الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة التاسعة
قال الرازي: الإجماع لا يتم مع مخالفة الواحد والاثنين؛ خلافًا لأبي الحسين الخياط من المعتزلة، ومحمد بن جرير الطبري، وأبي بكر الرازي
.
لنا: أن جميع الصحابة أجمعوا على ترك قتال مانعي الزكاة، وخالفهم فيه أبو بكر، رضي الله عنه، وحده فيه، ولم يقل أحد:(إن خلافه غير معتد به)، بل لما ناظروه، رجعوا إلى قوله، وكذلك ابن عباسٍ، وابن مسعودٍ خالفا كل الصحابة في مسائل الفرائض، وخلافهما باقٍ إلى الآن.
واحتج المخالف بأمورٍ:
أحدها: أن لفظي (المؤمنين) و (الأمة) يتناولهم، مع خروج الواحد، والاثنين منهم؛ كما يقال في البقرة:(إنها سوداء)، وإن كانت فيها شعرات بيض، وكما يقال للزنجي:(إنه أسود) مع بياض حدقته وأسنانه.
وثانيها: قوله عليه الصلاة والسلام: (عليكم بالسواد الأعظم) وقوله: (الشيطان مع الواحد) وهذا يقتضي أن الواحد المنفرد بقوله مخطئ.
وثالثها: أن الإجماع حجة على المخالف، فلو لم يكن في العصر مخالف، لم يتحقق هذا المعني.
ورابعها: أن الصحابة أنكرت على ابن عباسٍ خلافه للباقين في الصرف.
وخامسها: أن المسلمين اعتمدوا في خلافه أبي بكرٍ رضي الله عنه على الإجماع، مع مخالفة سعدٍ، وعلي بن أبي طالبٍ، رضي الله عنهم.
وسادسها: أن في رواية الأخبار يحصل الترجيح بكثرة العدد، فكذا في أقوال المجتهدين.
وسابعها: أن اتفاق الجمع على الكذب ممتنع عادةً، واتفاق الجمع القليل على ذلك غير ممتنعٍ، فإذا اتفقت الأمة على الحكم الواحد، إلا الواحد منهم أو الاثنين، كان ذلك الجمع العظيم قد أخبروا عن أنفسهم بكونهم مؤمنين، وذلك لا يحتمل الكذب.
وأما الواحد، والاثنان، لما أخبروا عن أنفسهم بكونهم مؤمنين، فذلك يحتمل الكذب، وإذا كان كذلك، كان ما اتفق عليه الكل سوى الواحد، والاثنين هو سبيل المؤمنين قطعًا؛ فوجب أن يكون حجةً.
وثامنها: لو اعتبرنا مخالفة الواحد، والاثنين، لم ينعقد الإجماع قطعًا؛ لأنه لا يمكننا أن ندعى في شيءٍ من الإجماعات أنه ليس هناك واحد، أو اثنان يخالفون فيه.
والجواب عن الأول: أن ألفاظ العموم لا تتناول الأكثر؛ على سبيل الحقيقة في اللغة؛ لأنه يجوز أن يقال لما عدا الواحد من الأمة: (ليسوا كل الأمة) ويصح استثناؤه عنهم.
وعن الثاني: أن السواد الأعظم كل الأمة؛ لأن من عدا الكل، فالكل أعظم منه، ولولا ما ذكرناه، لدخل تحته النصف من الأمة، إذا زاد على النصف الآخر بواحدٍ.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام: (الشيطان مع الواحد) فذلك لا يقتضي أن يكون مع كل واحدٍ، وإلا لم يكن قول الرسول صلى الله عليه وسلم وحده حجةً.
وعن الثالث: أنه حجة على المخالف الذي يوجد بعد ذلك، ولو كان الأمر كما ذكرتم، لوجب في كل إجماعٍ أن يكون فيه مخالف شاذ.
وعن الرابع: أن الصحابة ما أنكروا علي ابن عباسٍ مخالفته للإجماع؛ بل مخالفته خبر أبي سعيدٍ، رضي الله عنهما.
وعن الخامس: أن الإمامة لا يعتبر في انعقادها حصول الإجماع؛ بل البيعة كافية.
وعن السادس: لم قلتم: إن الحال في الإجماع كالحال في الرواية؟ فلو كان كذلك، لحصل الإجماع بقول الواحد، والاثنين؛ كالرواية.
وعن السابع: أنا وإن عرفنا في ذلك الجمع كونهم مؤمنين، لكنا لا ندرى أنهم كل المؤمنين؛ فلا جرم لم يجب علينا أن نحكم بقولهم.
وعن الثامن: أنا إنما نتمسك بالإجماع؛ حيث يمكننا العلم بذلك، كما في زمان الصحابة؛ رضي الله عنهم.
* * *
المسألة التاسعة
لا يتم الإجماع بمخالفة الواحد وأو الاثنين
المسألة العاشرة
قال الرازي: الإجماع إذا لم يحصل فيه قول من كان متمكنًا من الاجتهاد، وإن لم يكن مشهورًا، به لم يكن حجةً؛ لأن قول من عداه قول بعض المؤمنين؛ فلا يندرج تحت أدلة الإجماع، والله أعلم.
قال القرافي: قلت: لم يفهرس سيف الدين هكذا، بل قال: اختلفوا في انعقاد إجماع الأكثر مع مخالفة الأقل.
قال الأكثرون: لا ينعقد.
وقال ابن جرير، وأبو بكر الرازي، وأبو الحسين الخياط من المعتزلة، وابن حنبل في إحدى الروايتين عنه: ينعقد.
وقال قوم: إن بلغ الأقل عدد التواتر لم يعتد بالإجماع، وإلا اعتد به.
وقال أبو عبد الله الجرجاني: إن استوعب الجماعة الاجتهاد في مذهب المخالف، فخلافه معتد به، وإلا فلا، كخلاف ابن عباس الجماعة في مسألة العول؛ فإنها محل اجتهاد.
وأنكر الناس الاجتهاد في خلاف ابن عباس في المتعة وربا الفضل، فلا يعتد به هاهنا.
وقيل: الأكثر حجة لا إجماع.
وقيل: إتباع الأكثر أولى، وإن جاز خلافه. فهذه خمسة مذاهب لم يحك الإمام منها إلا مذهبين.
قوله: (في قوله عليه السلام: (عليكم بالسواد الأعظم):
قلنا: هذا لنا؛ لأن مجموع الأمة هو الذي يصدق عليه الأعظم على الإطلاق، فيكون هو المراد، ويدل بمفهومه على عدم اعتبار غيره.
* * *