الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويَبْطُلَ خِيارُهُ. وفى خِيارِ البائِعِ رِوايَتانِ. وإن كان المَبيعُ غيرَ المَكيلِ والمَوْزُونِ، ولم يَمْنَعِ البائِعُ المُشْتَرِىَ من قَبْضِه، فظاهِرُ المذهبِ أنَّه من ضَمانِ المُشْتَرِى، ويَكونُ كتَلَفِه بعد القَبْضِ. وأمَّا إن تَلِفَ المَبِيعُ بعدَ القَبْضِ فى مُدَّةِ الخِيارِ، فهو من ضَمانِ المُشْتَرِى، ويَبْطُلُ خِيارُه. وفى خِيارِ البائِعِ رِوايَتانِ؛ إحداهما، يَبْطُلُ، وهو اخْتِيارُ الخِرَقِىِّ، وأبِى بَكْرٍ؛ لأنَّه خِيارُ فَسْخٍ، فبَطَلَ بِتَلَفِ المَبِيع، كِخِيارِ الرَّدِّ بِالعَيْبِ إذا تَلِفَ المَعيبُ. والرِّوايَةُ الثانيةُ، لا يَبْطُلُ، ولِلبائِعِ أن يَفْسَخَ ويُطالِبَ المُشْتَرِىَ بِقِيمَتِه، وهذا اختيارُ القاضى، وابنِ عَقِيلٍ؛ لِقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا". ولأنَّه خِيَارُ فَسْخٍ، فلم يَبْطُلْ بِتَلَفِ المَبِيعِ، كما لو اشْتَرَى ثَوْبًا بِثَوْبٍ، فتَلِفَ أحَدُهُما، ووَجَدَ الآخَرُ بِالثَّوْبِ عَيْبًا، فإنَّه يَرُدُّه، ويَرْجِعُ بِقِيمَةِ ثَوْبِه، كذا هاهُنا. وأمَّا إذا أعْتَقَهُ المُشْتَرِى، فإنَّ خِيَارَهُ يَبْطُلُ؛ لأنَّه أتْلَفَه، وفى بُطْلانِ خِيارِ البائِعِ رِوايَتانِ، كما لو تَلِفَ المَبيعُ. وخِيارُ المَجْلِسِ، وخِيارُ الشَّرْطِ فى هذا كُلِّه سواءٌ.
فصل:
ومَتَى تَصَرَّفَ المُشْتَرِى فى المَبيعِ فى مُدَّةِ الخِيارِ تَصَرُّفًا يَخْتَصُّ المِلْكَ، بَطَلَ خِيارُهُ، كإعْتاقِ العَبْدِ، وكِتابَتِه، وبَيْعِهِ، وهِبَتِه، وَوَطْءِ الجارِيَةِ، أو مُباشَرَتِها، أو لَمْسِها لِشَهْوَةٍ، وَوَقْفِ المَبيعِ، وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ لِحَاجَتِه، أو سَفَرٍ، أو حَمْلِه عليها، أو سُكْنَى الدَّارِ، وَرَمِّها، وحَصادِ الزَّرْعِ، وقَصْلٍ (1) منه، فما وُجِدَ من هذا فهو رِضاءٌ بِالمَبِيعِ، ويَبْطُلُ به خِيارُهُ؛ لأنَّ الخِيارَ يَبْطُلُ بِالتَّصْريحِ بِالرِّضاءِ، وبِدَلالَتِه، ولذلك يَبْطُلُ خِيارُ المُعْتَقَةِ بِتَمْكِينِها الزَّوْجَ من وَطْئِها، وقال لها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إنْ وَطِئَكِ فَلَا خِيارَ لَكِ"(2). وهذا مذهبُ أبى حنيفةَ، والشَّافِعِيِّ. فأمَّا رُكوبُ الدَّابَّةِ لِيَنْظُرَ سَيْرَها، والطَّحْنُ على الرَّحَى لِيَعْلَمَ
(1) القصل: القطع.
(2)
أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند 4/ 65، 5/ 378. والبيهقى، فى: باب ما جاء فى وقت الخيار، من كتاب النكاح. السنن الكبرى 7/ 225.
قَدْرَ طَحْنِها، وحَلْبُ الشَّاةِ لِيَعْلَمَ قَدْرَ لَبَنِها، ونَحْوُ ذلك، فليس بِرِضًا بِالبَيْعِ، ولا يَبْطُلُ خِيارُه؛ لأنَّ ذلك هو المَقْصودُ بِالخِيارِ، وهو اخْتِبارُ المَبيعِ. وذَكَرَ أبو الخَطَّابِ وَجْهًا فى أنَّ تَصَرُّفَ المُشْتَرِى لا يُبْطِلُ خِيارَهُ، ولا يَبْطُلُ إلَّا (3) بِالتَّصْرِيحِ بِالرِّضا. ولا يَصِحُّ؛ لأنَّ هذا يَتَضَمَّنُ إجازَةَ البَيْعِ، ويَدُلُّ على الرِّضا به، فَبَطَلَ به الخِيارُ كَصَريحِ القَوْلِ. ولأنَّ الصَّرِيحَ (4) إنَّمَا أبْطَلَ الخِيارَ لِدَلالَتِه على الرِّضا به، فما دَلَّ على الرِّضا به يَقُومُ مَقامَهُ، كَكِنَاياتِ الطَّلاقِ، تَقومُ مَقامَ صَريحِه. وإن عَرَضَه على البَيْعِ، أو باعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا، أو عَرَضَه على الرَّهْنِ، أو غيرِه من التَّصَرُّفاتِ، أو وَهَبَهُ، فلم يَقْبَلِ المَوْهُوبُ له، بَطَلَ خِيارُه؛ لأنَّ (5) ذلك يَدُلُّ على الرِّضا به. قال أحمدُ: إذا اشْتَرَطَ الخِيارَ، فباعَهُ قبلَ ذلك بِرِبْحٍ، فَالرِّبْحُ لِلْمُبْتاعِ؛ لأنَّه وَجَبَ عليه حِينَ عَرَضَهُ. وإن اسْتَخْدَمَ المُشْتَرِى المَبِيعَ، ففيه رِوايَتانِ؛ إحداهما، لا يَبْطُلُ خِيارُه، وقال أبو الصَّقْرِ (6): قلتُ لأحمدَ: رَجُلٌ اشْتَرَى جارِيَةً، وله الخِيارُ فيها يَوْمَيْن، فَانْطَلَقَ بها، فَغَسَلَتْ رَأْسَه، أو غَمَزَتْ رِجْلَه، أو طَحَنَتْ له، أو خَبَزَتْ، هل يَسْتَوْجِبُها بذلك؟ قال: لا، حتى يَبْلُغَ منها ما لا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ. قلتُ: فإن مَشَطَها، أو خَضَبَها، أو حَفَّها، هل يَسْتَوْجِبُها بذلك؟ قال: قد بَطَلَ خِيارُه؛ لأنَّه وَضَع يَدَهُ عليها. وذلك لأنَّ الاسْتِخْدامَ لا يَخْتَصُّ المِلْكَ، ويُرادُ لِتَجْرِبَةِ المَبيعِ، فأشْبَه رُكوبَ الدَّابَّةِ لِيَعْلَمَ سَيْرَها. ونَقَلَ حَرْبٌ، عن أحمدَ، أنَّه يَبْطُل خِيارُه؛ لأنَّه انْتِفَاعٌ بِالمَبيعِ، أشْبَه لَمْسَها لِشَهْوَةٍ. ويُمْكِنُ أن يُقالَ: ما قُصِدَ به من الاسْتِخْدامِ، تَجْرِبَةُ المَبِيع، لا يُبْطِلُ الخِيارَ، كَرُكوبِ الدَّابَّة لِيَعْلَمَ سَيْرَها، وما لا يُقْصَدُ به ذلك يُبْطِلُ الخِيَارَ، كَرُكوبِ الدَّابَّةِ لِحاجَتِه، وإن قَبَّلَتِ الجارِيَةُ المُشْتَرِىَ لم يَبْطُلْ خِيارُهُ، وهذا مذهَبُ الشَّافِعِىِّ. وقال
(3) سقط من: م.
(4)
فى م: "التصريح".
(5)
من هنا إلى نهاية قوله: "لأنه استمتاع يختص الملك فأبطل خياره" الآتى، سقط من: الأصل. نقلة نظر.
(6)
يحيى بن يزداد الوراق، وراق الإمام، عنده جزء مسائل حسان. طبقات الحنابلة 1/ 409.