الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَى غَيْرِهِ" (5).
فصل:
وإذا فُرِّقَ مالُ المُفْلِسِ، وبَقِيَتْ عليه بَقِيَّةٌ، وله صَنْعَةٌ، فهل يُجْبِرُه الحاكِمُ على إيجَارِ نَفْسِه، لِيَقْضِيَ دَيْنَه؟ على رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهما، لا يُجْبِرُه، وهو قولُ مالِكٍ، والشَّافِعيِّ؛ لقولِ اللهِ تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (6). ولما رَوَى أبو سَعِيدٍ، أن رَجُلًا أُصِيبَ في ثِمَارٍ ابْتَاعَها، وكَثُرَ دَيْنُه، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ". فتَصَدَّقُوا عليه، فلم يَبْلُغْ وَفَاءَ دَيْنِه، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، ولَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذلِكَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ (7). ولأنَّ هذا تَكَسُّبٌ لِلْمَالِ، فلم يُجْبِرْهُ عليه، كقَبُولِ الهِبَةِ والصَّدَقَةِ، وكما لا تُجْبَرُ المَرأةُ على التزوِيجِ لِتَأخُذَ المَهْرَ. والثانية، يُجْبَرُ على الكَسْبِ. وهو قولُ عمرَ بن عبد العزيزِ، وسَوَّارٍ العَنْبَرِيِّ، وإسحاقَ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَاعَ سُرَّقًا في دَيْنِه، وكان سُرَّقٌ رَجُلًا دَخَلَ المَدِينَةَ، وذَكَرَ أن وَرَاءَهُ مَالًا، فَدَايَنَهُ النّاسُ، فرَكِبَتْهُ دُيُونٌ، ولم يكُنْ وَرَاءَهُ مَالٌ، فسَمَّاهُ سُرَّقًا، وبَاعَهُ بِخَمْسَةِ أبْعِرَةٍ (8). والحُرُّ لا يُبَاعُ، ثَبَتَ أنَّه بَاعَ مَنَافِعَه. ولأنَّ المَنَافِعَ تَجْرِى مَجْرَى الأعْيَانِ، في صِحَّةِ العَقْدِ عليها وتَحْريِمِ أخْذِ الزّكَاةِ، وثُبُوتِ الغِنَى بها، فكذلك في وَفَاءِ الدَّيْنِ منها. ولأنَّ الإجَارَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فجَازَ إجْبَارُه عليها، كبَيْعِ مَالِه [في وَفَاءِ الدَّيْنِ منها](9). ولأنَّها إجَارَةٌ لما يمْلِكُ إجَارَتَه، فيُجْبَرُ عليها في وَفَاءِ دَيْنِه، كإِجَارَةِ أُمِّ وَلَدِه. ولأنه قَادِرٌ على وَفَاءِ دَيْنِه، فَلَزِمَهُ. كَمالِكِ مالٍ (10) يَقْدِرُ على الوَفَاءِ منه. فإن قِيل: حَدِيثُ سُرَّقٍ
(5) تقدم تخريحه في صفحة 417.
(6)
سورة البقرة 280.
(7)
تقدم تخريجه في صفحة 578.
(8)
أخرجه البيهقي، في: باب ما جاء في بيع الحر المفلس في دينه، من كتاب التفليس. السنن الكبرى 6/ 50. والحاكم، في: باب حكاية بيع سرق وعتقه. . .، من كتاب البيوع. المستدرك 2/ 54.
(9)
سقط من: أ، م.
(10)
في أ، م:"ما".