الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَرُدَّ عليه بِنُكُولِه، فهل له رَدُّه على المُوَكِّلِ؟ على وَجْهَيْنِ؛ أحَدِهما، ليس له رَدُّه؛ لأنَّ ذلك يَجْرِى مَجْرَى إقْرارِهِ. والثانى، له رَدُّه؛ لأنَّه يَرْجِعُ إليه بغير اخْتِيارِه، أشْبَهَ ما لو قامَتْ به بيِّنَةٌ.
فصل:
ولو اشْتَرَى جارِيَةً على أنَّها بِكْرٌ، ثم قال المُشْتَرِى: إنَّما هى ثَيِّبٌ. أُرِيَتِ النِّساءَ الثّقاتَ، ويُقْبَلُ قولُ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ. فإن وَطِئَها المُشْتَرِى، وقال: ما أصَبْتُها بِكْرًا. خُرِّجَ فيه وَجْهانِ، بِناءً على الرِّوايَتَيْنِ فيما إذا اخْتَلَفا فى العَيْبِ الحَادِثِ.
فصل: وإن رَدَّ المُشْتَرِى السِّلْعَةَ بِعَيْبٍ فيها، فأنْكَرَ البائِعُ كَوْنَها سِلْعَتَه، فالقولُ قولُ البائِعِ مع يَمِينِه. وبه قال أبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأى. ونحوَه قال الأوْزاعِىُّ، فإنَّه قال فى مَنْ صَرَفَ دَراهِمَ بِدَنانِيرَ، ثم رَجَعَ بِدِرْهَمٍ، فقال الصَّيْرَفِىُّ: ليس هذا دِرْهَمِى يَحْلِفُ الصَّيْرَفِىُّ: بالله لقد وَفَّيْتُكَه، ويَبْرَأُ؛ لأنَّ البائِعَ مُنْكِرٌ كَوْنَ هذه سِلْعَتَه، ومُنْكِرٌ لِاسْتِحْقاقِ الفَسْخِ، والقولُ قولُ المُنْكِرِ. فأمَّا إن جاءَ لِيَرُدَّ السِّلْعَةَ بخِيارٍ، فأنْكَرَ البائِعُ أنَّها سِلْعَتُه، فحَكَى ابنُ المُنْذِرِ عن أحمدَ، أنَّ القولَ قولُ المُشْتَرِى. وهو قولُ الثَّوْرِىِّ، وإسْحاقَ، وأصْحابِ الرَّأْى؛ لأنَّهما اتَّفَقا على اسْتِحْقاقِ فَسْخِ العَقْدِ، والرَّدُّ بَالعَيْبِ بخِلافِه.
747 - مسألة؛ قال: (وإذَا اشْتَرَى شَيْئًا، مَأْكُولُهُ فِى جَوْفِهِ، فَكَسَرَهُ، فوَجَدَهُ فَاسِدًا، فَإنْ لَمْ يَكُنْ لِمَكسُورِه قِيمَةٌ، كبَيْضِ الدَّجَاجِ، رَجَعَ بالثَّمَنِ عَلَى الْبائِعِ، وَإنْ كَانَ لِمَكْسُورِه قِيمَةٌ، كجَوْزِ الهِنْدِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِى الرَّدِّ وأخْذِ الثَّمَنِ، وَعَلَيْهِ أَرْشُ الْكَسْرِ، أوْ يَأْخُذُ مَا بَينَ صَحِيحِهِ وَمَعِيبِهِ)
وجملةُ ذلك، أنَّه إذا اشْتَرَى ما لا يطَّلِعُ على عَيْبِه إلَّا بِكَسْرِه، كالبِطِّيخِ، والرُّمَّانِ، والجَوْزِ، والبَيْضِ، فكَسَرَهُ فبانَ عَيْبُه، ففيه رِوايَتانِ؛ إحْداهما، لا يَرْجِعُ على البائِعِ بشىءٍ، وهو مذهبُ مالِكٍ؛ لأنَّه ليس من البائِعِ تَدْلِيسٌ، ولا تَفْرِيطٌ؛ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِه بِعَيْبِه، وكَوْنِه لا يمكنُه الوُقُوفُ عليه إلَّا بِكَسْرِه، فجَرَى
مَجْرَى البَراءَةِ من العُيُوبِ. والثانيةُ، يَرْجِعُ عليه. وهى ظاهِرُ المذهبِ، وقولُ أبى حنيفةَ والشَّافِعىِّ؛ لأَنَّ عَقْدَ البَيْعِ اقْتَضَى السَّلامَةَ من عَيْبٍ لم يَطَّلِعْ عليه المُشْتَرِى، فإذا بانَ مَعِيبًا، ثَبَتَ له الخِيارُ، ولأنَّ البائِعَ إنَّما يسْتَحِقُ ثَمَنَ المَعيِبِ، دونَ الصَّحِيحِ؛ لأنَّه لم يَمْلِكْه صَحِيحًا، فلا مَعْنَى لإِيجابِ الثَّمَنِ كُلِّه، وكَوْنُه لم يُفَرِّطْ لا يَقْتَضِى أن يَجبَ له ثَمَنُ ما لم يُسَلِّمْه؛ بِدَلِيلِ العَيْبِ الذى لم يَعْلَمْه فى العَبْدِ. إذا ثبَتَ هذا، فإنَّ المَبِيعَ إن كان ممَّا لا قِيمَةَ له مَكْسُورًا، كبَيْضِ الدَّجاجِ الفاسِدِ، والرُّمَّانِ الأسْوَدِ، والجَوْزِ الخَرِبِ، والبِطِّيخِ التَّالِفِ، رَجَعَ بالثَّمَنِ كلِّه؛ لأنَّ هذا تَبَيَّنَ به فَسادُ العَقْدِ من أصْلِه؛ لِكَونِه وَقَعَ على ما لا نَفْعَ فيه، ولا يَصِحُّ بَيْعُ ما لا نَفْعَ فيه، كالحَشَراتِ والمَيْتاتِ، وليس عليه أن يَرُدَّ المَبِيعَ إلى البائِعِ؛ لأنَّه لا فائِدَةَ فيه. الثانى، أن يكونَ ممَّا لِمَعِيبِه قِيمَةٌ، كَجَوْزِ الهِنْدِ، وبَيْضِ النَّعامِ، والبِطِّيخِ الذى فيه نَفْعٌ، ونحوِه، فإذا كَسَرَهُ نَظَرْتَ، فإن كان كَسْرًا لا يُمْكِنُ اسْتِعْلامُ المَبِيعِ بدونِه، فالمُشْتَرِى مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَدِّهِ ورَدِّ أَرْشِ الكَسْرِ وأخْذِ الثَّمَنِ، وبين أخْذِ أرْشِ عَيْبِه، وهو قِسْطُ ما بين صَحِيحِه ومَعِيبِه، وهذا ظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِىِّ. وقال القاضِى: عندى لا أرْشَ عليه لِكَسْرِه؛ لأنَّ ذلك حَصَلَ بِطَرِيقِ اسْتِعْلامِ العَيْبِ، والبائِعُ سَلَّطَهُ عليه، حيثُ عَلِم أنَّه لا تُعْلَمُ له صِحَّتُه مِن فَسادِه بغيرِ ذلك. وهذا قولُ الشَّافِعِىِّ. وَوَجْهُ قولِ الخِرَقِىِّ، أنَّه نَقْصٌ لم يَمْنَع الرَّدَّ، فَلَزِمَ رَدُّ أَرْشِه، كلَبَنِ المُصَرَّاةِ إذا حَلَبَها، والبِكْرِ إذا وَطِئها، وبهذَيْن الأصْلَيْنِ يَبْطُلُ ما ذَكَرَه، فإنَّه لِاسْتِعْلامِ العَيْبِ، والبائِعُ سَلَّطَه عليه، بل هاهُنا أوْلَى؛ لأنَّه تَدْلِيسٌ من البائِعِ، والتَّصْرِيَةُ حَصَلَتْ بِتَدْلِيسِه، وإن كان كَسْرًا يُمْكِنُ اسْتِعْلامُ المَبِيعِ بدُونِه، إلَّا أنَّه لا يُتْلِفُ المَبِيعَ بالكُلِّيَّةِ، فالحُكْمُ فيه كالذى قبلَه فى قَوْلِ الخِرَقِىِّ، وهو قولُ القاضِى أيضًا. والمُشْتَرِى مُخَيَّرٌ بين رَدِّه وأَرْشِ الكَسْرِ وأخْذِ الثَّمَنِ، وبين أخْذِ أرْشِ العَيْبِ. وهو إحْدَى الرِّوايَتَيْنِ عن أحمدَ. والرِّوايَةُ الثانية، ليس له رَدُّه، وله أرْشُ العَيْبِ. وهذا قولُ أبى حنيفة والشَّافِعىِّ، وقد ذَكَرْنا ذلك فيما تَقَدَّمَ. وإن كَسَرَه كَسْرًا لا يُبْقِى له قِيمَةً، فلَهُ أرْشُ العَيْبِ، لا غيرُ؛ لأنَّه