الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واخْتَلَفا فيما يُفْسِدُه، فكان القولُ قولَ مَن يَدَّعِى الصِّحَّةَ، كالتى قَبْلَها. ويَحْتَمِلُ أنْ يُقْبَلَ قولُ مَن يَدَّعِى الصِّغَرَ؛ لأنَّه الأصلُ. وهو قولُ بعضِ أصحابِ الشّافِعِىِّ. ويُفارِقُ ما إذا اخْتَلَفا فى شَرْطٍ فاسِدٍ أو إكراهٍ لِوَجْهَيْنِ؛ أحَدِهما، أنّ الأصلَ عَدَمُه. وهاهُنا الأصلُ بقاؤه. والثَّانِى، أنّ الظّاهِرَ مِن المُكَلَّفِ أنَّه لا يَتَعاطَى إلّا الصَّحِيحَ. وهاهُنا ما ثَبَتَ أنَّه كان مُكَلَّفًا. وإنْ قال: بِعْتُكَ وأنا مَجْنُونٌ. فإنْ لم يُعْلَمْ له حالُ جُنُونٍ، فالقولُ قولُ المُشْتَرِى؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُه. وإن ثَبَتَ أنَّه كان مَجْنُونًا، فهو كالصَّبِىِّ. ولو قال العَبْدُ: بِعْتُكَ، وأنا غيرُ مَأْذُونٍ لى فى التِّجارَةِ. فالقولُ قولُ المُشْتَرِى. نَصَّ عليه، فى روايَةِ مُهَنَّا؛ لأنَّه مُكَلَّفٌ، والظّاهِرُ أنَّه لا يَعْقِدُ إلّا عَقْدًا صَحِيحًا.
فصل:
وإنْ ماتَ المُتَبايِعانِ، فوَرَثَتُهما بمَنْزِلَتِهِما فى جَمِيعِ ما ذَكَرْناه؛ لأنَّهم يَقُومُونَ مَقامَهما، فى أخْذِ مَالِهما، وإرْثِ حُقُوقِهما، فكذلك ما يَلْزَمُهما، أو يَصِيرُ لهما.
فصل: وإنِ اخْتَلَفا فى التَّسْلِيمِ، فقال البائِعُ: لا أُسَلِّمُ المَبِيعَ حتى أقْبِضَ الثَّمَنَ. وقال المُشْتَرِى: لا أُسَلِّمُ الثَّمَنَ حتى أقْبِضَ المَبِيعَ. والثَّمَنُ فى الذِّمَّةِ، أُجبِرَ البائِعُ على تَسْلِيمِ المَبِيعِ، ثم أُجْبِرَ المُشْتَرِى على تَسْلِيمِ الثَّمَنِ. فإنْ كان عَيْنًا، أو عَرْضًا بِعَرْضٍ، جُعِلَ بينَهما عَدْلٌ، فيَقْبِضُ مِنهما، ثم يُسَلِّمُ إليهما. وهذا قولُ الثَّوْرِىِّ، وأحدُ قَوْلَىِ (10) الشَّافِعِىِّ. وعن أحمدَ ما يَدُلُّ على أنّ البائِعَ يُجْبَرُ على تَسْلِيمِ المَبِيعِ على الإِطلاقِ. وهو قولٌ ثانٍ للشّافِعىِّ. وقال أبو حنيفةَ، ومالكٌ: يُجْبَرُ المُشْتَرِى على تَسْلِيمِ الثَّمَنِ؛ لأنّ للبائِعِ حَبْسَ المَبِيعِ على تَسْلِيمِ الثَّمَنِ، ومَنِ اسْتَحَقَّ ذلك لم يَكُنْ عليه التَّسْلِيمُ قبلَ الاسْتِيفاءِ، كالمُرْتَهِنِ. ولنا، أنّ تَسْلِيمَ المَبِيعِ يَتَعَلَّقُ به اسْتِقْرارُ البَيْعِ وتَمامُه، فكان تَقْدِيمُه أوْلَى، سِيَّما مع تَعَلُّقِ الحَقِّ (11) بعَيْنِه،
(10) فى الأصل: "أقوال".
(11)
فى م: "الحكم".
وتَعَلُّقِ حَقِّ البائِعِ بالذِّمَّةِ، وتَقْدِيمُ ما تَعَلَّقَ بالعَيْنِ أوْلَى؛ لِتَأكُّدِه، ولذلك يُقَدَّمُ الدَّيْنُ الذى به الرَّهْنُ فى ثَمَنِه على ما تَعَلَّقَ بالذِّمَّةِ، ويُخالِفُ الرَّهْنَ؛ فإنَّه لا تَتَعَلَّقُ به مَصْلَحَةُ عَقْدِ الرَّهْنِ، والتَّسْلِيمُ هاهُنا يَتَعَلَّقُ به مَصْلَحَةُ عَقْدِ البَيْعِ. وأمَّا إذا كان الثَّمَنُ عَيْنًا، فقد تَعَلَّقَ الحَقُّ بعَيْنهِ أيضًا، كالمَبِيعِ، فاسْتَوَيا، وقد وجَبَ لكُلِّ واحدٍ مِنهما على صاحِبِه حَقٌّ، قد اسْتَحَقَّ قَبْضَه، فأُجبِرَ كُلُّ واحدٍ مِنهما على إيفاءِ صاحِبِه حَقّه (12). ووَجْهُ الرِّوايَةِ الأُخْرَى؛ أنّ الذى يَتَعَلَّقُ به اسْتِقْرارُ البَيْعِ وتمامُه هو المَبِيعُ (13)، فوَجَبَ تَقْدِيمُه. ولأنَّ الثَّمَنَ لا يَتَعَيَّنُ بالتَّعْيِينِ، فأشْبَهَ غيرَ المُعَيَّنِ. إذا ثَبَتَ هذا، وأوْجَبْنا التَّسْلِيمَ على البائِعِ، فسَلَّمَهُ، فلا يَخْلُو المُشْتَرِى مِن أنْ يَكُونَ مُوسِرًا، أو مُعْسِرًا، فإنْ كان مُوسِرًا والثَّمَنُ معه، أُجْبِرَ على تَسْلِيمِه، وإنْ كان غَائِبًا قَرِيبًا فى بَيْتِه أو بَلَدِه، حُجِرَ عليه فى المَبِيعِ وسائِرِ مالِه، حتى يُسَلِّمَ الثَّمَنَ، خَوْفًا مِن أنْ يَتَصَرَّفَ فى مالِه تَصَرُّفًا يَضُرُّ بالبائِعِ، وإنْ كان غَائِبًا عن البَلَدِ فى مسافةِ القَصْرِ، فالبائِعُ مُخَيَّرٌ بينَ أنْ يَصْبِرَ إلى أنْ يُوجَدَ، وبينَ فَسْخِ العَقْدِ؛ لأنَّه قد تَعَذَّرَ عليه الثَّمَنُ، فهو كالمُفْلِسِ، وإنْ كان دُونَ مسافةِ القَصْرِ، فله الخِيارُ فى أحدِ الوَجْهَيْنِ؛ لأنَّ فيه ضَرَرًا عليه. والثّانى، لا خِيارَ له؛ لأنَّ ما دُونَ مَسافةِ القَصْرِ بِمَنْزِلَةِ الحاضِرِ. وإنْ كان المُشْتَرِى مُعْسِرًا، فللبائِعِ الفَسْخُ فى الحالِ، والرُّجُوعُ فى المَبِيعِ. وهذا كُلُّه مذهبُ الشّافِعِىِّ. ويَقْوَى عِنْدِى أنَّه لا يَجِبُ عليه تَسْلِيمُ المَبِيعِ، حتى يُحْضِرَ الثَّمَنَ، ويَتَمَكَّنَ المُشْتَرِى مِن تَسْلِيمِه؛ لأنَّ البائِعَ إنّما رَضِىَ بِبَذْلِ المَبِيعِ بالثَّمَنِ، فلا يَلْزَمُه دَفْعُه قبلَ حُصُولِ عِوَضِه، ولأنَّ المُتَعاقِدَيْنِ سواءٌ فى المُعاوَضَةِ، فيَسْتَوِيانِ فى التَّسْلِيمِ، وإنَّما يُؤَثِّرُ ما ذُكِرَ مِن التَّرْجِيحِ فى تَقْدِيمِ التَّسْلِيمِ مع حُضُورِ العِوَضِ الآخَرِ؛ لعَدَمِ الضَّرَرِ فيه، وأمّا مع الخَطَرِ (14) المُحْوِجِ إلى الحَجْر، أو المَحْجُوزِ للفَسْخِ، فلا يَنْبَغِى أنْ يَثْبُتَ. ولأنَّ شَرْعَ
(12) سقط من: الأصل.
(13)
فى م: "البيع".
(14)
فى م: "الحظر".