الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَزِمَ مَن هو فى يَدِه، من المُرْتَهِنِ أو العَدْلِ، دَفْعُه إليه، إذا أمْكَنَه، فإن لم يَفْعَلْ، صَارَ ضَامِنًا، كالمُودَعِ إذا امْتَنَعَ مِن رَدِّ الوَدِيعَةِ عندَ طَلَبِها. وإن كان امْتِنَاعُه لِعُذْرٍ، مثل أن يكونَ بينَه وبينَه طَرِيقٌ مُخِيفٌ، أو بَابٌ مُغْلَقٌ لا يمكنُه فَتْحُه، أو كان يَخَافُ فَوْتَ جُمُعَةٍ أو جَمَاعَةٍ، أو فَوْتَ (5) صَلَاةٍ، أو به مَرَضٌ، أو جُوعٌ شَدِيدٌ، وما أشْبَهَهُ، فأخَّرَ التَّسْلِيمَ لذلك، فَتَلِفَ، فلا ضَمَانَ عليه؛ لأنَّه لا تَفْرِيطَ منه، فأشْبَه المُودعَ.
فصل:
وإذا قَبَضَ المُرْتَهِنُ الرَّهْنَ، فوَجَدَه مُسْتَحَقًّا، لَزِمَهُ رَدُّه على مَالِكِه، والرَّهْنُ بَاطِلٌ من أصْلِه. فإن أمْسَكَه، مع عِلْمِه بالغَصْبِ، حتى تَلِفَ فى يَدِه، اسْتَقَرَّ عليه الضَّمَانُ، ولِلْمالِكِ تَضْمِينُ أيهما شَاءَ، فإن ضَمَّنَ المُرْتَهِنَ، لم يَرْجِعْ على أحدٍ لذلك، وإن ضَمَّنَ الرَّاهِنَ، رَجَعَ عليه. وإن لم يَعْلَمْ بالغَصْبِ حتى تَلِفَ بِتَفْرِيطِه، فالحُكْمُ كذلك؛ لأنَّ الضَّمَانَ مُسْتَقِرٌّ (6) عليه، وإن تَلِفَ بغير تَفْرِيطِه، ففيه ثَلَاثَةُ أوْجُهٍ؛ أحَدُها، يَضْمَنُ، ويَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عليه (7)؛ لأنَّ مالَ غيره تَلِفَ تَحْتَ يَدِه العَادِيَةِ، فاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عليه، كما لو عَلِمَ. والثانى، لا ضَمَانَ عليه؛ لأنَّه قَبَضَهُ على أنَّه أمَانَةٌ من غير عِلْمِهِ، فلم يَضْمَنْه، كالوَدِيعَةِ. فعلى هذا يَرْجِعُ المالِكُ على الغَاصِبِ لا غيرُ. والوجهُ الثالث، أنَّ لِلْمَالِكِ تَضْمِينَ أيِّهما شَاءَ، ويَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ على الغَاصِبِ، فإن ضَمَّنَ الغَاصِبَ لم يَرْجِعْ على أحَدٍ، وإن ضَمَّنَ المُرْتَهِنَ رَجَعَ على الغَاصِبِ؛ لأنه غَرَّهُ، فرَجَعَ عليه، كالمَغْرُورِ بِحُرِّيَةِ أمَةٍ.
798 - مسألة؛ قال: (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِى الْقِيمَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإنِ اخْتَلَفَا فِى قَدْرِ الْحَقِّ، فالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ، إذَا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا قَالَ بَيِّنَةٌ)
يعنى: إذا اخْتَلَفَا فى قِيمَةِ الرَّهْنِ، إذا تَلِفَ فى الحالِ التى يَلْزَمُ المُرْتَهِنَ ضَمَانُه،
(5) فى الأصل، أ:"وقت".
(6)
فى أ، م:"يستقر".
(7)
سقط من: الأصل.
وهى إذا تَعَدَّى، أو لم يَحْرُزْ، فالقولُ قولُ المُرْتَهِنِ مع يَمِينِه؛ لأنَّه غَارِمٌ، ولأنه مُنْكِرٌ لِوُجُوبِ الزِّيَادَةِ على ما أقَرَّ به، والقولُ قولُ المُنْكِرِ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ، ولا نَعْلَمُ فيه مُخَالِفًا. وإن اخْتَلَفَا فى قَدْرِ الحَقِّ، نحوُ أن يقولَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُكَ عَبْدِى هذا بأَلْفٍ. فقال المُرْتَهِنُ: بل بَأَلْفَيْنِ. فالقولُ قولُ الرَّاهِنِ. وبهذا قال النَّخَعِىُّ، والثَّوْرِىُّ، والشَّافِعِىُّ، والْبَتِّىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحَابُ الرَّأْىِ. وحُكِىَ عن الحسنِ، وقَتادَةَ، أنَّ القولَ قولُ المُرْتَهِنِ، ما لم يُجَاوِزْ ثَمَنَ الرَّهْنِ، أو قِيمَتَه، ونحوُه قولُ مالِكٍ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أن الرَّهْنَ يكونُ بقَدْرِ الحَقِّ. ولَنا، أنَّ الرَّاهِنَ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ التى يَدَّعِيهَا المُرتَهِنُ، والقولُ قولُ المُنْكِرِ؛ لقَوْلِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"لو يُعْطَى النّاسُ بِدَعْوَاهُم، لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وأمْوَالَهُمْ، ولكِنَّ اليَمِينَ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1). ولأنَّ الأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ من هذه الأَلْفِ، فالقولُ قولُ مَن يَنْفِيها، كما لو اخْتَلَفَا فى أصْلِ الدَّيْنِ، وما ذَكَرَهُ من الظَّاهِرِ غيرُ مُسَلَّمٍ؛ فإنَّ العادَةَ رَهْنُ الشىءِ بأقَلَّ من قِيمَتِه. إذا ثَبَتَ هذا، فالقولُ قولُ الرَّاهِنِ فى قَدْرِ ما رَهَنَه به، سواءٌ اتَّفَقَا على أنَّه رَهَنَهُ بجمِيعِ الدَّيْنِ أو اخْتَلَفَا، فلو اتَّفَقَا على أن الدَّيْنَ أَلْفَانِ، وقال الرَّاهِنُ: إنَّما رَهَنْتُكَ بأحَدِ الأَلْفَيْنِ. وقال المُرْتَهِنُ: بل رَهَنْتُه بهما. فالقولُ قولُ الرَّاهِنِ مع يَمِينِه؛ لأنَّه يُنْكِرُ تَعَلُّقَ حَقِّ المُرْتَهِنِ فى أحَدِ الأَلْفَيْنِ بِعَبْدِه، والقولُ قولُ المُنْكِرِ. وإن اتَّفَقَا على أنَّه رَهْنٌ بأحَدِ الأَلْفَيْن، وقال الرَّاهِنُ: هو رَهْنٌ بالمُؤَجَّلِ. وقال المُرْتَهنُ: بل بالحالِّ. فالقولُ قولُ الرَّاهِنِ مع يَمِينِه؛ لأنَّه مُنْكِرٌ، ولأنَّ القولَ قولُه فى أَصْلِ الرَّهْنِ، فكذلكِ فى صِفِتِه، وهذا إذا لم يكُنْ بَيِّنَةٌ، فإن كان لأَحَدهِما بَيِّنَةٌ، حُكِمَ بها، بغيرِ خِلَافٍ فى جمِيعِ هذه الْمَسائِلِ.
(1) فى: باب اليمين على المدعى عليه، من كتاب الأقضية. صحيح مسلم 3/ 1336.
كما أخرجه البخارى، فى: باب {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} ، من كتاب التفسير، من سورة آل عمران. صحيح البخارى 6/ 43. والنسائى، فى: باب عظة الحاكم على اليمين، من كتاب آداب القضاة. المجتبى 8/ 218. وابن ماجه، فى: باب البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه 2/ 778.