الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنَّه لو رَجَعَ عن إقْرَارِه، لم يُقْبَلْ، فلا فَائِدَةَ في اسْتِحْلَافِه. واخْتَلَفَ أصْحابُ الشَّافِعِيِّ في اسْتِحْلَافِه، على نحوِ الوَجْهَيْنِ. والصَّحِيحُ عندى أنَّه إذا أقَرَّ بالعِتْقِ لم يُسْتَحْلَفْ؛ لأنَّ ذلك جَرَى مَجْرَى قولِه: أنْتَ حُرٌّ. فلم يَحْتَجْ إلى يَمِينٍ، كما لو صَرَّحَ به. وإن أقَرَّ بالغَصْبِ والجِنَايَةِ، فإنَّه إن لم يَدَّعِ ذلك المَغْصُوبُ منه والمَجْنِيُّ عليه، لم يُلْتَفَتْ إلى قولِ الرَّاهِنِ، وَجْهًا واحِدًا، وإنِ ادَّعَيَاهُ، فاليَمِينُ عليهما؛ لأنَّ الحَقَّ لهما، ورُجُوعُهما عنه مَقْبُولٌ، فكانت اليَمينُ عليهما، كسائِرِ الدَّعَاوَى. وإن أقَرَّ بِاسْتِيلَادِ أمَتِه، فعليه اليَمِينُ، لأنَّ نَفْعَها عائِدٌ إليه من حِلِّ اسْتِمْتَاعِها، ومِلْكِ خِدْمَتِهَا، فكانتِ اليَمِينُ عليه، بِخِلافِ ما قَبْلَها. وإن قُلْنا: القولُ قولُ المُرْتَهِنِ. فعليه اليَمِينُ بكلِّ حالٍ؛ لأنَّه لو اعْتَرَفَ ثَبَتَ الحَقُّ في الرَّهْنِ، ويَمِينُهُ على نَفْىِ العِلْمِ، لأنَّها على نَفْىِ فِعْلِ الغيرِ، فإذا حَلَفَ، سَقَطَتِ الدَّعْوَى بالنِّسْبَةِ إليه، وبَقِىَ حُكْمُها في حَقِّ الرَّاهِنِ، بحيثُ لو عَادَ إليه الرَّهْنُ ظَهَرَ فيه حُكْمُ إقْرَارِه، وإن أرَادَ المَجْنِيُّ عليه، أو المَغْصُوبُ منه، أن يُغَرِّمَاهُ في الحالِ، فلهما ذلك؛ لأنَّه مَنَعَ من اسْتِيفَاءِ الجِنَايَةِ بِتَصَرُّفِه، فلَزِمَهُ أَرْشُها، كما لو قَتَلَهُ.
فصل:
ولا يَحِلُّ لِلْمُرْتَهِنِ وَطْءُ الجَارِيَةِ المَرْهُونَةِ إجْمَاعًا؛ لقولِ اللهِ تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} (3). وليست هذه زوْجَةً ولا مِلْكَ يَمِينٍ. فإن وَطِئَها، عَالِمًا بالتَّحْرِيمِ، فعليه الحَدُّ، لأنَّه لا شُبْهَةَ له فيه، فإنَّ الرَّهْنَ اسْتِيثَاقٌ بالدَّيْنِ، ولا مَدْخَلَ لذلك في إباحَةِ الوَطْءِ، لأنَّ وَطْءَ المُسْتَأْجَرَةِ يُوجِبُ الحَدَّ مع مِلْكِه لِنَفْعِها، فالرَّهْنُ أَوْلَى. فإن ادَّعَى الجَهْلَ بالتَّحْريِمِ، واحْتَمَلَ صِدْقَهُ لكَوْنِه ممَّن نَشَأَ بِبَادِيَةٍ أو حَدِيثَ عَهْدٍ بالإِسلامِ، فلا حَدَّ عليه، ووَلَدُه حُرٌّ؛ لأنَّه وَطِئَها مُعْتَقِدًا إبَاحَةَ وَطْئِها، فهو كما لو وَطِئَها يَظُنُّها أَمَتَهُ، وعليه قِيمَةُ وَلَدِها يومَ الوِلَادَةِ؛ لأنَّ اعْتِقَادَهُ الحِلَّ مَنَعَ انْخِلَاقَ الوَلَدِ رَقِيقًا، فَفَوَّتَ رِقَّ الوَلَدِ على سَيِّدِها، فلَزِمَتْهُ قِيمَتُه، كالمَغْرُورِ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ. وإن لم يَحْتَمِلْ صِدْقَه، كالناشِئِ بِبِلادِ
(3) سورة المؤمنون 6.
المسلمين (4)، مُخْتَلِطًا بهم من أهْلِ العِلْمِ، لم تُقْبَلْ دَعْوَاهُ، لأنَّه لا يَخْلُو ممَّن يَسْمَعُ منه ما يَعْلَمُ به تَحْرِيمَ ذلك، فيكونُ كمَن لم يَدَّعِ الجَهْلَ، وَوَلَدُه رَقِيقٌ لِلرَّاهِنِ؛ لأنَّه مِن زِنًا. ولا فَرْقَ في جَمِيعِ ما ذَكَرْنا بينَ أن يكونَ الوَطْءُ بإذْنِ الرَّاهِنِ، أو بغيرِ إِذْنِه. وهذا المَنْصُوصُ عن الشَّافِعِيِّ. ويَحْتَمِلُ أن لا تَجِبَ قِيمَةُ الوَلَدِ مع الإِذْنِ في الوَطْءِ. وهو قولُ بعضِ أصْحابِ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّ الإِذْنَ في الوَطْءِ إذْنٌ فيما يَحْدُثُ منه، بِدَلِيلِ أنَّه لو أَذِنَ المُرْتَهِنُ للرَّاهِنِ في الوَطْءِ، فحَمَلَتْ منه، سَقَطَ حَقُّه مِن الرَّهْنِ. ولو أَذِنَ في قَطْعِ إِصْبَعٍ، فَسَرَتْ إلى أُخْرَى، لم يَضْمَنْهَا. ووَجْهُ الأَوَّلِ أنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ يَمْنَعُ انْخِلَاقَ الوَلَدِ رَقِيقًا، وسَبَبُه اعْتِقَادُ الحِلِّ، وما حَصَلَ ذلك بِإِذْنِه، بخِلَافِ الوَطْءِ، فإنَّ خُرُوجَها مِن الرَّهْنِ بالحَمْلِ الذى الوَطْء المَأْذُون فيه سَبَبٌ له. وأمَّا المَهْرُ، فإن كان الوَطْءُ بإِذْنِ الرَّاهِنِ، فلا مَهْرَ له. وقال أبو حنيفةَ: يَجِبُ له؛ لأنَّه يَجِبُ لها ابْتِدَاءً، فلا يَسْقُطُ بإِذْنِ غيرِها. وعن الشَّافِعِيَّةِ (5) كالمَذْهَبَيْنِ. ولَنا، أنَّه أَذِنَ في سَبَبِه، وهو حَقُّه، فلم يَجِبْ، كما لو أَذِنَ في قَتْلِها، ولأنَّ المالِكَ أَذِنَ في اسْتِيفَاءِ المَنْفَعَةِ، فلم يَجِبْ عِوَضُها، كالحُرَّةِ المُطَاوِعَةِ (6). وإن كان بغير إِذْنٍ، فالمَهْرُ واجِبٌ، سواءٌ أكْرَهَها أو طَاوَعَتْهُ. وقال الشَّافِعِيُّ: لا يَجِبُ المَهْرُ مع المُطَاوَعةِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن مَهْرِ البَغِيِّ (7). ولأنَّ الحَدَّ إذا وَجَبَ على المَوْطُوءَةِ لم يَجِبِ المَهْرُ، كالحُرَّةِ. ولَنا، أنَّ المَهْرَ يَجِبُ لِلسَّيِّدِ، فلا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَةِ الأمَةِ وإِذْنِها، كما لو أَذِنَتْ في قَطْعِ يَدِها، ولأنَّه اسْتَوْفَى هذه المَنْفَعَةَ المَمْلُوكَةَ لِلسَّيِّدِ بغيرِ إذْنِه، فكان عليه عِوَضُها، كما لو أكْرَهَها، وكأَرْشِ
(4) في م: "الإِسلام".
(5)
في م: "الشافعى".
(6)
في أ، م:"والمطاوعة".
(7)
تقدم تخريجه في صفحة 353.