الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبلَ اشْتِدادِ حَبِّه مُشاعًا، لم يَجُزْ، سواءٌ اشْتَراهُ من رَجُلٍ، أو من أكْثَرَ منه، وسواءٌ شَرَطَ القَطْعَ، أو لم يَشْرُطْه؛ لأنَّه لا يُمْكِنُه قَطْعُه إلَّا بِقَطْعِ ما لا يَمْلِكُه، فلم يَصِحَّ اشْتراطُه.
فصل:
والقُطْنُ ضَرْبانِ؛ أحَدُهُما، مالَه أصْلٌ يَبْقَى في الأرْضِ أعْوامًا، كالشَّجَرِ تَتَكَرَّرُ ثَمَرَتُه، فهذا حُكْمُه حُكْمُ الشَّجَرِ، في أنَّه يَصِحُّ إفْرادُه بِالبَيْعِ، وإذا بِيعَتِ الأرْضُ بِحُقُوقِها دَخَلَ في البَيْعِ، وثَمَرُه كالطَّلْعِ إن تَفتَّحَ فهو لِلْبائِعِ، وإلَّا فهو لِلْمُشْتَرِى. والثاني، ما يَتَكَرَّرُ زَرْعُه كلَّ عامٍ، فحُكْمُه حُكْمُ الزَّرْعِ، ومتى كان جَوْزُه ضَعِيفًا رَطْبًا، لم يَقْوَ ما فيه، لم يَجُزْ بَيْعُه إلَّا بِشَرْطِ القَطْعِ، كالزَّرْعِ الأخْضَرِ، وإن قَوِىَ جَوْزُه (16) واشْتَدَّ، جازَ بَيْعُه بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ، كالزَّرْعِ الذى اشْتَدَّ حَبُّهُ، وإذا بِيعَتِ الأرْضُ لم يَدْخُلْ في البَيْعِ إلَّا أن يَشْتَرِطَهُ المُبْتَاعُ. والباذِنْجانُ نَوْعانِ؛ أحَدُهما، ما له شَجَرٌ تَبْقَى أُصُولُه وتَتَكَرَّرُ ثَمَرَتُه، فهو كالشَّجَرِ. والثاني، ما يَتَكَرَّرُ زَرْعُه كلَّ عَامٍ، فهو كالحِنْطَةِ والشَّعِيرِ.
723 - مسألة؛ قال: (فَإنْ تَرَكَها حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُها، بَطَلَ البَيْعُ)
اخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ عن أحْمَدَ، رحمه الله، في مَن اشْتَرى ثَمَرَةً قبلَ بُدُوِّ صَلاحِها، فتَرَكَها حتى بَدا صَلاحُها، فنَقَلَ عنه حَنْبَلٌ، وأبو طالِبٍ: أنَّ البَيْعَ يَبْطُلُ. قال القاضى: هى أصَحُّ. فعلى هذا يَرُدُّ المُشْتَرِى الثَّمَرةَ إلى البائِعِ، ويَأْخُذُ الثَّمَنَ. ونقلَ أحْمَدُ بن سَعِيدٍ، أنَّ البَيْعَ لا يَبْطُلُ. وهو قولُ أكْثَرِ الفُقَهاءِ؛ لأنَّ أكْثَرَ ما فيه أنَّ المَبِيعَ اخْتَلَطَ بغيرِه، فأشْبَه ما لو اشْتَرَى ثَمَرةً، فَحَدَثَتْ ثَمَرةٌ أُخْرَى، ولم تَتَمَيَّزْ، أو حِنْطَةً فانْثَالَتْ عليها أُخْرَى، أو ثَوْبًا، فاخْتَلَطَ بغيرِه. ونَقَلَ عنه أبو داودَ، في من اشْتَرَى قَصِيلًا، فَمرِضَ، أو تَوَانَى حتى صَارَ شَعِيرًا. قال: إن أرادَ به حِيلَةً فَسَدَ البَيْعُ، وإلَّا لم يَفْسُدْ. والظَّاهِرُ: أنَّ هذه تَرْجِعُ إلى ما نَقَلَهُ ابنُ سَعِيدٍ، فإنَّه
(16) في الأصل: "حبه".
يَتَعَيَّنُ حَمْلُ ما نَقَلَهُ أحْمَدُ بن سَعِيدٍ في صِحَّةِ البَيْعِ على من لم (17) يُرِدْ حِيلَةً، فإن أرادَ الحِيلَةَ، وقَصَدَ بِشَرْطِه القَطْعَ الحِيلَةَ على إبْقائِه، لم يَصِحَّ بحالٍ، إذ قد ثَبَتَ من مذهبِ أحمدَ أنَّ الحِيَلَ كلَّها باطِلَةٌ. ووَجْهُ الرِّوايَةِ الأُولَى، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بَيْعِ الثَّمرَةِ قبل بُدُوِّ صَلَاحِهَا (18). فاسْتَثْنَى منه ما اشْتَراهُ بِشَرْطِ القَطْعِ، فقَطَعَهُ بالإِجْماعِ، فيَبْقَى ما عَداه على أصْلِ التَّحْرِيمِ، ولأنَّ التَّبْقِيَةَ مَعْنًى حَرَّمَ الشَّرْعُ اشْتراطَه لِحَقِّ اللَّه تعالى، فأبْطَلَ العَقْدُ وُجُودَه. كالنَّسِيئَةِ فيما يَحْرُمُ فيه النَّساءُ، وتَرْكِ التَّقابُضِ فيما يُشْتَرَطُ فيه القَبْضُ، أو الفَضْلِ فيما يَجِبُ التَّساوِى فيه، ولأنَّ صِحَّةَ البَيْعِ تَجْعَلُ ذلك ذَرِيعَةً إلى شِراءِ الثَّمرَةِ قبلَ بُدُوِّ صَلاحِها، وتَرْكِها حتى يَبْدُوَ صَلَاحُها، ووَسَائِلُ الحَرامِ حَرامٌ، كَبَيْعِ العِينةِ (19). ومتى حَكَمْنَا بِفَسادِ البَيْعِ، فالثَّمرَةُ كلُّها لِلْبائِعِ. وعنه، أنَّهما يَتَصَدَّقانِ بالزِّيادَةِ. قال القاضى: هذا مُسْتَحَبٌّ لِوُقُوعِ الخِلافِ في مُسْتَحِقِّ الثَّمرَةِ، فاسْتُحِبَّتِ الصَّدَقَةُ بها، وإلَّا فالحَقُّ أنَّها للبائِعِ تَبَعًا للأَصْلِ، كسائِر نَماءِ المَبِيعِ المُتَّصِلِ إذا رُدَّ على البائِعِ بِفَسْخٍ أو بُطْلانٍ. ونقل ابنُ أبى مُوسى في "الإِرْشادِ"، أن البائِعَ والمُشْتَرِىَ يكُونان شَرِيكَيْنِ في الزِّيادَةِ. وأمَّا إن حَكَمْنا بِصِحَّةِ العَقْدِ، فقد رُوِىَ أنَّهما يَشْتَرِكانِ في الزِّيادَةِ؛ لِحُصُولِها في مِلْكِهِما، فإن مَلَكَ المُشْتَرِى الثمرَةَ، ومَلَكَ البائِعُ الأصْلَ، وهو سببُ الزِّيَادَةِ. قال القاضى: الزِّيادَةُ لِلْمُشْتَرِى كالعَبْدِ إذا سَمِنَ. وحَمَلَ قولَ أحمدَ: "يَشْتَرِكَانِ" على الاسْتِحْبابِ. والأوَّلُ أظْهَرُ؛ لما ذَكَرْنا، فإنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ من أصْلِ البائِعِ من غير اسْتِحْقاقِ تَرْكِها، فكان فيها حَقٌّ له، بخِلافِ العَبْدِ إذا سَمِنَ، فإنَّه لا يَتَحَقَّقُ فيه هذا المَعْنَى، ولا يُشْبِهُه، ولا يَصِحُّ حَمْلُ قولِ أحمدَ على
(17) سقط من: م.
(18)
تقدم في صفحة 148.
(19)
بيع العينة: إذا باع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل معلوم ثم اشتراها منه بأقل من الثمن الذى باعها به. اللسان (ع ى ن).