الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة
قال الرازي: في كون الإجماع منسوخًا وناسخًا
الإجماع إنما ينعقد دليلًا بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه ما دام، عليه الصلاة والسلام حيا، لم ينعقد الإجماع من دونه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سيد المؤمنين، ومتى وجد قوله عليه الصلاة والسلام، فلا عبرة بقول غيره، فإذن الإجماع إنما ينعقد دليلًا بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام.
إذا ثبت هذا، فنقول: لو انتسخ الإجماع، لكان انتساخه: إما بالكتاب، أو بالسنة، أو بالإجماع، أو بالقياس، والكل باطل.
أما بالكتاب والسنة: فلأنه لا يخلو: إما أن يقال: إنهما كانا موجودين وقت انعقاد ذلك الإجماع أو ما كانا موجودين في ذلك الوقت:
فإن كانا موجودين، مع أن الأمة حكمت على خلافهما، كانت الأمة مجمعة على الخطأ، ذاهبة عن الحق، وإنه غير جائز.
وإن لم يكونا موجودين، استحال حدوثهما بعد ذلك؛ لاستحالة أن يحدث كتاب أو سنة بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام.
وأما بالإجماع: فلأن انعقاد هذا الإجماع الثاني: إما أن يكون لا عن دليل، أو عن دليل، فإن لم يكن عن دليل، كان ذلك إجماعًا على الخطأ، وإنه غير جائز، وإن كان عن دليل، عاد التقسيم الأول، من أن يقال: إن ذلك الدليل: إما أن يكون حال انعقاد الإجماع الأول، أو حدث بعده، وقد بينا فساد هذين القسمين.
فإن قلت: أليس أن الأمة، إذا اختلفت على قولين، فقد جوزت للعامي أن يأخذ بأيهما شاء، ثم إذا اتفقت بعد ذلك على أحدهما، فقد منعت العامي من الأخذ بذلك القول الثاني، فهاهنا: الإجماع الثاني ناسخ لحكم الإجماع الأول.
قلت: الأمة إنما جوزت للعامي الأخذ بأي القولين شاء بشرط ألا يحصل الإجماع على أحد القولين، فكان الإجماع الأول مشروطًا بهذا الشرط، فإذا وجد الإجماع، فقد زال شرط الإجماع الأول، فانتفى الإجماع الأول؛ لانتفاء شرطه، لا لأن الثاني نسخه.
وأما بالقياس: فلأن شرط صحة القياس عدم الإجماع، فإذا وجد الإجماع، لم يكن القياس صحيحًا، فلم يجز نسخه به.
وأما كون الإجماع ناسخًا: فقد جوزه عيسى بن أبان.
والحق أنه لا يجوز.
لنا: أن المنسوخ بالإجماع: إما ان يكون نصًا أو إجماعًا أو قياسًا:
والأول: يقتضي وقوع الإجماع على خلاف النص، وخلاف النص خطأ، والإجماع لا يكون خطأ.
والثاني أيضًا: باطل؛ لأن الإجماع المتأخر: إما أن يقتضي أن الإجماع الأول حين وقع، وقع خطأ، أو يقتضي أنه كان صوابًا، ولكن إلى هذه الغاية.
والأول باطل؛ لأن الإجماع لا يكون خطأ، ولو جاز ذلك، لما كان المنسوخ به أولى من الناسخ، وإن كان صوابًا حين وقع، ولكن كان مؤقتًا، فلا يخلو ذلك الإجماع المتقدم المفيد للحكم المؤقت، من أن يكون مطلقًا أو مؤقتًا، فإن كان مطلقًا، استحال أن يفيد الحكم مؤقتًا، وإن كان مؤقتًا إلى غاية، فذلك الإجماع ينتهي عند حصول تلك الغاية بنفسه؛ فلا يكون الإجماع المتأخر رافعًا له.
والثالث: باطل؛ لأن هذه المسألة لا تتصور إلا إذا اقتضى القياس حكمًا، ثم أجمعوا على خلاف حكم ذلك القياس؛ فحينئذ يزول حكم ذلك القياس بعد ثبوته؛ لتراخي الإجماع عنه، وهذا محال؛ لأن شرط صحة القياس عدم الإجماع، فإذا وجد الإجماع، فقد زال شرط صحة القياس، وزوال الحكم، لزوال شرطه لا يكون نسخًا.
المسألة الرابعة
في كون الإجماع ناسخًا
قال القرافي: قال سيف الدين: كون الإجماع ينسخ الحكم الثابت به، نفاه الأكثرون، وجوزه الأقلون.
وكون الإجماع ناسخًا منعه الجمهور، وجوزه بعض المعتزلة، وعيسى بن أبان.
قوله: "لا ينعقد الإجماع بدون رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه سيد المؤمنين".
قلنا: شهدت الاحاديث بالعصمة لأمته عليه السلام من حيث هي أمته كقوله عليه السلام: (لا تجتمع أمتي على خطأ) ونحو ذلك، فتكون الأمة معصومة، وهو عليه السلام ليس من جملة أمته، فيتصور انعقاد الإجماع في زمانه عليه السلام؛ لأن حقيقة المضاف خارجة عن حقيقة المضاف إليه؛ ولأن الإجماع في جميع الأعصار بعده ينعقد، وليس من جملتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكذلك في زمانه عليه السلام.
ثم إنه نقض هذه القاعدة في المسألة التي بعدها، فقال:"القياس يُنسخ في زمانه عليه السلام بالإجماع"، وهذا تصريح بصحة انعقاد الإجماع