الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
قال الرازي: القائلون بأنه لا ينعقد الإجماع إلا عن طريق اتفقوا على جواز وقوعه عن الدلالة
.
والحق عندنا: جواز وقوعه عن الأمارة أيضا، وقال ابن جرير الطبري: ذلك غير ممكن، ومنهم: من سلم الإمكان، ومنع الوقوع، ومنهم: من قال: الأمارة إن كانت جلية، جاز، وإلا، فلا.
لنا: أن ذلك قد وقع؛ روي عن عمر، رضي الله عنه؛ أنه شاور الصحابة في حد الشارب، فقال علي، رضي الله عنه:(إذا شرب، سكر، وإذا سكر، هذى، وإذا هذى، افترى، وحد المفتري ثمانون).
وقال عبد الرحمن بن عوف، رصي الله عنه" (هذا حد، وأقل الحد ثمانون).
فإن قلت: لعلهم أجمعوا على تبليغ الحد ثمانين لنص، استغنوا بالإجماع عن نقله.
قلت: هذا جائز، لو لم ينصوا على فزعهم إلى الاجتهاد في هذه المسألة.
وأيضا: أثبتوا إمامة أبي بكر- رضي الله عنه بالقياس على تقديم النبي صلى الله عليه وسلم إياه في الصلاة، ثم أجمعوا عليها.
واحتج المخالف بأمور:
أحدها: أن الأمة، على كثرتها، واختلاف دواعيها لا يجوز أن تجمعها
الأمارة مع خفائها؛ كما لا يجوز اتفاقهم في الساعة الواحدة على أكل الزبيب الأسود، والتكلم باللفظة الواحدة، وهذا بخلاف إجماعهم على مقتضى الدليل والشبهة؛ لأن الدلالة قوية، والشبهة تجري مجرى الدلالة عند من صار إليها، وبخلاف اجتماع الخلق العظيم في الأعياد؛ لأن الداعي إليه ظاهر.
وثانيها: من الأمة من يعتقد بطلان الحكم بالأمارة، وذلك يصرفه عن الحكم بها.
وثالثها: أن ذلك يفضي إلى اجتماع أحكام متنافية؛ لأن الحكم الصادر عن الاجتهاد لا يفسق مخالفه، وتجوز مخالفته، ولا يقطع عليه، ولا على تعلقه بالأمارة.
والحكم المجمع عليه بالعكس في هذه الأمور، فلو صدر الإجماع عن الاجتهاد، لاجتمع النقيضان فيه.
والجواب عن الأول: أنه منقوض باتفاق أصحاب الشافعي، وأبي حنيفة، رحمهما الله، على قوليهما.
وعن الثاني: أن الخلاف في صحة القياس حادث؛ ولأنه يجوز أن تشتبه الأمارة بالدلالة، فيثبت الحكم بالأمارة على اعتقاد أنه أثبته بالدلالة؛ ولأنه ينتقض بالعموم وخبر الواحد؛ فإنه يجوز صدور الإجماع عنهما، مع وقوع الخلاف فيهما.
وعن الثالث: أن تلك الأحكام المرتبة على الاجتهاد مشروطة بألا تصير المسألة إجماعية، فإذا صارت إجماعية، فقد زال الشرط، فتزول تلك الأحكام، والله أعلم.
المسألة الثانية
يجوز الإجماع عن الأمارة
قال القرافي: قوله: (قال ابن جرير: ذلك غير ممكن): يعني عادة؛ فإن الناس إنما يجمعهم أمر قاهر، والأمارة تختلف الظنون فيها، ويختلف اعتبارها، فلا يحصل الإجماع.
قوله: (ومنهم من سلم الإمكان، ومنع الوقوع): أي: أنه استقرأ فلم يجد ذلك وقع.
قوله: (قال علي- رضي الله عنه: (إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وحد المفتري ثمانون):
قلنا: قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: هذا الأثر مشكل؛ لأن القاعدة أن المظنة إذا قطعنا بعراها عن الحكمة لا نعتبرها، وإنما نعتبرها أو نحوها إذا لم نقطع، وهاهنا أوجب الحد على من سكر، مع أنه لم يقذف أحدا، ونقطع بأن القذف لم يصدر منه.
قوله: (أثبتوا إمامة الصديق- رضي الله عنه بالقياس على تقديم النبي صلى الله عليه وسلم إياه في الصلاة):
قلنا: لا نسلم الإجماع على إمامته؛ فإن الإمامة لا يشترط فيها الإجماع، فقد تأخر علي، وفاطمة، وجماعة من الصحابة، ورجع علي بعد ذلك، وما حصل العلم برجوع غيره من الأنصار الذين نازعوا، لاسيما من بويع له بالإمامة منهم، وسبق ذلك عليه.
سلمنا حصول الإجماع، لكن لا نسلم أن مدركهم القياس، وإنما ذكر عمر- رضي الله عنه ذلك تنبيها على أنه المتعين في القوم لجميع الأمور المهمة، وإلا فأين الصلاة من الإمامة؟.