الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قولِه عن ابنِ عمرَ. وقال مَالِكٌ: يجوزُ في اليَوْمَيْنِ والثَّلَاثَةِ ونَحْوِها، وإن كان عِشْرِينَ لَيْلَةً فُسِخَ البَيْعُ. وقال الشَّافِعِيُّ، وزُفَرُ: البَيْعُ فَاسِدٌ؛ لأنَّه عَلَّقَ فَسْخَ البَيْعِ على غَرَرٍ، فلم يَصِحَّ، كما لو عَلَّقَهُ بِقُدُومِ زيدٍ. ولنا، أنَّ هذا يُرْوَى عن عمرَ، رضي الله عنه، ولأنه عَلَّقَ رَفْعَ العَقْدِ بأَمْرٍ يحدُثُ في مُدَّةِ الخِيارِ، فجازَ، كما لو شَرَطَ الخِيَارَ، ولأنه نوعُ بَيْعٍ، فجازَ أَن يَنْفَسِخَ بتأخيرِ القَبْضِ، كَالصَّرْفِ، ولأنَّ هذا بِمَعْنَى شَرْطِ الخِيَارِ؛ لأنَّه كما يَحْتَاجُ إلى التَّرَوِّي في البَيْعِ، هل يُوَافِقُه أوْ لا؟ يَحْتَاجُ إلى التَّرَوِّي في الثَّمَنِ، هل يَصِيرُ مَنْقُودًا أوْ لا؟ فهما سِيَّانِ في المَعْنَى، مُتغايرانِ في الصُّورَةِ، إلَّا أنَّه في الخيارِ يَحْتَاجُ إلى الفَسْخِ، وهاهنا يَنْفَسِخُ إذا لم يَنْقُدْ؛ لأنه جَعَلَهُ كذلك.
فصل:
والعُقُودُ على أربعَةِ أضْرُبٍ (35)؛ أحدُها، عَقْدٌ لَازِمٌ، يُقْصَدُ منه العِوَضُ، وهو البَيْعُ وما في مَعْنَاه، وهو نَوْعَانِ؛ أحدُهما، يَثْبُتُ فيه الخِيارانِ: خِيَارُ المَجْلِسِ، وخِيَارُ الشَّرْطِ، وهو البَيْعُ فيما لا يُشْتَرَطُ فيه القَبْضُ في المَجْلِسِ، والصُّلْحُ بمعنى البَيْعِ، والهِبَةُ بِعِوَضٍ على إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والإجارَةُ في الذِّمَّةِ، نحو أن يقولَ: استأجرتُكَ لِتَخِيطَ لي هذا الثَّوْبَ ونحوه، فهذا يَثْبُتُ فيه الخِيَارُ، لأن الْخَبَرَ (36) وَرَدَ في البَيْعِ، وهذه (37) في معناهُ. فأمَّا الإجَارَةُ المُعَيَّنَةُ، فإن كانَتْ مُدَّتُها من حِينِ العَقْدِ، دَخَلَها خِيَارُ المَجْلِسِ دونَ خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لأن دُخُولَه يُفْضِي إلى فَوْتِ بعضِ المَنافِعِ المَعْقُودِ عليها، أو إلى اسْتِيفَائِها في مُدَّةِ الخِيَارِ، وكِلَاهُما لا يجوزُ. وهذا مذهبُ الشَّافِعِيِّ. وذَكَرَهُ القَاضِي مَرَّةً مِثْلَ هذا، ومَرَّةً قال: يَثْبُتُ فيها الخِيارانِ قِيَاسًا على البَيْعِ. وقد ذَكَرْنَا ما يَقْتَضِي الفَرْقَ بينهما. وأما الشُّفْعَةُ، فلا خِيَارَ فيها؛ لأن المُشْتَرِىَ يُؤْخَذُ منه المَبِيعُ قَهْرًا، والشَّفِيعُ
(35) ذكر المصنف ستة أضرب كما سترى.
(36)
في م: "الخيار".
(37)
في م: "وهذا".
يَسْتَقِلُّ (38) بِانْتِزاعِ المَبِيعِ من غيَرِ رِضَا صَاحِبِه، فأشْبَهَ فَسْخَ البَيْعِ بِالرَّدِّ بَالعَيْبِ، ونحوه. ويَحْتَمِلُ أن يَثْبُتَ لِلشَّفِيعِ (39) خِيَارُ المَجْلِسِ؛ لأنَّه قَبِلَ المَبِيعَ بثَمَنِه، فأشْبَهَ المُشْتَرِيَ. النوع الثاني، ما يُشْتَرَطُ فيه القَبْضُ في المَجْلِسِ، كَالصَّرْفِ، والسَّلَمِ، وبَيْعِ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِه، فلا يَدْخُلُه خِيَارُ الشَّرْطِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لأنّ مَوْضُوعَها على أن لا يَبْقَى بينَها عُلْقَةٌ بعد التَّفَرُّقِ، بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ القَبْضِ، وثُبُوتُ الخِيَارِ يُبْقِي بينهما عُلَقًا (40)، ويَثْبُتُ فيها خِيَارُ المَجْلِسِ في الصَّحِيحِ من المَذْهَبِ؛ لِعُمُومِ الخَبَرِ، ولأنَّ مَوْضُوعَهُ لِلنَّظَرِ في الحَظِّ في المُعاوَضَةِ، وهو مَوْجُودٌ فيها. وعنه لا يَثْبُتُ (41) فيها الخِيَارُ إلْحَاقًا بِخِيارِ الشَّرْطِ. الضَّرْبُ الثَّانِي، لازمٌ، لا يُقْصَدُ به العِوَضُ، كَالنِّكَاحِ والخُلْعِ. فلا يَثْبُتُ فيهما خِيَارٌ؛ لأن الخِيَارَ إنما يَثْبُتُ لِمَعْرِفَةِ الحَظِّ في كَوْنِ العِوَضِ جائِزًا، لما يَذْهَبُ من مَالِه. والعِوَضُ هاهُنا ليس هو المَقْصُودَ، وكذلك الوَقْفُ والهِبَةُ، ولأن في ثُبُوتِ الخِيارِ في النِّكَاحِ ضَرَرًا ذَكَرْناه قبلَ هذا. الضَّرْبُ الثَّالِثُ، لازِمٌ من أحَدِ طَرَفَيْهِ دُونَ الآخَرِ، كَالرَّهْنِ، لَازِمٌ في حَقِّ الرَّاهِنِ، جَائِزٌ في حَقِّ المُرْتَهِنِ، فلا يَثْبُتُ فيه خِيارٌ؛ لأنَّ المُرْتَهِنَ يَسْتَغْنِي بِالجوازِ في حَقِّه عن ثُبُوتِ خِيَارٍ آخَرَ، والرَّاهِنُ يَسْتَغْنِي بِثُبُوتِ الخِيَارِ له إلى أن يَقْبِضَ، وكذلك الضَّامِنُ والكَفِيلُ، لا خِيَارَ لهما؛ لأنَّهما دَخَلَا مُتَطَوِّعَيْنِ رَاضِيَيْنِ بالغَبْنِ، وكذلك المُكَاتَبُ. الضَّرْبُ الرَّابِعُ، عَقْدٌ جَائِزٌ من الطَّرَفَيْنِ، كَالشَّرِكَةِ، والمُضارَبَةِ، والجَعالَةِ، والوَكَالَةِ، والوَدِيعَةِ، والوَصِيَّةِ، فهذه لا يَثْبُتُ فيها خِيَارٌ، اسْتِغْنَاءً بِجَوَازِها، والتَّمَكُّنِ من فَسْخِهَا بِأَصْلِ وَضْعِهَا. الضَّرْبُ الخَامِسُ، وهو مُتَرَدِّدٌ بين الجَوازِ واللُّزُومِ، كَالمُسَاقَاةِ (42)،
(38) في م: "مستقل".
(39)
في الأصل: "للمبيع".
(40)
في م: "علقة".
(41)
في الأصل: "يجب".
(42)
في م: "كالمسافات".
والمُزَارَعَةِ، والظَّاهِرُ أنهما جائزانِ، فلا يَدْخُلُهُما خِيَارٌ. وقد قِيلَ: هما لَازِمَانِ، ففِي ثُبُوتِ الخِيَارِ فيهما وَجْهانِ، والسَّبْقِ والرَّمْي، والظَّاهِرُ أنهما جَعالَةٌ، فلا يَثْبُتُ فيهما خِيَارٌ. وقِيلَ: هما إجارَةٌ، وقد مَضَى ذِكرُها. الضَّرْبُ السَّادِسُ، لَازِمٌ يَسْتَقِلُّ به أحَدُ المُتَعَاقِدَيْنِ، كالحَوَالَةِ، والأخْذِ بِالشُّفْعَةِ، فلا خِيَارَ فيهما؛ لأنَّ مَنْ لا يُعتَبرُ رِضاهُ لا خِيَارَ له. وإذا لم يَثْبُتْ في أحَدِ طَرَفَيْهِ لم يَثْبُتْ في الآخَرِ، كسَائِرِ العُقُودِ. ويَحتَمِلُ أن يَثْبُت الخِيَارُ لِلمُحِيلِ والشَّفِيعِ؛ لأنها مُعاوَضَةٌ يُقْصَدُ فيها العِوَضُ، فَأشْبَهَتْ سائرَ البَيْعِ.