".
قلنا: حكى أبو عمر بن عبد البر في (الاستذكار) عن الشافعي، وجماعة من العلماء أن جبريل إنما صلى برسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة الإسراء الصلوات الخمس عند البيت ركعتين ركعتين إلا المغرب، وبقي الأمر كذلك حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم (المدينة) وكملت له الصلوات الخمس كلها أربعًا أربعًا إلا المغرب والصبح في السفر، وفي الحضر، ثم نزلت آية القصر بعد ذلك، وجمع بهذا بين قول عائشة:(فرضت الصلاة مثنى مثنى، وزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر).
وقال: هو أصح حديث روي في الباب، وبين قوله تعالى:{فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة} ] النساء: 101 [، والمتأصل لا يقال: فيه قصر ودليله الصبح.
وقوله عليه السلام: (وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة).
وقوله عليه السلام: (صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته)، وذلك كله يدل على التنقيص بعد التكميل.