الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كالصَّبِىِّ، والمَجْنُونِ، ولأنَّه إذا نَفَذَ تَصَرُّفُه وإقْرَارُه تَلِفَ مَالُه، ولم يُفِدْ مَنْعُه من مَالِه شَيْئًا، ولأنَّ تَصَرُّفَهُ لو كان نَافِذًا، لَسُلِّمَ إليه مَالُه، كالرَّشِيدِ، فإنه إنما يُمْنَعُ مَالَه حِفْظًا له، فإذا لم يُحْفَظْ (7) بالمَنْعِ، وَجَبَ تَسْليمُه إليه بِحُكْمِ الأصْلِ.
الفصلُ الثالثُ
، فى البُلُوغِ، ويَحْصُلُ فى حَقِّ الغُلَامِ والجَارِيَةِ بأحَدِ ثَلاثَةِ أشْياء، وفى حَقِّ الجَارِيَةِ بِشَيْئَيْنِ يَخْتَصَّانِ بها، أمَّا الثَّلَاثَةُ المُشْتَرَكَةُ بين الذَّكَرِ والأُنْثَى، فأَوَّلُها خُرُوجُ المَنِىِّ من قُبُلِه، وهو الماءُ الدَّافِقُ الذى يُخْلَقُ منه الوَلَدُ، فَكَيْفَما خَرجَ فى يَقَظَةٍ أو مَنَامٍ، بِجمَاعٍ، أو احْتِلَامٍ، أو غيرِ ذلك، حَصَلَ به البُلُوغُ. لا نَعْلَمُ فى ذلك اخْتِلافًا؛ لقَوْلِ اللهِ تعالى:{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} (8). وقولِه: {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} (9). وقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ القَلَمُ عن ثَلَاثٍ؛ عَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ". وقَوْلِه عليه السلام لِمُعاذٍ: "خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا". رَواهما أبو دَاوُدَ (10). وقال ابنُ المُنْذِرِ: وأجْمَعُوا على أنَّ الفَرَائِضَ والأحْكامَ تَجِبُ على المُحْتَلِمِ العاقِلِ، وعلى المَرأَةِ بِظُهُورِ الحَيْضِ منها. وأمَّا الإنْبَاتُ فهو أن يَنْبُتَ الشَّعْرُ الخَشِنُ حَوْلَ ذَكَرِ الرَّجُلِ، أو فَرْجِ المرْأَةِ، الَّذى اسْتَحَقَّ أخْذَه بالمُوسى، وأمَّا الزَّغَبُ الضَّعِيفُ، فلا اعْتِبَارَ به، فإنَّه يَثْبُتُ فى حَقِّ الصَّغِيرِ. وبهذا قال مَالِكٌ، والشَّافِعِىُّ فى قولٍ، وقال فى الآخَرِ: هو بُلُوغٌ فى حَقِّ المُشْرِكِينَ، وهل هو بُلُوغٌ فى حَقِّ المُسْلِمِينَ؟ فيه قَوْلَانِ. وقال أبو حنيفةَ: لا اعْتِبَارَ به؛ لأنَّه نَبَاتُ شَعْرٍ، فأشْبَه نَبَاتَ شَعْرِ سَائِرِ البَدَنِ. ولَنا، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لما حَكَّمَ سَعْدَ بنَ مُعَاذٍ فى بَنِى قُرَيْظَةَ، حَكَمَ بأنْ يُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وتُسْبَى ذَرَارِيهمْ، وأمَرَ أن يُكْشَفَ عن مُؤْتَزَرِهِمْ، فمن أنْبَتَ، فهو من المُقَاتِلَةِ،
(7) فى أ، ب، م:"يحتفظ".
(8)
سورة النور 59.
(9)
سورة النور 58.
(10)
تقدم تخريج الأول فى: 2/ 50، والثانى فى: 4/ 30.
ومن لم يُنْبِتْ، أَلْحَقُوهُ بالذُّرِّيَّةِ. وقال عَطِيَّةُ القُرَظِىُّ: عُرِضْتُ على رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ قُرَيْظَةَ، فَشَكُّوا فِىَّ، فأمَرَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أن يُنْظَرَ إلَىَّ، هل أَنْبَتُّ بَعْدُ، فنَظَرُوا إلَىَّ، فلم يَجِدُونِى أَنْبَتُّ بَعْدُ، فألْحَقُونِى بالذُّرِّيَّةِ. مُتَعَلِّقٌ (11) على مَعْنَاه (12). وكَتَبَ عمرُ، رَضِىَ اللَّه عنه، إلى عَامِلِه، أنْ لا تَأْخُذَ الجِزْيَةَ إلا من مَن جَرَتْ عليه المَوَاسِى. ورَوَى محمدُ بن يَحْيَى بن حَبَّانَ (13)، أنَّ غُلَامًا من الأنْصَارِ شَبَّبَ بِامْرَأَةٍ فى شِعْرِه، فَرُفِعَ إلى عمرَ، فلم يَجِدْهُ أنْبَتَ، فقال: لو أنْبَتَّ الشَّعْرَ لحَدَدْتُكَ. ولأنَّه خَارِجٌ يُلَازِمُه البُلُوغُ غَالِبًا، ويَسْتَوِى فيه الذَّكَرُ والأُنْثَى، فكان عَلَمًا على البُلُوغِ، كالاحْتِلامِ، ولأنَّ الخَارِجَ ضَرْبانِ، مُتَّصِلٌ، ومُنْفَصِلٌ، فلمَّا كان مِن المُنْفَصِلِ ما يَثْبُتُ به البُلُوغُ، كان كذلك المُتَّصِلُ. وما كان بُلُوغًا فى حَقِّ المُشْرِكِينَ، كان بُلُوغًا فى حَقِّ المُسْلِمِينَ، كالاحْتِلامِ، والسِّنِّ. وأمَّا السِّنُّ، فإنَّ البُلُوغَ به فى الغلَامِ والجَارِيَةِ بِخَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً. وبهذا قال الأوْزَاعِىُّ، والشَّافِعِىُّ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ. وقال دَاوُدُ: لا حَدَّ لِلْبُلُوغِ من السِّنِّ، لِقَوْلِه عليه السلام:"رُفِعَ القَلَمُ عن [ثلاثٍ، عَنِ] (14) الصَّبِىُّ حتى يَحْتَلِمَ". وإثْباتُ البُلُوغِ بِغَيْرِه يُخَالِفُ الخَبَرَ. وهذا قولُ مَالِكٍ، وقال أصْحابُه: سَبْعَ عَشرَةَ، أو ثَمَانِى عَشرَةَ. ورُوِىَ عن أبى حنيفةَ فى الغُلَامِ رِوايَتانِ. إحْداهما، سَبْعَ عَشرَةَ، والثانية، ثَمَانِ عَشرَةَ. والجَارِيَةُ سَبْعَ عَشرَةَ بِكُلِّ حالٍ؛ لأنَّ الحَدَّ لا يَثْبُتُ إلّا بِتَوْقِيفٍ، أو اتِّفَاقٍ، ولا تَوْقِيفَ فى [ما دُونَ](15) هذا، ولا اتِّفَاقَ. ولَنا، أن ابنَ
(11) فى الأصل: "متفق".
(12)
أخرجه أبو داود، فى: باب فى الغلام يصيب الحد، من كتاب الحدود 2/ 453. والترمذى، فى: باب ما جاء فى النزول على الحكم من أبواب السير. عارضة الأحوذى 7/ 82. وابن ماجه فى: باب من لا يجب عليه الحد، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه 2/ 849. والدارمى، فى: باب حد الصبى متى يقتل، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 223. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 310، 383، 5/ 311، 312.
(13)
أبو عبد اللَّه محمد بن يحيى بن حبان الأنصارى الفقيه، كان يفتى، ثقة كثير الحديث، توفى سنة إحدى وعشرين ومائة. تهذيب التهذيب 9/ 507، 508.
(14)
سقط من: الأصل.
(15)
سقط من: أ، ب، م.
عمرَ، قال: عُرِضْتُ على رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأنا ابنُ أرْبَعَ عَشرَةَ سَنَةً، فلم يُجْزِنِى فى القِتَالِ، وعُرِضْتُ عليه وأنا ابنُ خَمْسَ عَشرَةَ، فأَجَازَنِى. مُتَّفَقٌ عليه (16). وفى لَفْظٍ: عُرِضْتُ عليه يَوْمَ أُحُدٍ وأنا ابنُ أَرْبَعَ عَشرَةَ فَرَدَّنِى، ولم يرَنِى بَلَغْتُ، وعُرِضْتُ عليه عَامَ الخَنْدَقِ وأنا ابنُ خَمْسَ عَشرَةَ، فأجَازَنِى. فأُخْبِرَ بهذا عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ، فكَتَبَ إلى عُمَّالِه: أن لا تَفْرِضُوا إلَّا لِمَن بَلَغَ خَمْسَ عَشرَةَ. رَوَاهُ الشَّافِعِىُّ (17) فى "مُسْنَدِه"، ورَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ (18)، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. ورُوِىَ عن أنَسٍ، أن النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا اسْتَكْمَلَ المَوْلُودُ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً كُتِبَ مَالَهُ وَمَا عَلَيْهِ، وأُخِذَتْ مِنْهُ الحُدُودُ"(19). ولأنَّ السِّنَّ مَعْنًى يَحْصُلُ به البُلوغُ، يَشْتَرِكُ فيه الغلامُ والجارِيَةُ، فَاسْتَوَيَا فيه، كالإنْزَالِ. وما ذَكَرَهُ أصْحابُ أبى حنيفةَ، ففيما رَوَيْنَاهُ جَوَابٌ عنه، وما احْتَجَّ به دَاوُدُ لا يَمْنَعُ إنْبَاتَ البُلُوغِ بِغَيْرِ الاحْتِلامِ إذا ثَبَتَ بالدَّلِيلِ، ولهذا كان إنْبَاتُ الشَّعْرِ عَلَمًا. وأمَّا الحَيْضُ فهو عَلَمٌ على البُلُوغِ، لا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا، وقد قال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"لا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلا بِخِمَارٍ". رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ (20)، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وأمَّا الحَمْلُ فهو عَلَمٌ (21) على
(16) أخرجه البخارى، فى: باب بلوغ الصبيان وشهادتهم، من كتاب الشهادات، وفى: باب غزوة الخندق وهى الأحزاب، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 3/ 232، 5/ 137. ومسلم، فى: باب بيان سن البلوغ، من كتاب الإمارة. صحيح مسلم 3/ 1490.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى الغلام يصيب الحد، من كتاب الحدود. سنن أبى داود 2/ 453. وابن ماجه، فى: باب من لا يجب عليه الحد، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه 2/ 850. والإِمام أحمد، فى: المسند 2/ 17.
(17)
فى: أول كتاب الحج. ترتيب مسند الشافعى 2/ 127.
(18)
أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى حد بلوغ الرجل ومتى يفرض له، من أبواب الجهاد. عارضة الأحوذى 7/ 204.
(19)
أخرجه البيهقى، فى: الخلافيات، وذكره فى: باب البلوغ. بالسن، من كتاب الحجر. انظر: السنن الكبرى 6/ 57.
(20)
تقدم تخريجه فى: 2/ 283.
(21)
سقط من: أ، ب، م.