الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشْبَهَ الطَّيْرَ فى الهواءِ، والعَبْدَ الآبِقَ؛ لأنَّه مَجْهُولٌ، فلم يَصِحَّ بَيْعُه، كاللَّبَنِ فى الضَّرْعِ، والنَّوَى فى التَّمْرِ، ويُفارِقُ ما ذَكَرُوه؛ لأنَّ ذلك من مُؤْنَةِ القَبْضِ، وهذا يَحْتاجُ إلى مُؤْنَةٍ ليُمْكنَ قَبْضُه، فأمَّا إنْ كانت له بِرْكَةٌ فيها سَمَكٌ له يمكنُ اصْطِيادُه بغير كُلْفَةٍ، والماءُ رَقِيقٌ لا يَمْنَعُ مُشاهَدَتَه، صَحَّ بَيْعُه، وإنْ لم يُمكن إلَّا بِمَشَقَّةٍ، وكُلْفَةٍ يَسِيرَةٍ (5)، بمَنْزِلَةِ كُلْفَةِ اصْطِيادِ الطَّائِرِ من البُرْجِ، فالقولُ فيه كالقولِ فى بَيْعِ الطَّائِرِ فى البُرْجِ، على ما ذَكَرْنا فيه من الخِلافِ. وإن كانت كَثِيرَةً، وتَتَطاوَلُ المُدَّةُ فيه، لم يَجُزْ بَيْعُه؛ لِلْعَجْزِ عن تَسْلِيمِه، والجَهْلِ لِوَقْتِ إمْكانِ التَّسْلِيمِ.
فصل:
إذا أعَدَّ بِرْكَةً، أو مِصْفاةً؛ لِيَصْطادَ فيها السَّمَكَ، فحَصَلَ فيها سَمَكٌ مَلَكَه؛ لأنَّه آلَةٌ مُعَدَّةٌ للاصْطِيادِ، فأشْبَه الشَّبَكَةَ. ولو اسْتَأْجَرَ البِرْكَةَ، أو الشَّبَكَةَ، أو اسْتَعارَهما للاصْطِيادِ، جازَ، وما حَصَلَ فيهما مَلَكَه. وإنْ كانت البِرْكَةُ غيرَ مُعَدَّةٍ للاصْطِيادِ، لم يَمْلِكْ ما حَصَلَ فيها من السَّمَكِ، لأنَّها غيرُ مُعَدَّةٍ له، فأشْبَهَتْ أرْضَه إذا دَخَلَ فيها صَيْدٌ، أو حَصَلَ فيها سَمَكٌ. ومتى نَصَبَ شَبَكَةً، أو شَرَكًا، أو فَخًّا، أو أُحْبُولَةً، مَلكَ ما وَقَعَ فيها من الصَّيْدِ؛ لأنَّه بمَنْزِلَةِ يَدِه. وكذلك لو نصَبَ المَناجِلَ لِلصَّيْدِ، وسَمَّى فَقَتلَت صَيْدًا، حَلَّ له أكْلُه، وكان كذَبْحِه. ولو وَقَعَ فى شَبَكَتِه أو شِبْهها شىءٌ كان مَضْمُونًا عليه، فعُلِمَ بذلك، أَنَّه كيَدِه. ولو أعَدَّ لمِيَاهِ الأمْطارِ مَصانِعَ (6)، أو بِرَكًا، أو أوانِىَ؛ لِيَحْصُلَ فيها الماءُ، مَلَكَه بحُصُولِه فيها؛ لأنَّها فى بابِ الإِعْدادِ، كالشِّباكِ للاصْطِيادِ. ولو أعَدَّ سَفِينَةً للاصْطِيادِ، كالتى يُجْعَلُ فيها الضَّوْءُ ويُضْرَبُ صَوانِى الصُّفْرِ (7)، لِيَثِبَ السَّمَكُ فيها، كان حُصُولُه فيها كحُصُولِه فى شَبَكَتِه؛ لِكَوْنِها صارَتْ من الآلاتِ المُعَدَّةِ له، ولو لم يُعِدَّها لذلك، لم يَمْلِكْ ما وَقَعَ فيها. ومن سَبَقَ إليه فأخَذَه مَلَكَه،
(5) فى الأصل: "وكانت يسيرة".
(6)
جمع مصنع، وهو حوض شبه الصهريج، يجمع فيه ماء المطر.
(7)
نوع من النحاس.
كالأرْضِ التى لم تُعَدَّ للاصْطِيادِ، مثلُ أرْضِ الزَّرْعِ إذا دَخَلَها ماءٌ فيه سَمَكٌ، ثم نَضَبَ عنه، أو حَلَّ (8) فيها ظَبْىٌ، أو عَشَّشَ فيها طائِرٌ، أو سَقَطَ فيها جَرادٌ، أو حَصَلَ فيها مِلْحٌ، لم يَمْلِكْه صاحِبُها؛ لأنَّه ليس من نَماءِ الأرضِ، ولا ممَّا هى مُعَدَّةٌ له، لكنَّه يكونُ أحَقَّ به، إذ ليس لغيرِه التَّخَطِّى فى أرضِه، ولا الانْتِفاعُ بها، فإن تخَطَّى وأخَذَه، أخْطَأَ ومَلَكَه. قال أحمدُ فى وَرَشَانَ (9) على نَخْلَةِ قومٍ، صادَه إنْسانٌ: هو للصَّائِدِ. وقال فى طَيْرةٍ (10) لِقَوْمٍ أَفْرَخَتْ فى دارِ جِيرانِهِمْ: إنَّ الفَرْخَ يَتْبَعُ الأُمَّ، يُرَدُّ فِرَاخُها على أصْحابِ الطَّيْرةِ. واخْتارَ ابنُ عَقِيلٍ، فى المَأْخُوذِ من أمْلاكِ الناسِ، من صَيْدٍ وكَلَأٍ وشِبْهه، أنَّه لا يَمْلِكُه بِأخْذِه؛ لأنَّه سَبَبٌ مَنْهِىٌّ عنه، فلم يُفِدِ المِلْكَ، كالبَيْعِ المَنْهِىِّ عنه، إذ السَّبَبُ لا يَخْتَلِفُ بين كونِه بَيْعًا، أو غيرَه؛ لقولِه عليه السلام:"مَن عَمِلَ (11) عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْه أمْرُنَا، فَهُو رَدٌّ"(12). والصَّحِيحُ الأوَّلُ. ولا نُسَلِّمُ أنَّ السَّبَبَ مَنْهِىٌّ عنه، فإنَّ السَّبَبَ الأخْذُ، وليس بمَنْهِىٍّ عنه، إنَّما نُهِى عن الدُّخُولِ، وهو غيرُ السَّبَبِ، بخِلافِ البَيْعِ، ولأنَّ النَّهْىَ هاهُنا لِحَقِّ آدَمِىٍّ، فلا يَمْنَعُ المِلْكَ، كبَيْعِ المُصَرَّاةِ، والمَعِيبِ، وتَلَقِّى الرُّكْبانِ، والنَّجْشِ، وبَيْعِه على بَيْعِ أخِيهِ. ولو أعَدَّ أرْضَه لِلْمِلْحِ، فجَعَلَها ملَّاحةً؛ ليَحْصُلَ فيها الماءُ، فيَصِيرَ مِلْحًا، كالأرْضِ التى على ساحِلِ البَحْرِ، يَجْعَلُ إليها طَرِيقًا للماءِ، فإذا امْتَلأَتْ قَطَعَهُ عنها، أو تكونُ أرْضُه سَبِخَةً، يَفْتَحُ إليها الماءِ (13) من عينٍ، أو يَجْمَعُ فيها ماءَ المَطَرِ، فيَصِيرُ مِلْحًا، ملَكَه بذلك؛ لأنَّها مُعَدَّةٌ له، فأَشْبَهَتِ البِرْكَةَ المُعَدَّةَ لِلصَّيْدِ. وإنْ لم يكن أعَدَّها لذلك، لم يَمْلِكْ ما حَصَلَ فيها، كما قَدَّمْنا فى مِثْلِها. فإنْ قيل: فقد رُوِىَ عن أحمدَ، فى إنْسانٍ رَمَى طيرًا بِبُنْدُقٍ، فوَقَعَ فى دارِ
(8) فى م: "دخل".
(9)
الورشان: طائر يسمى ساق حُرٍّ، لحمه أخفُّ من الحمام.
(10)
كذا ورد.
(11)
سقط من: م.
(12)
تقدم تخريجه فى 5/ 205، 206.
(13)
سقط من: الأصل.