الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَأْكُلَها أهْلُها رُطَبًا. فإنْ تَرَكَها حتى تَصِيرَ تَمْرًا بَطَلَ العَقْدُ. وسَنَذْكُرُ ذلك إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
719 - مسألة؛ قال: (فإن ئرَكَهُ المُشْتَرِى حَتَّى يُتْمِرَ بَطَلَ العَقْدُ)
يَعْنِى إنْ لم يَأْخُذْها المُشْتَرِى رُطَبًا بَطَلَ العَقْدُ، خِلافًا للشَّافِعِيِّ في قوله: لا يَبْطُلُ. [وعن أحمدَ مثلُه](1)؛ لأنَّ كلَّ ثَمَرَةٍ جازَ بَيْعُها رُطَبًا، لا يَبْطُلُ العَقْدُ إذا صارَتْ تَمْرًا، كغَيْرِ العَرِيَّةِ. ولنا، قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"يَأْكُلُها أهْلُها رُطبًا"(2). ولأنَّ شِراءَها [إنَّما جازَ](3) للحاجَةِ إلى أكْلِ الرُّطَبِ، فإذا أتْمَرَتْ تَبَيَّنَّا عَدَمَ الحاجَةِ، فيَبْطُلُ العَقْدُ. ثم لا فَرْقَ بين تَرْكِه لِغِناهُ عنها، أو مع (4) حاجَتِه إليها، أو تَرْكِها لِعُذْرٍ، أو لغيرِ عُذْرٍ؛ لِلْخَبَرِ. ولو أخَذَها رُطَبًا فتَرَكَها عنده فأَتْمَرَتْ، أو شَمَّسَها، حتى صارَتْ تَمْرًا، جازَ، لأنَّه قد أخَذَها. ونُقِلَ عن أحمدَ رِوايةٌ أخْرَى في مَن اشْتَرَى ثَمَرَةً قبل بُدُوِّ صَلاحِها، ثم تَرَكَها حتى بَدا صَلاحُها، لا يَبْطُلُ البَيْعُ. فيُخَرَّجُ هاهُنا مِثْلُه. فإنْ أخَذَ بَعْضَها رُطَبًا، وتَرَكَ بَاقِيهَا حتى أَتْمَرَ، فهل يَبْطُلُ البَيْعُ في الباقِى؟ على وَجْهَيْنِ.
فصل:
ولا يجوزُ بَيْعُ العَرِيَّةِ في غير النَّخِيلِ. وهو اخْتِيارُ ابن حامِدٍ، وقولُ اللَّيْثِ ابن سَعْدٍ. إلَّا أنْ يكونَ مما ثَمَرَتُه لا يَجْرِى فيها الرِّبا، فيجوزُ بَيْعُ رَطْبِها بِيابِسِها؛ لِعَدَمِ جَرَيانِ الرِّبا فيها. ويَحتمِلُ أنْ يجوزَ في العِنَبِ والرُّطَبِ دون غيرهما. وهو قولُ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّ العِنَبَ كالرُّطَبِ في وُجُوبِ الزَّكَاةِ فيهما، وجَوازِ خَرْصِهِما، وتَوْسِيقِهِما، وكَثْرَةِ تَيْبِيسِهما، واقْتِياتِهِما في بعض البُلْدانِ، والحاجَةِ إلى أكْلِ رَطْبِهِما، والتَّنْصِيصُ على الشىءِ يُوجِبُ ثُبُوتَ الحُكْمِ في مِثْلِه. ولا يَجوزُ في
(1) سقط من: الأصل.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 124.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
في م: "ما".
غيرِهما؛ لاخْتِلافِهِما في أكْثَرِ هذه المَعانِى، فإنَّه لا يمكنُ خَرْصُها؛ لِتَفَرُّقِها في الأغْصانِ، واسْتِتارِها بالأوْراقِ، ولا يَقْتاتُ يابِسَها، فلا يَحْتاجُ إلى الشِّراءِ به. وقال القاضِى: يجوزُ في سائِرِ الثِّمَارِ. وهو قولُ مالِكٍ والأوْزاعِيِّ، قِياسًا على ثَمَرَةِ النَّخِيل. ولنا، ما رَوَى التِّرْمِذِيُّ (5)، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن المُزابَنَةِ، الثَّمَرِ بالتَّمْرِ، إلَّا أصْحَابَ العَرايا، فإنَّه قد أذِنَ لهم، وعن بَيْعِ العِنَبِ بالزَّبِيبِ، وكلِّ ثَمَرَةٍ بِخَرْصِها. وهذا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وهذا يَدُلُّ على تَخْصِيصِ العَرِيَّةِ بالتَّمْرِ. وعن زَيْدِ بن ثابِتٍ، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أنَّه رَخَّصَ (6) بعد ذلك في بَيْعِ العَرِيَّةِ بالرُّطَبِ أو بالتَّمْرِ (7). ولم يُرَخِّصْ في غيرِ ذلك. وعن ابن عُمَرَ قال: نَهَى رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن المُزَابَنَةِ (8)، والمَزَابَنَةُ: بَيْعُ ثَمَرِ النَّخْلِ بالتَّمْرِ كَيْلًا، وبَيْعُ العِنَبِ بالزَّبِيبِ كَيْلًا، وعن كلِّ ثَمَرَةٍ بِخَرْصِه. ولأنَّ الأصْلَ يَقْتَضِى تَحْرِيمَ بَيْعِ العَرِيَّةِ، وإنما جازَتْ في ثَمَرَةِ النَّخِيلِ رُخصَةً، ولا يَصِحُّ قِياسُ غيرِها عليها لِوَجْهَيْنِ، أحدِهما، أنَّ غيرَها لا يُساوِيها في كَثْرَةِ الاقْتِياتِ بها، وسُهُولَةِ خَرْصِها، وكونِ الرُّخْصَةِ في الأصْلِ لأهْلِ المَدِينَةِ، وإنَّما كانت حاجَتُهم إلى الرُّطَبِ دونَ غيرِه. الثانى، أنَّ القِياسَ لا يُعْمَلُ به إذا خالَفَ نَصًّا، وقِياسُهُم يُخالِفُ نُصُوصًا غيرَ مَخْصُوصَةٍ، وإنَّما يجوزُ التَّخْصِيصُ بالقِياسِ على المَحلِّ المَخْصُوصِ، ونَهْىُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عن بَيْعِ العِنَبِ بالزَّبِيبِ لم يَدْخُلْه تَخْصِيصٌ فيُقاسُ عليه، وكذلك سائِرُ الثِّمَارِ. واللهُ أعلم.
(5) في: باب ما جاء في العرايا والرخصة في ذلك، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 307.
(6)
في الأصل: "أرخص".
(7)
تقدم تخريجه في صفحة 125.
(8)
تقدم تخريجه في صفحة 120.