الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سؤال)
يشترط في الناسخ أن يكون مساويًا، أو أقوى، والقول أقوى، فكيف ينسخ بالفعل الأضعف
؟
جوابه: اشترط المساواة والقوة، إنما هو باعتبار السنة والرواية، لا باعتبار الدلالة، فينسخ المتواتر المتواتر، وإن اختلفت الدلالة، والآحاد الآحاد، وإن اختلفت الدلالة، وكان المنسوخ أقوى، وضعف الفعل إنما هو من جهة الدلالة.
وأما السنة، فالوحي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإقدام على الفعل، فأفاده القطع؛ كما أفاده في القول السابق؛ لأن المخبر في الصورتين هو جبريل عن الله تعالى.
قوله: "إذا تناول القول الأمة فقط، قدم القول في حقهم؛ لئلا يلغو":
تقريره: من وجه آخر من معنى كلامه أن فعله عليه السلام دليل الوجوب علينا، وهو يتناوله عليه السلام بطريق الأولى؛ فيكون عاما بالنسبة إلى القول؛ ليتناول القول لنا خاصة، وإذا تعارض الخاص والعام؛ قدم الخاص على العام.
قوله: "إن تناوله القول مع الأمة وخص عليه السلام بالقول وأمته داخلة فيه":
تقريره: أن حمل فعله عليه السلام على اختصاصه به أقرب للجمع بين الدليلين، فيتناولنا نحن القول بعد ذلك كما كان، وهو أولى من تعطيل القول بالكلية، ولم يقل هاهنا بالنسخ؛ لأن من شرطه التراخي، وهذا عقيبه.
وهذا هو الفرق بين هذا القسم، والقسم الذي بعده، إذا كان الفعل متراخيًا عن القول، ويرد عليه السؤال المتقدم: أنه يصح في حقه عليه السلام
بالمقارن المعقب القول السابق الخاص به غير أن من الفرق أن التخصيص هنالك لعذر؛ لأن القول لم يتناول غيره، وهاهنا تناولنا معه، فأمكن التخصيص به.
قوله: "إن تراخي الفعل عن القول المتناول لنا وله عليه السلام صار منسوخًا عنا وعنه":
تقريره: أن حكم الفعل المتأخر يعمنا أيضًا من جهة أدلة التأسي، فهما دليلان عامان في حقنا وحقه عليه السلام وقد تنافيا؛ فينسخ المتأخر المتقدم لتعذر التخصيص ضرورة التساوي، وكذلك إن تناولنا دونه نسخه عنا الفعل المتأخر؛ لعموم التأسي.
قوله: "إن كان القول المتأخر خاصًا به، وعقيب الفعل خصصه صلى الله عليه وسلم من ذلك العموم":
تقريره: أن الفعل في نفسه لا عموم له؛ حتى يقال: خصصه من ذلك العموم، وإنما معناه: أن الفعل دل فيه الدليل على التكرار، فلا يلزمه فعله بعد ذلك، وإن كان الفعل الذي وقع يستحيل رفعه، بل التخصيص بحسب المستقبل، هذا هو المتجه، وكذلك يكون القول المتأخر الخاص بالأمة مخصصا لها من عموم الفعل؛ غير أن هاهنا لا يشترط التكرار في الفعل، بل يكتفى بعدم لزوم مثله للأمة، ويكون القول مخصصا للدليل الدال على لزوم مثل فعله عليه السلام لنا، فيحمل ذلك الدليل على غير هذا الفعل.
قوله: "وإن كان القول المتأخر عامًا فيه عليه السلام وفيهم، سقط حكم الفعل عنه عليه السلام وعنهم".
تقريره: أنا هاهنا لا نحتاج للنسخ، ولا للتخصيص، أما التخصيص فلتساوي الدليلين في العموم، أما القول، فبالغرض، وأما الفعل، فعمومه لأدلة التأسي، فلا تخصيص حينئذ، وأما النسخ فلا يلزم أيضًا.
وإن قلنا بالسقوط؛ لأنا نجعل هذا القول المتأخر مانعًا من لزوم تكرار الفعل في حقه عليه السلام لأن الفعل الذي وقع لا يمكن أن يقال: سقط عنه؛ لأن التصرف في الواقعات محال، فلم يبق إلا لزوم التكرار، فيكون هذا القول المتأخر مخصصًا للدليل الدال على أن الفعل ينبغي أن يتكرر، فيحمل على ما عدا هذا الفعل، فيثبت التخصيص بالنسبة إلى ذلك الدليل، لا بالنسبة إلى عموم هذا الفعل، وأما في حقنا فيجعل القول المتأخر مانعًا من لزوم مثل الفعل المتقدم لنا، فيكون مخصصًا لأدلة التأسي، فنحملها على ما عدا هذا الفعل، فقوله:"سقط الفعل عنه وعنهم" لا يستلزم تخصيصًا بين هذين الدليلين، ولا نسخًا؛ بل التخصيص في أدلة أخرى؛ كما تقدم.
ولا يلزم هاهنا سؤال النسخ بالمقارن؛ لأنا لم نقل به، بل قلنا بالسقوط، وهو أعم.
قوله: " وإن تراخي القول عن الفعل، وهو عام فيه عليه السلام وفي أمته، نسخ حكم الفعل عنه وعن أمته ".
تقريره: أنا حكمنا هاهنا بالنسخ؛ لوجود التراخي، الذي هو شرط النسخ؛ كما سيأتي في حده، وقد ثبت حكم التكرار في حقه عليه السلام، ولزوم مثله لنا بمضي زمان يقبل ذلك، وجاء القول بعد ذلك يمنع من الأمرين، وهذا هو النسخ؛ لأن النسخ تخصيص في الأزمان على ما سيأتي، وعلى رأي القاضي أيضًا يتأتى ذلك بأن نقول: كان لزوم التكرار، ولزوم مثله علينا، ثابتا في نفس الأمر، وهذا القول المتأخر نسخه وقطعه، فتصور النسخ على المذهبين؛ فلذلك صرح هاهنا بالنسخ، ولم يصرح به في القسم الذي قبله؛ حيث كان القول متعقبًا، بل صرح بالسقوط الذي هو أعم.
قوله: "دلالة الفعل لا تستغني عن القول":
تقريره: أن الفعل لا يكون دليلًا شرعيًا؛ حتى يرد النص بنصبه دليلًا، وأما القول، فهو دليل بالوضع من غير نصبه من جهة الشارع.
فإن قلت: لو لم قرر الشرع أحكامه، وشريعته على اللغة العربية، لما اعتبرنا أوضاع العرب، وإن كانت تدل على الأحكام، بل لما ورد قوله تعالى:{قرآنًا عربيًا} [الزمر: 28] وغير ذلك من النصوص، اعتبرنا أوضاع العرب، فقد صارت الأقوال تفتقر للأدلة السمعية، كالأفعال.
قلت: هذا مسلم وسؤال حسن، غير أن الترجيح هاهنا بأصل الفهم لا بالفهم المخصوص، فاللفظ يفهم من حيث إنه موضوع، ورد الشرع باعتباره أم لا، والفعغل لا يكون مفهمًا إلا بتنصيص الشارع على ذلك.
فإن قلت: اللفظ الموضوع لا يصح الجزم بأنه لا يفتقر إلى الفعل، فقد يفتقر إلى الفعل حالة المواضعة؛ كالإشارة من الواضع أن هذا اللفظ موضوع لذلك، أو غير ذلك من الأفعال التي بها يعلم الولد لغة أبويه.
قلت: الفعل لا يتعين في الوضع، بل القرائن المفيدة للوضع أعم نت الأقوال والأفعال، وأما الفعل فلا بد فيه من القول.
وهذا كاف في الترجيح.
قوله: "نقطع بأن القول قد يتناولنا؟ وأما الفعل، فبتقدير أن يتأخر، كان متناولًا لنا، وبتقدير التقدم، لا يكون متناولًا لنا":
تقريره: أن الفعل، إذا تقدم، كان منسوخًا، فلا يتناولنا، وإن تأخر، لم يكن منسوخًا بالقول، فقد ترد بين التناول وعدمه؛ بخلاف القول.
فإن قلت: هذا التقدير مشترك في القول أيضًا؛ لأنه إن تقدم، كان منسوخًا أيضًا؛ فقد دار أيضًا بين النسخ وعدمه.
قلت: سؤال حسن قوي، وقد أشكل على جماعة من الفضلاء جوابه.
والجواب عنه: أن مراد المصنف: أن اللفظ: يتناولنا بوضع اللغة، وإن لم ترد الشرائع؛ لأن دلالته وضعية، بل شأن هذا اللفظ أنه، متى اطلع على هذا الوجه، يتناولنا، ورد الشرع أم لا؟
وأما الفعل: فإنما يتناولنا، إذا نصبه الشرع دليلًا مفيدًا للحكم، فإذا نصبه الشرع إنما ينصبه دليلًا مفيدًا، إذا لم يكن منسوخًا، أما المنسوخ، فباق على الأصل، مستثنى من أصل نصب الشرع دليلًا، وإذا كان المنسوخ مستثنى، وغير المنسوخ هو المنصوب، فهذا الفعل دائر بين أن يكون من المستثنى الذي ليس بدليل الذي لا يتناولنا، وبين أن يكون مما يتناولنا، فقد دار بين الإلغاء والاعتبار؛ بخلاف القول متناولًا لنا بوضع اللغة قطعًا، ويؤول الفرق إلى أن إفادة اللفظ لغوية؛ لا يمنعها النسخ، ودلالة الفعل شرعية؛ يمنعها النسخ، وأن الواضع للغة وضعه، دالا، نسخ حكمه أم لا، وواضع الفعل دليلًا، إنما وضعه، حيث لم يكن منسوخًا.
فإن قلت: لم لا يقال: نصب الشرع الفعل دليلًا مطلقًا؛ حتى يرد المانع والمخصص، كما نقول في صيغة العموم، والأوضاع اللغوية: الأصل أن تكون حجة < حتى يقوم المعارض؟.
قلت: المانع من اعتقاد هذا أنه لم يفهم عن الشارع في نصبه الفعل دليلًا ذلك؛ بل للأدلة الدالة على وجوب التأسي، قطعنا بأن الله تعالى ما اراد بها الأفعال المنسوخة، وإذا قطعنا بعدم إرادتها من تلك الادلة، لم نعتقد أن الأصل دلالتها مطلقًا من جهة الشارع؛ بخلاف المنقول عن اللغة؛ إذ الصيغة دالة مطلقًا؛ حتى يقوم المعارض.
(تنبيه)
بحث الإمام في هذا القسم، إذا جهل التاريخ، يقتضي أن البعض متناول