الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبُو الخَطَّابِ: يَحْتَمِلُ أن يَبْطُلَ خِيارُه إذا لم يَمْنَعْها؛ لأنَّ إقْرارَهُ لها على ذلك يَجْرِى مجْرَى اسْتِمْتاعِه بها. وقال أبو حنيفةَ: إن قَبَّلَتْهُ لِشَهْوَةٍ بَطَلَ خِيارُه، لأنَّه اسْتِمْتاعٌ يَخْتَصُّ المِلْكَ، فأْبطَلَ خِيارَهُ، كَقُبْلَتِه لها. ولنا: أنَّها قُبْلَةٌ لِأحَدِ المُتَعاقِدَيْنِ، فلم يَبْطُلْ خِيارُه، كما لو قَبَّلَتِ البائِعَ. ولأنَّ الخِيارَ لَهُ، لا لَها، فلو أَلْزَمْناهُ بِفِعْلِها لأَلْزَمْناهُ بغيرِ رِضاهُ، ولا دَلالَةَ عليه، وفارَقَ ما إذا قَبَّلَها؛ فإنَّه (7) وُجِدَ منه ما يَدُلُّ على الرِّضا بها. ومَتَى بَطَلَ خِيارُ المُشْتَرِى بِتَصَرُّفِه، فَخِيارُ البائِعِ باقٍ بحالِه؛ لأنَّ خِيارَهُ لا يَبْطُلُ بِرِضا غَيْرِه، إلَّا أن يَكونَ تَصَرُّفُ المُشْتَرِى بإذْنِ البَائِعِ، فإنَّه يَبْطُلُ خِيارُهما معًا؛ لوُجُودِ الرِّضا منهما (8) بِإِبْطالِه. وإن تَصَرَّفَ البائِعُ فى المَبيعِ بما يَفْتَقِرُ إلى المِلْكِ، كان فَسْخًا للْبَيْعِ، وهذا مذهبُ أبِى حنيفةَ، والشَّافِعىِّ؛ لما ذَكَرْنَاهُ فى المُشْتَرِى. ولأنَّه أحَدُ المُتَعاقِدَيْنِ، فَتَصَرُّفُه فى المَبيعِ اخْتِيارٌ له، كالمُشْتَرِى. وعن أحْمَدَ رِوايَةٌ أُخْرَى، أنَّه لا يَنْفَسِخُ البَيْعُ بذلك؛ لأنَّ المِلْكَ انتقَلَ عنه، فلم يكُنْ تَصَرُّفُه فيه اسْتِرْجاعًا له، كَمَنْ وَجَدَ مالَهُ عند مُفْلِسٍ، فَتَصرَّفَ فيه.
فصل:
ويَنْتَقِلُ المِلْكُ إلى المُشْتَرِى فى بَيْعِ الخِيارِ بِنَفْسِ العَقْدِ فى ظاهِرِ المذهبِ، ولا فَرْقَ بين كَوْنِ الخِيارِ لهما، أو لأحَدِهما، أيِّهما كان، وهذا أحَدُ أقْوالِ الشَّافِعىِّ. وعن أحمدَ: أنَّ المِلْكَ لا يَنْتَقِلُ حتى يَنْقَضِىَ الخِيارُ، وهو قَوْلُ مَالِكٍ، والقَوْلُ الثَّانِى لِلشَّافِعِىِّ، وبه قال أبُو حَنِيفَةَ إذا كان الخِيارُ لهما وللبائِعِ (9)، وإن كان لِلْمُشْتَرِى خَرَجَ عن مِلْكِ البَائِعِ، فلم يَدْخُلْ فى مِلْكِ المُشْتَرِى؛ لأنَّ البَيْعَ الذى فيه الخِيارُ عَقْدٌ قاصِرٌ، فلم يَنْقُلِ المِلْكَ، كَالهِبَةِ قبلَ القَبْضِ. والقولُ الثَّالِثُ لِلشَّافِعِىِّ: أنَّ المِلْكَ مَوْقوفٌ مُراعًى، فإن أَمْضَيَا البَيْعَ تَبَيَّنَّا أنَّ المِلْكَ لِلْمُشْتَرِى،
(7) فى م: "لأنه".
(8)
فى الأصل: "منهم".
(9)
فى م: "أو للبائع".
وإلَّا تَبَيَّنَّا أنَّه لم يَنْتَقِلْ عن البائِع. ولنا، قَوْلُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ بَاعَ عَبْدًا وله مَالٌ، فَمَالُه لِلْبَائِعِ، إلَّا أنْ يَشْتَرِطَهُ المُبْتاعُ"(10). وقَوْلُه: "من بَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهُ للبَائِعِ، إلَّا أن يَشْتَرِطَهُ المُبْتَاعُ". مُتَّفَقٌ عليه (11). فجَعَلَهُ لِلْمُبْتاعِ بمُجَرَّدِ اشْتِرَاطِه، وهو عامٌّ فى كلِّ بَيْعٍ. ولأنَّه بَيْعٌ صَحيحٌ، فَنَقَلَ المِلْكَ عَقِيبَه، كالذى لا خِيارَ له. ولأنَّ البَيْعَ تَمْلِيكٌ، بِدَليلِ قَوْلِه: مَلَّكْتُكَ. فَيَثْبُتُ به المِلْكُ، كسائِرِ البَيْعِ. يُحَقِّقُهُ أنَّ التَّمْليكَ يَدُلُّ على نَقْلِ المِلْكِ إلى المُشْتَرِى، ويَقْتَضِيهِ لَفْظُه، والشَّرْعُ قد اعْتَبَرَهُ وقَضَى بِصِحَّتِه، فيَجِبُ أن يَعْتَبِرَهُ فيما يَقْتَضيهِ ويَدُلُّ عليه لَفْظُهُ، وثُبُوتُ الخِيارِ فيه لا يُنافيهِ، كما لو باعَ عَرْضًا بِعَرْضٍ،
(10) فى م زيادة: "رواه مسلم". والحديث أخرجه البخارى، فى: باب الرجل يكون له ممر أو شرب فى حائط أو نخل، من كتاب المساقاة. صحيح البخارى 3/ 151. ومسلم، فى: باب من باع نخلا عليها ثمر، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1173. وأبو داود، فى: باب العبد يباع وله مال، من كتاب الإجارة. سنن أبى داود 2/ 240، 241. والترمذى، فى: باب ما جاء فى ابتياع النخل بعد التأبير والعبد وله مال، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 253. والنسائى، فى: باب العبد يباع ويستثنى المشترى ماله، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 261. وابن ماجه، فى: باب ما جاء فى من باع نخلا مؤبرا أو عبدا له مال، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 746. والدارمى، فى: باب فى من باع عبدا له مال، من كتاب البيوع. سنن الدارمى 2/ 253. والإمام مالك، فى: باب ما جاء فى مال المملوك، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 611. والإمام أحمد، فى: المسند 2/ 9، 78، 82، 150، 3/ 301، 310، 5/ 326.
(11)
أخرجه البخارى، فى: باب من باع نخلا قد أبرت أو أرضا مزروعة أو بإجارة، وباب بيع النخل بأصله، من كتاب البيوع، وباب الرجل يكون له ممر أو شرب فى حائط أو فى نخل، من كتاب المساقاة، وباب إذا باع نخلا قد أبرت، من كتاب الشروط. صحيح البخارى 3/ 102، 150، 151، 247. ومسلم، فى: باب من باع نخلا عليها ثمر، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1172، 1173.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى العبد يباع وله مال، من كتاب الإجارة. سنن أبى داود 2/ 240. والترمذى، فى: باب ما جاء في ابتياع النخل بعد التأبير والعبد وله مال، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 252، 253. والنسائى، فى: باب النخل يباع أصلها ويستثنى المشترى ثمرها، وباب العبد يباع ويستثنى المشترى ماله، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 260، 261. وابن ماجه، فى: باب ما جاء فى من باع نخلا مؤبرا أو عبدا له مال، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 745، 746. والإمام مالك، فى: باب ما جاء في ثمر المال يباع أصله، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 617. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 6، 9، 54، 63، 78، 82، 102، 150، 5/ 326.