الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، والمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ"(14). ولأنَّ الجالِبَ لا يُضَيِّقُ على أحَدٍ، ولا يَضُرُّ به، بل يَنْفَعُ، فإنَّ النَّاسَ إذا عَلِمُوا عِنْدَه طعامًا مُعَدًّا للبَيْعِ، كان ذلك أطْيَبَ لقُلُوبِهم مِن عَدَمِه. الثّانى، أنْ يَكُونَ المُشْتَرَى قُوتًا. فأمّا الإِدامُ، والحَلْواءُ، والعَسَلُ، والزَّيْتُ، وأعلافُ البهائِمِ، فليس فيها احْتِكارٌ مُحَرَّمٌ. قال الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أبا عبدِ اللهِ يُسْأَلُ، عن أىِّ شىءٍ الاحْتِكار؟ قال: إذا كان مِن قُوتِ النّاسِ فهو الذى يُكْرَه. وهذا قولُ عبدِ اللهِ بن عَمْرٍو. وكان سَعيِدُ بن المُسَيَّبِ -وهو راوى حَدِيثِ الاحْتِكارِ- يَحْتَكِرُ الزَّيْتَ. قال أبو داوُدَ: كان يَحْتَكِرُ النَّوَى، والخَيْطَ، والبَزْرَ (15). ولأنَّ هذه الأشياءَ ممَّا لا تَعُمُّ الحاجَةُ إليها، فأشْبَهَتِ الثِّيابَ، والحَيَواناتِ. الثّالث، أنْ يُضَيِّقَ على النّاسِ بِشِرائِه. ولا يَحْصُلُ ذلك إلّا بأمْرَيْنِ، أحَدِهما، يَكُونُ فى بَلَدٍ يُضَيِّقُ بأهلِه الاحْتِكارُ، كالحَرَمَيْنِ، والثُّغُورِ. قال أحمدُ: الاحْتِكارُ فى مِثْلِ مَكَّةَ، والمَدِينَةِ، والثُّغُورِ. فظاهِرُ هذا أنَّ البِلادَ الواسِعَةَ الكَثِيرَةَ المَرافِقِ والجَلَبِ، كبَغْدَادَ، والبَصْرَةِ، ومِصْرَ، لا يَحْرُمُ فيها الاحْتكارُ؛ لأنّ ذلك لا يُؤثِّرُ فيها غالِبًا. الثّانى، أنْ يَكُونَ فى حالِ الضِّيقِ، بأنْ يَدْخُلَ البَلَدَ قافِلَةٌ فيَتَبادَرُ ذَوُو الأموالِ فيَشْتَرُونَها، ويُضَيِّقُونَ على النَّاسِ. فأمَّا إنِ اشْتَراه فى حالِ الاتِّساعِ والرُّخْصِ، على وَجْهٍ لا يُضَيِّقُ على أحَدٍ، فليس بمُحَرَّمٍ.
765 - مسألة؛ قال: (وَبَيْعُ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا بَاطِلٌ)
وجُمْلَةُ ذلك؛ أنّ بَيْعَ العَصِيرِ لِمَن يَعْتَقِدُ أَنَّه يَتَّخِذُه خَمْرًا مُحَرَّمٌ. وكَرِهَه الشَّافِعِىُّ، وذَكَرَ بعضُ أصحابِه أنّ البائِعَ إذا اعْتَقَدَ أَنَّه يَعْصِرُها خَمْرًا، فهو مُحَرَّمٌ، وإنّما يُكْرَه إذا شَكَّ فيه. وحَكَى ابنُ المُنْذِرِ عن الحَسَنِ وعطاءٍ والثَّوْرِىِّ؛ أنّه
(14) تقدَّم تخريجه فى الصفحة السابقة.
(15)
البَزْر: كل حب يبذر للنبات، جمعه بُزُور. القاموس.
لا بَأْسَ ببَيْعِ التَّمْرِ مِمَّنْ (1) يَتَّخِذُه مُسْكِرًا. قال الثَّوْرِىُّ: بِعِ الحلالَ ممَّنْ شِئْتَ. واحْتَجَّ لهم بقولِ اللهِ تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (2). ولأنّ البَيْعَ تَمَّ بأركانِه وشُرُوطِه. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى:{وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (3). وهذا نَهْىٌ يَقْتَضِى التَّحْرِيمَ. ورُوِىَ عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه لَعَنَ فى الخَمْرِ عَشَرَةً. فرَوَى ابنُ عَبّاسٍ أنَّ النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم أتاه جِبْرِيلُ، فقال: يا مُحَمَّدُ، إنَّ اللهَ لَعَنَ الخَمْرَ، وعاصِرَها، ومُعْتَصِرَها، وحامِلَها، والمَحْمُولَةَ إليه، وشارِبَها، وبائِعَها، ومُبْتاعَها، وسَاقِيَها. وأشارَ إلى كُلِّ مُعاوِنٍ عليها، ومُساعِدٍ فيها. أخْرَجَ هذا الحَدِيثَ التِّرْمِذِىُّ (4)، من حَدِيثِ أنَسٍ، وقال: قد رُوِىَ هذا الحَدِيثُ عن ابنِ عَبّاسٍ (5)، وابنِ عمرَ (6)، عن النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم. ورَوَى ابنُ بَطَّةَ فى تَحْرِيمِ النَّبِيذِ، بإسنادِه، عن مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ، أنَّ قَيِّمًا كان لسَعْدِ بن أبي وَقّاصٍ فى أرْضٍ له، فأخْبَرَه عن عِنَبٍ أَنَّه لا يَصْلُحُ زَبِيبًا، ولا يَصْلُحُ أن يُباعَ إلّا لمن يَعْصِرُه، فأمَرَ بقَلْعِه، وقال: بِئْسَ الشَّيخُ أنا إنْ بِعْتُ الخَمْرَ (7). ولأنَّه يَعْقِدُ عليها لمن يَعْلَمُ أنَّه يُرِيدُها للمَعْصِيَةِ، فأشْبَهَ إجارَةَ أمَتِه لمن يَعْلَمُ أَنَّه يَسْتَأْجِرُها ليَزْنِىَ بها. والآيَةُ مَخْصُوصَةٌ
(1) فى م: "لمن".
(2)
سورة البقرة 275.
(3)
سورة المائدة 2.
(4)
فى: باب النهى أن يتخذ الخمر خلا، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 295.
كما أخرجه ابن ماجه، فى: باب لعنت الخمر على عشرة أوجه، من كتاب الأشربة. سنن ابن ماجه 2/ 1122.
(5)
أخرجه الإِمام أحمد، فى: المسند 1/ 316.
(6)
أخرجه أبو داود، فى: باب فى العنب يعصر للخمر، من كتاب الأشربة. سنن أبي داود 2/ 292 وابن ماجه، فى: باب لعنت الخمر على عشرة أوجه، من كتاب الأشربة. سنن ابن ماجه 2/ 1121، 1122. والإمام أحمد، فى: المسند 2/ 25، 71، 97.
(7)
أخرجه النسائى، فى: باب الكراهية فى بيع العصير، من كتاب الأشربة. المجتبى 8/ 294. وعبد الرزاق، فى: باب العصير شربه وبيعه، من كتاب الأشربة. مصنف عبد الرزاق 9/ 218. وابن أبى شيبة، فى: باب فى بيع العصير، من كتاب البيوع والأقضية. مصنف ابن أبي شَيْبَة 6/ 598.