الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
فأمَّا اللَّبَنُ، وغيرُه من المائِعاتِ، كالأَدْهانِ من الزَّيْتِ، والشَّيْرَجِ (24)، والعسلِ، والخلِّ، والدِّبْسِ (25)، ونحوِ ذلك، فالظاهِرُ أنَّها مَكيلَةٌ. قالَ القاضى فى الأَدْهَانِ: هى مَكيلَةٌ. وفى اللَّبَنِ: يَصِحُّ السَّلَمُ فيه كَيْلًا. وقال أصحابُ الشَّافِعِىِّ: لا يُباعُ اللَّبَنُ بعضُه بِبعضٍ إلَّا كَيْلًا. وقد رُوِىَ عن أحمدَ، أنَّه سُئِلَ عن السَّلَفِ فى اللَّبَنِ؟ فقال: نعم كَيْلًا، أو وَزْنًا. وذلك لأنَّ الماءَ مُقَدَّرٌ بالصَّاعِ، ولذلك كان النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بالمُدِّ، ويَغْتَسِلُ بالصَّاعِ (26)، ويَغْتَسِلُ هو وبعضُ نِسائِهِ من الفَرَقِ. وهذه مَكاييلُ قُدِّرَ بها الماءُ، وكذلك سائرُ المائعاتِ. وَرُوِىَ عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه نَهَى عن بَيْعِ ما فى ضُروعِ الأنعامِ إلَّا بالكَيْلِ. رَوَاهُ ابن مَاجَه (27) وأمَّا غيرُ المَكيلِ، والمَوْزونِ، فما لم يَكُنْ له أصلٌ بالحِجازِ فى كَيْلٍ ولا وَزْنٍ، ولا يُشْبِهُ (28) ما جَرَى فيه العُرْفُ بذلك، كالثِّيابِ، والحيَوَانِ، والمَعْدوداتِ من الجَوزِ، والبَيْضِ، والرُّمَّانِ، والقِثَّاءِ، والخِيارِ، وسَائِرِ الخَضْراواتِ، والبُقول، والسَّفَرْجَلِ، والتُّفَّاحِ، والكُمَّثْرَى، والخَوْخِ (29)، ونحوِها، فهذه المَعْدوداتُ إذا اعْتَبَرْنا التماثُلَ فيها، فإنَّه يُعْتَبَرُ التماثُلُ فى الوَزْنِ؛ لأنَّه أَخْصَرُ. ذَكَرَهُ القاضى فى الفواكِه الرَّطْبَةِ، وهو أحَدُ الوَجْهَيْنِ لأصحابِ الشَّافِعِىِّ، والآخَرُ، قالوا: يُعْتَبَرُ ما أمْكَنَ كَيْلُه بالكَيْلِ (30)؛ لأنَّ (31) الأَصْلَ الأعْيانُ الأَرْبَعَةُ، وهى مَكِيلَةٌ، ومن شَأْنِ الفَرْعِ أن يُرَدَّ إلى أَصْلِه بِحُكْمِه، والأصْلُ حُكْمُه تَحْريمُ التَّفاضُلِ بالكَيْلِ،
(24) الشَّيْرَج: زيت السمسم.
(25)
الدِّبْس: عسل التمر.
(26)
انظر ما تقدم فى: 1/ 296، 297.
(27)
فى: باب النهى عن شراء ما فى بطون الأنعام وضروعها وضربة الغائص، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 740.
(28)
فى الأصل: "يشبهه".
(29)
سقط من: م.
(30)
سقط من: "الأصل".
(31)
فى م: "ولأن".
فكذلك يكونُ حُكْمُ فروعِها. ولنا، أنَّ الوَزْنَ أَخْصَرُ، فوَجَبَ اعْتِبارُه فى غيرِ المَكيلِ والمَوْزونِ، كالذى لا يُمْكِنُ كَيْلُه، وإنَّما اعْتُبِرَ الكَيْلُ فى المَنْصوصِ عليه؛ لأنَّهُ يُقَدَّرُ به فى العَادَةِ، وهذا بِخِلَافِه.
709 -
مسألة؛ قال: (وَالتُّمُورُ كُلُّها جِنْسٌ وَاحِدٌ (1)، وَإِنِ اخْتَلَفتْ أَنْوَاعُهَا)
الجِنْسُ: هو الشَّامِلُ لأشياءَ مُخْتَلِفَةٍ بأنواعِها. والنَّوْعُ: الشَّامِلُ لأشياءَ مُخْتَلِفَةٍ بأشخاصِها. وقد يكونُ النَّوْعُ جِنْسًا بالنِّسْبَةِ إلى ما تحته، نَوْعًا بالنِّسْبَةِ إلى ما فوقه، والمُرادُ هنا؛ الجِنْسُ الأَخَصُّ، والنَّوْعُ الأَخَصُّ. فكلُّ نَوْعَيْنِ اجتمعا فى اسْمٍ خاصٍّ، فهما جِنْسٌ، كأنواعِ التَّمْرِ، وأنواعِ الحِنْطَةِ. فالتُّمورُ كلُّها جِنْسٌ واحِدٌ؛ لأنَّ الاسْمَ الخَاصَّ يَجْمَعُها، وهو التَّمْرُ، وإن كَثُرَتْ أنواعُه، كالبَرْنِىِّ (2)، والمَعْقِلىِّ (3)، والإِبْرَاهِيمِىِّ، والخاستوىِّ (4)، وغَيْرِها. وكلُّ شَيْئَيْنِ اتَّفقا فى الجِنْسِ ثَبَتَ فيهما حُكْمُ الشَّرْعِ بتحريمِ التَّفَاضُلِ، وإن اختلفَتِ الأنواعُ؛ لقولِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"التَّمْرُ بالتَّمْرِ مِثْلًا بمِثْلٍ، [والبُرُّ بالبُرِّ مِثْلًا بِمِثْلٍ] (5) ". الحَدِيثُ بِتَمَامِه (6). فاعْتَبَرَ المُساواةَ فى جِنْسِ التَّمْرِ بالتَّمْرِ، والبُرِّ بالبُرِّ، ثم قال:"فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ"(7). وفى لَفْظٍ: ["فإِذَا اخْتَلَفَ الجِنسَانِ فَبِيعُوا كيف شِئْتُمْ". وفى لَفْظٍ](8): "إلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُه".
(1) سقط من: م.
(2)
البرنى: نوع جيد من التمر، مدور أحمر مشرب بصفرة.
(3)
فى النسخ: "العقلى" تحريف. والمعقلى نسبة إلى مَعْقِل بن يسار. انظر اللسان (ع ق ل).
(4)
لم نعرفه.
(5)
سقط من: الأصل.
(6)
تقدم تخريجه فى صفحة 54.
(7)
تقدم تخريجه فى صفحة 62.
(8)
سقط من: الأصل.