الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن لم يَفْعَلْ، بِيعَتِ الأُمُّ وَوَلَدُها جميعا، وقُسِمَ الثمنُ على قَدْرِ قِيمَتِهِما، فما خَصَّ الأُمَّ فهو لِلْبَائِعِ، وما خَصَّ الوَلَدَ كان لِلْمُفْلِسِ. وإن قُلْنا إنَّ لِلْوَلَدِ حُكْمًا. وهو الصَّحِيحُ؛ لما ذَكَرْنَاهُ فيما تَقَدَّمَ، فإن كانت الأُمُّ والوَلَدُ قد زَادَا بالوَضْعِ، فحُكْمُهما حُكْمُ المَبِيعِ الزَّائِدِ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً. وإن لم يَزِيدَا، جازَ الرُّجُوعُ فيهما. وإن زَادَ أحَدُهما دون الآخَرِ، خُرِّجَ على الرِّوَايَتَيْنِ فيما إذا كان المَبِيعُ عَيْنَيْنِ فتَلِفَ بعضُ أحَدِهما، فهل يَمْنَعُ ذلك الرُّجُوعَ فى الأُخْرَى كذلك؟ يُخَرَّجُ هاهُنا وَجْهَانِ؛ أحَدُهما، أنَّه له الرُّجُوعَ فيما لم يَزِدْ، دون ما زَادَ، فيكونُ حُكْمُه كحُكْمِ الرُّجُوعِ فى الأُمِّ دونَ الوَلَدِ، على ما
فَصَّلْ
نَاهُ. الثانى، ليس له الرُّجُوعُ فى شىءٍ منهما؛ لأنَّه لم يَجِدِ المَبِيعَ إلَّا زَائِدًا، فَامْتَنَعَ عليه الرُّجُوعُ، كالعَيْنِ الواحِدَةِ. وإن كان المَبِيعُ حَيَوانًا غيرَ الأَمَةِ، فحُكْمُه حُكْمُها، إلَّا فى أنَّ التَّفْرِيقَ بينها وبين وَلَدِهَا جَائِزٌ، والأَمَةُ بِخِلَافِ ذلك.
فصل: وإن اشْتَرَى حَائِلًا، فحَمَلَتْ، ثم أَفْلَسَ وهى حَامِلٌ، فزَادَتْ قِيمَتُها به، فهى زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ، على قَوْلِ الخِرَقِىِّ، ولا تَمْنَعُه، على رِوَايَةِ المَيْمُونِىِّ، وإن أفْلَسَ بعدَ وَضْعِها، فهى زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ، فتكونُ لِلْمُفْلِسِ، على الصَّحِيحِ. ويَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ فى الأُمِّ دون وَلَدِها؛ لما فيه من التَّفْرِيقِ بينهما. وهذا أحَدُ قَوْلِى الشَّافِعىِّ. ويَحْتَمِلُ أن يَرجِعَ فى الأُمِّ، على ما ذَكَرْنَا فى التى قَبْلَها. وعلى قولِ أبى بكرٍ، الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ، فيكونُ له الرُّجُوعُ فيهما. وقال القاضى: إذا وَجَدْنَا حَامِلًا، انْبَنَى على أنَّ الحَمْلَ هل له حُكْمٌ أو لا؟ فإن قُلْنا: لا حُكْمَ له. جَرَى مَجْرَى الزِّيَادَةِ المُتَّصِلَةِ. وإن قُلْنا: له حُكْمٌ. فالوَلَدُ فى حُكْمِ المُنْفَصِلِ، يَتَرَبَّصُ به حتى تَضَعَ، ويكونُ الحُكْمُ فيه كما لو وَجَدَه بعدَ وَضْعِه. وإن كان الحَمْلُ فى غير الآدَمِيَّةِ، جازَ التَّفْرِيقُ بينهما، كما تَقَدَّمَ.
فصل: إذا كان المَبِيعُ نَخْلًا أو شَجَرًا، فأَفْلَسَ المُشْتَرِى، لم يَخْلُ من أَربَعَةِ أحْوَالٍ: أحَدِها، أن يُفْلِسَ وهى بحَالِها، لم تَزِدْ ولم تُثْمِرْ ولم يَتْلَفْ بعضُها، فله الرُّجُوعُ فيها. الثانى، أن يكونَ فيها ثَمَرٌ ظَاهِرٌ، أو طَلْعٌ مُؤَبَّرٌ، ويَشْتَرِطَه المُشْتَرِى،
فيَأْكُلَه، أو يَتَصَرَّفَ فيه، أو يَذْهَبَ بِجَائِحَةٍ، ثم يُفْلِسَ، فهذا فى حُكْمِ ما لو اشْتَرَى عَيْنَيْنِ فتَلِفَتْ إحْدَاهما، ثم أفْلَس، فهل لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فى الأُصُولِ، ويَضْرِبُ مع الغُرَمَاءِ بِحِصَّةِ التَّالِفِ من الثَّمَرِ؟ على رِوَايَتَيْنِ. وإن تَلِفَ بعضُها، فهو كتَلَفِ جَمِيعِها. وإن زَادَتْ، أو بَدَا صَلَاحُها، فهذه زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ فى إحْدَى العَيْنَيْنِ، وقد ذَكَرْنا بَيَانَ حُكْمِهَا. الحالُ الثالث، أن يَبِيعَهُ نَخْلًا قد أطْلَعَتْ ولم تُؤَبَّرْ، أو شَجَرًا فيها ثَمَرَةٌ لم تَظْهَرْ، فهذه الثَّمَرَةُ تَدْخُلُ فى البَيْعِ المُطْلَقِ، فإن أفْلَسَ بعدَ تَلَفِ الثَّمَرةِ، أو تَلَفِ بَعْضِها، أو الزِّيَادَةِ فيها، أو بُدُوِّ صَلَاحٍ، فحُكْمُ ذلك حُكْمُ تَلَفِ بعضِ المَبِيعِ وزِيَادَتِه المُتَّصِلَةِ؛ لأنَّ المَبِيعَ كان بِمَنْزِلَةِ العَيْنِ الواحِدَةِ، ولهذا دَخَلَ الثَّمَرُ فى مُطْلَقِ البَيْعِ، بِخِلَافِ التى قَبْلَهَا. الحال الرَّابع، بَاعَهُ نَخْلًا حَائِلًا فأطْلَعَتْ، أو شَجَرًا فأَثْمَرَ، فذلك على أَرْبَعَةِ أضْرُبٍ، أحَدها، أن يُفْلِسَ قبلَ تَأْبِيرِها، فالطَّلْعُ زيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، تَمْنَعُ الرُّجُوعَ، على قولِ الخِرَقِىِّ، كالسِّمَنِ والكِبَرِ. ويَحْتَمل أن يَرْجِعَ فى النَّخْلِ دُونَ الطَّلْعِ، لأنَّه يُمْكِنُ فَصْلُه، ويَصِحُّ إفْرَادُه بالبَيْعِ، فهو كالمُؤَبَّرِ، بخِلَافِ السِّمَنِ والكِبَرِ. وهذا قولُ ابنِ حَامِدٍ. وعلى رِوَايَةِ المَيْمُونِىِّ، لا يَمْنَعُ، بل يَرْجِعُ، ويكونُ الطَّلْعُ للبَائِعِ، كما لو فُسِخَ بِعَيْبٍ. وهو أحَدُ قَوْلَى الشَّافِعِىِّ. والقولُ الثانِى، يَرْجِعُ فى الأَصْلِ دون الطَّلْعِ، وكذلك عِنْدَهُم الرَّدُّ بالعَيْبِ، والأخْذُ بالشُّفْعَةِ. الضَّرْبُ الثانِى، أفْلَسَ بعدَ التَّأْبيرِ وظُهُورِ الثَّمَرَةِ، فلا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ. بغير خِلَافٍ، والطَّلْعُ لِلْمُشْتَرِى، إلَّا على قَوْلِ أبى بكرٍ. والصَّحِيحُ الأَوَّلُ، لأنَّ الثَّمَرَةَ لا تَتْبَعُ فى البَيْعِ الذى ثَبَتَ بِتَرَاضِيهِما، ففى الفَسْخِ الحاصِلِ بغير رِضَى المُشْتَرِى أوْلَى. ولو بَاعَهُ أرْضًا فَارِغَةً فزَرَعَها المُشْتَرِى، ثم أفْلَسَ، فإنَّه يَرْجِعُ فى الأرْضِ دون الزَّرْعِ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لأنَّ ذلك من فِعْلِ المُشْتَرِى. الضَّرْبُ الثالِثُ، أفْلَسَ والطَّلْعُ غيرُ مُؤَبَّرٍ، فلم يَرْجِعْ حتى أُبِّرَ، لم يكُنْ له الرُّجُوعُ، كما لو أفْلَسَ بعدَ تَأْبِيرِهَا؛ لأنَّ العَيْنَ لا تَنْتَقِلُ إلَّا بِاخْتِيَارِه لها، وهذا لم يَخْتَرْها إلَّا بعدَ تَأْبِيرِهَا. فإن ادَّعَى البَائِعُ الرُّجُوعَ قبلَ التَّأْبِيرِ، وأنْكَرَهُ المُفْلِسُ، فالقولُ قولُ المُفْلِسِ مع يَمِينِه؛ لأنَّ الأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِه، وعَدَمُ زَوَالِه. وإن قال له البَائِعُ: بِعْتُ
بعد التَّأْبِيرِ، وقال المُفْلِسُ: بل قبلَه. فالقولُ قولُ البائِعِ؛ لهذه العِلَّةِ. فإن شَهِدَ الغُرَمَاءُ لِلْمُفْلِسِ، لم تُسْمَعْ شهَادَتُهم؛ لأنَّهم يَجُرُّونَ إلى أنْفُسِهِمْ نَفْعًا. وإن شَهِدُوا لِلْبَائِعِ، وهم عُدُولٌ، قُبِلَتْ شهَادَتُهم؛ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ. الضَّرْبُ الرَّابِعُ، أفْلَسَ بعدَ أخْذِ الثَّمَرَةِ، أو ذَهَبَتْ بِجَائِحَةٍ، أو غيرِها، رَجَعَ البائِعُ فى الأَصْلِ، والثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِى، إلَّا على قولِ أبى بكرٍ. وكلُّ مَوْضِعٍ لا يَتْبَعُ الثَّمَرُ الشَّجَرَ إذا رَجَعَ البائِعُ فيه، فليس له مُطَالَبَةُ المُفْلِسِ بِقَطْعِ الثَّمرَةِ قبلَ أوَانِ الجِذَاذِ. وكذلك إذا رَجَعَ فى الأَرْضِ، وفيها زَرْعٌ لِلْمُفْلِسِ، فليس له المُطَالَبَةُ بِأخْذِه قبلَ أوَانِ الحَصَادِ؛ لأنَّ المُشْتَرِىَ زَرَعَ فى أَرْضِه بِحَقٍّ، وطَلْعُه على الشَّجَرِ بِحَقٍّ، فلم يَلْزَمْهُ أخْذُه، كما لو بَاعَ الأَصْلَ وعليه الثَّمَرَةُ أو الزَّرْعُ، وليس على صَاحِبِ الزَّرْعِ أَجْرٌ؛ لأنَّه زَرَعَ فى أَرْضِهِ زَرْعًا تَجِبُ تَبْقِيَتُه، فكأنَّه اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الأَرْضِ، فلم يكُنْ عليه ضَمَانُ ذلك. إذا ثَبَتَ هذا، فإن اتَّفَقَ المُفْلِسُ والغُرَمَاءُ على التَّبْقِيَةِ، أو القَطْعِ، فلهم ذلك، وإن اخْتَلَفُوا فطَلَبَ بعضُهم قَطْعَه، وبعضُهم تَبْقِيَتَه، نَظَرْنَا؛ فإن كان ممَّا لا قِيمَةَ له مَقْطُوعًا، أو قِيمَتُه يَسِيرَةً، لم يُقْطَعْ؛ لأن قَطْعَهُ سَفَهٌ. وتَضْيِيعٌ لِلْمَالِ، وقد نَهَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عن إضَاعَتِه (18)، وإن كانت قِيمَتُه كَثِيرَةً، ففيه وَجْهَانِ؛ أحَدُهما، يُقَدَّمُ قولُ من طَلَبَ القَطْعَ؛ لأنَّه أحْوَطُ، فإنَّ فى تَبْقِيَتِه غَرَرًا، ولأن طَالِبَ القَطْعِ إن كان المُفْلِسَ فهو يَقْصِدُ تَبْرِئَةَ ذِمَّتِه، وإن كان الغُرَمَاءَ فهم يَطْلُبُونَ تَعْجِيلَ حُقُوقِهم، وذلك حَقٌّ لهم. وهذا قولُ القاضى، وأكْثَرِ أصْحابِ الشَّافِعِىِّ. والثانى، يُنْظَرُ إلى ما فيه الحَظُّ فيعمَلُ به؛ لأنَّ ذلك أنْفَعُ لِجَمِيعِهم، والظَّاهِرُ سَلَامَتُه، ولهذا يجوزُ أن يُزْرَعَ للمُوَلَّى عليه. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّه إن كان الطَّالِبُ للِقَطْعِ الغُرَمَاءَ، وَجَبَتْ إجَابَتُهم؛ لأنَّ حُقُوقَهم حَالَّةٌ، فلا يَلْزَمُهم تَأْخِيرُها مع إمْكَانِ إيفَائِها، وإن كان الطَّالِبُ له المُفْلِسَ دُونَهم، وكان التَّأْخِيرُ أحَظَّ له،
(18) تقدم تخريجه فى صفحة 516.