الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعَصِيرِ أقَلُّ من المُنْفَرِدِ (7)، وإنْ لم يَعْلَمْ، لم يَجُزْ. ولنا، أنَّه مالُ رِبًا بِيعَ بأصْلِه الذى فيه منه، فلم يَجُزْ، كَبَيْعِ اللَّحْمِ بالحَيَوانِ، وقد أثْبَتْنا ذلك بالنصِّ.
فصل:
فأمَّا بَيْعُ شَىءٍ من هذه المُعْتَصَرَاتِ بِجِنْسِه، فيجوزُ مُتَماثِلًا. ويَجُوزُ بَيْعُه بغيرِ جنْسِه مُتَفاضِلًا، وكيف شاءَ؛ لأنَّهما جِنْسانِ، ويُعْتَبَرُ التَّساوِى فيهما بالكَيْلِ؛ لأَنَّه يُقَدَّرُ به ويُباعُ به عادَةً، وهذا مذهبُ الشَّافِعِىِّ، وسَوَاءٌ كانا مَطْبُوخَيْنِ أو نِيئَيْنِ. وقال أصْحابُ الشَّافِعِىِّ: لا يجُوزُ بَيْعُ المَطْبُوخِ بِجِنْسِه؛ لأنَّ النَّارَ تَعْقِدُ أجْزاءَهما، فيَخْتَلِفُ ويُؤَدِّى إلى التَّفاضُلِ. ولنا، أنَّهما مُتَساوِيانِ فى الحالِ، على وَجْهٍ لا يَنْفَرِدُ أحَدُهما بالنَّقْصِ. فأَشْبَه النِّىءَ بالنِّىءِ. فأمَّا بَيْعُ النِّىءِ بالمَطْبُوخِ من جِنْسٍ واحِدٍ، فلا يجوزُ؛ لأنَّ أحَدَهُما يَنْفرِدُ بالنَّقْصِ فى ثانى الحالِ، فلم يَجُزْ بَيْعُه به، كالرُّطَبِ بالتَّمْرِ. وإن باعَ عَصِيرَ شَىْءٍ من ذلك بِثُفْلِه. فإن كانت فيه بَقِيَّةٌ من المُسْتَخْرَجِ منه، لم يَجُزْ بَيْعُه به، فلا يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْرَجِ بالكُسْبِ، ولا الزَّيْتِ بِثُفْلِه الذى فيه بَقِيَّةٌ من الزَّيْتِ، إلَّا على الرِّوايَةِ التى يجوزُ (8) فيها مَسْأَلَةُ مُدِّ عَجْوَةٍ. فإنْ لم يَبْقَ فيه شَىْءٌ من عَصِيرِه، جازَ بَيْعُه به مُتَفاضِلًا، ومُتَماثِلًا؛ لأنَّهما جِنْسانِ.
فصل: وإنْ باعَ شَيْئًا فيه الرِّبا، بَعْضَه بِبَعْضٍ، ومَعهما، أو مع أحَدِهما من غير جِنْسِه، كَمُدٍّ ودِرْهَمٍ بمُدٍّ ودِرْهَمٍ، أو بِمُدَّيْنِ، أو بِدِرْهَمَيْنِ. أو باعَ شَيْئًا مُحَلًّى بجِنْسِ حِلْيَتِه، فهذه المَسْأَلَةُ تُسَمَّى مَسْأَلَةَ مُدِّ عَجْوَةٍ. والمذهبُ أنَّه لا يجوزُ ذلك. نَصَّ على ذلك أحمدُ، فى مَواضِعَ كَثِيرَةٍ، وذَكَرَهُ قُدَماءُ الأصْحابِ، قال ابنُ أبى مُوسَى فى السَّيْفِ المُحَلَّى والمِنْطَقَةِ والمَراكِبِ المُحَلَّاةِ بِجِنْسِ ما عليها: لا يَجُوزُ، قَوْلًا واحِدًا. وَرُوِىَ هذا عن سالِمِ بن عبدِ اللهِ، والقاسِمِ بن محمدٍ، وشُرَيْحٍ، وابن سِيرِينَ. وبه قال الشَّافِعِىُّ، وإسْحاقُ، وأبُو ثَوْرٍ، وعن أحمدَ، رِوايَةٌ أخْرَى، تَدُلُّ على أنَّه يجوزُ، بِشَرْطِ أنْ يَكونَ المُفرَدُ أكْثَرَ من الذى
(7) فى الأصل: "المفرد".
(8)
سقط من: م.
معه غيرُه، أو يكونَ مع كلِّ واحِدٍ منهما من غيرِ جِنْسِه، فإنَّ مُهَنَّا نَقَلَ عن أحمدَ فى (9) بَيْعِ الزُّبْدِ باللَّبَنِ، يَجُوزُ، إذا كان الزُّبْدُ المُنْفَرِدُ أكثرَ من الزُّبْدِ الذى فى اللَّبَنِ. ورَوَى حَرْبٌ، قال: قلتُ لأحمدَ: دَفَعْتُ دِينارًا كُوفِيًّا ودِرْهَمًا، وأخَذْتُ دِينارًا شَامِيًّا، وَزْنُهُما سَواءٌ، لكنَّ الكُوفِىَّ أَوْضَعُ؟ قال: لا يجوزُ، إلَّا أنْ يَنْقُصَ الدِّينارَ، فيُعْطِيهِ بحِسابِه فِضَّةً. وكذلك رَوَى عنه محمدُ بنُ أبى حَرْبٍ الجَرْجَرَائِىُّ (10). ورَوَى المَيْمُونِىُّ أنَّه سَأَلَه: لا يَشْتَرِى السَّيْفَ والمِنْطَقَة حتى يفصِلَها؟ فقال: لا يَشْتَرِيها حتى يَفصِلَها. إلَّا أنَّ هذا أَهْوَنُ من ذلك؛ لأنَّه قد يَشْتَرِى أحَدَ النَّوْعَيْنِ بالآخَرِ يفْصِلُه (11). وفيه غيرُ النَّوْعِ الذى يَشْتَرِى به، فإذا كان مِن فَضْلِ الثَّمَنِ، إلَّا أنَّ من ذَهَبَ إلى ظاهِرِ القِلادَةِ لا يَشْتَرِيه حتى يفصلَه. قيل له: فما تَقُولُ أنْتَ؟ قال: هذا مَوْضِعُ نَظَرٍ. وقال أبو داودَ: سَمِعْتُ أحمدَ سُئِلَ عن الدَّراهِمِ المُسَيَّبِيَّةِ (12)، بعضُها صُفْرٌ وبعضُها فِضَّةٌ، بالدَّرَاهِمِ؟ قال: لا أقولُ فيه شيئا، قال أبو بكْرٍ: رَوَى هذه المَسْأَلَةَ عن أبى عبدِ اللهِ خَمْسَةَ عَشَرَ نَفْسًا. كُلُّهُمُ اتَّفَقُوا على أنَّه لا يَجُوزُ حتى يفصِلَ، إلّا المَيْمُونِىَّ. ونَقَلَ مُهَنَّا كَلامًا آخَرَ. وقال حَمَّادُ بنُ أبِى سليمانَ، وأبو حنيفةَ: يجوزُ. هذا كُلُّه إذا كان المُفْرَدُ أكْثَرَ من الذى معه غيرُه، أو كان مع كُلِّ واحِدٍ منهما مِن غيرِ جِنْسِه. وقال الحسنُ: لا بَأْسَ بِبَيْعِ السَّيْفِ المُحَلَّى بالفِضَّةِ بالدَّراهِمِ. وبه قال الشَّعْبِىُّ والنَّخَعِىُّ، واحْتَجَّ من أجازَ ذلك بأنَّ العَقْدَ إذا أمْكَنَ حَمْلُه على الصِّحَّةِ، لم يُحْمَلْ على الفَسادِ؛ لأنَّه لو اشْتَرَى لَحْمًا من قَصَّابٍ، جازَ مع احْتِمالِ كَوْنِه مَيْتَةً. ولكنْ وَجَبَ حَمْلُه على أنّه مُذَكًّى، تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ. ولو اشْتَرَى من إنْسانٍ شيئًا، جازَ، مع احْتِمالِ كَوْنِه
(9) فى م زيادة: "أن".
(10)
ترجمه ابن أبى يعلى، فى طبقات الحنابلة 1/ 331. وهو فى المطبوع منها:"محمد بن النقيب بن أبى حرب"، وقال نقلا عن الخلال: كان أحمد يكاتبه ويعرف قدره، عنده عن أبى عبد اللَّه مسائل مشبعة كنت سمعتها منه.
(11)
فى الأصل: "يفصل".
(12)
فى الأصل: "المسيبتة". والمسيبية: دراهم من ضرب الإسلام عامتها ذهب إلا شيئًا فيها فضة. معجم البلدان 1/ 519، ومسائل الإِمام أحمد، لأبى داود 195، 196، النقود العربية، للكرملى 150.
غيرَ مِلْكِه، ولا إذْنَ له فى بَيْعِه، تَصْحِيحًا لِلعَقْدِ أيضًا. وقد أمكن التَّصْحِيحُ هاهُنا، بِجَعْلِ الجِنْسِ فى مُقابَلَةِ غيرِ الجِنْسِ، أو جَعْلِ غيرِ الجِنْسِ فى مُقابَلَةِ الزَّائِدِ على المِثْلِ. ولنا، ما رَوَى فَضالَةُ بنُ عُبَيْدٍ، قال: أُتِىَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بقِلَادَةٍ فيها ذَهَبٌ وخَرَزٌ، ابْتَاعَهَا رَجُلٌ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ أو سَبْعَةِ دَنَانِيرَ. فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:"لَا، حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا". قال: فَرَدَّهُ حتى مَيَّزَ بَينهما. رَواهُ أبُو داودَ (13). وفى لَفْظٍ رَواهُ (14) مُسْلِمٌ (15). قال: فأمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالذَّهَبِ الذى فى القِلادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَه ثم قال لهم رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الذَّهَبُ بالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ". ولأنَّ العَقْدَ إذا جَمَعَ عِوَضَيْنِ مُخْتَلِفَىِ الجِنْسِ، وَجَبَ أنْ يَنْقَسِمَ أحَدُهما على الآخَرِ، على قَدْرِ قِيمَةِ الآخَرِ فى نَفْسِه، فإذا اخْتَلَفَتِ القِيمَةُ اخْتَلَفَ ما يَأْخُذُه من العِوَضِ. بَيانُه، أنَّه إذا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ، قِيمَةُ أحَدِهما مِثلُ نِصْفِ قِيمَةِ الآخَرِ بِعَشَرَةٍ، كان ثَمَنُ أحَدِهما ثُلثَىِ العَشَرَةِ، والآخَرِ ثُلُثَها، فلو رَدَّ أحَدَهُما بِعَيْبٍ، رَدَّهُ بِقِسْطِه من الثَّمَنِ، ولذلك إذا اشْتَرَى شِقْصًا (16) وسَيْفًا بِثَمَنٍ، أخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِقِسْطِه من الثَّمَنِ، فإذا فَعَلْنا هذا فِى مَنْ باعَ دِرْهَمًا ومُدًّا قِيمَتُه دِرْهمانِ، بِمُدَّيْنِ قِيمَتُهُما ثلاثةٌ، حصل الدِّرْهَمُ فى مُقابلةِ ثُلُثَىْ مُدٍّ. والمُدُّ الذى مع الدِّرْهَمِ فى مُقابَلَةِ مُدٍّ وثُلُثٍ، فهذا إذا تَفاوَتَتِ القِيَمُ، ومع التَّساوِى يُجْهَلُ ذلك؛ لأنَّ التَّقْوِيمَ ظَنٌّ وتَخْمِينٌ، والجَهْلُ بِالتَّساوِى كَالعِلْمِ بِعَدَمِه فى بابِ الرِّبا، ولذلك، لم يَجُزْ بَيْعُ صُبْرَةٍ بِصُبْرَةٍ، بالظَّنِّ والخَرْصِ. وقَوْلُهم: يَجِبُ تَصْحِيحُ العَقْدِ. ليس كذلك، بل يُحْمَلُ
(13) فى: باب فى حلية السيف تباع بالدراهم، من كتاب البيوع. سنن أبى داود 2/ 223، 224.
كما أخرجه مسلم، فى: باب بيع القلادة فيها خرز وذهب، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1213. والترمذى، فى: باب ما جاء فى شراء القلادة وفيها ذهب وخرز، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 260. والنسائى، فى: باب بيع القلادة فيها الخرز والذهب بالذهب، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 245.
(14)
فى م: "رواية".
(15)
فى: باب بيع القلادة فيها خرز وذهب، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1213.
(16)
الشقص، بالكسر: السهم والنصيب.