الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثَمَرَةٌ ظَاهِرَةٌ، لم تَدْخُلْ فى الرَّهْنِ، كما لا تَدْخُلُ فى البَيْعِ، وإن لم تكُنْ ظَاهِرَةً دَخَلَتْ. وقال الشَّافِعِىُّ: لا تَدْخُلُ الثَّمَرةُ فى الرَّهْنِ بحالٍ. وقال أبو حنيفةَ: تَدْخُلُ بكلِّ حالٍ؛ لأنَّ الرَّهْنَ عندَه لا يَصِحُّ على الأُصُولِ دُونَ الثَّمَرةِ، وقد قَصَدَ إلى عَقْدٍ صَحِيحٍ، فتَدْخُلُ الثَّمرَةُ ضَرُورَةَ الصِّحَّةِ. ولَنا، أن الثَّمَرَةَ المُؤَبَّرَةَ لا تَدْخُلُ فى البَيْعِ، مع قُوَّتِه، وإزَالَتِه لِمِلْكِ البائِعِ، فالرَّهْنُ مع ضَعْفِه أوْلَى، وعلى الشَّافِعِىِّ، أنَّه عَقْدٌ على الشَّجَرَةِ، فاسْتَتْبَعَ الثمَرةَ غيرَ المُؤَبَّرَةِ، كالبَيْعِ، ويَدْخُلُ فى الرَّهْنِ الصُّوفُ واللَّبَنُ المَوْجُودَانِ، كما يَدْخُلُ فى البَيْعِ، وكذلك الحمْلُ وسَائِرُ البَيْعِ فى ما بِيعَ؛ لأنَّه عَقْدٌ وارِدٌ على العَيْنِ، فدَخَلَتْ فيه هذه التَّوَابعُ، كالبَيْعِ، ولو كان الرَّهْنُ دَارًا فَخَرِبَتْ، كانت أنْقَاضُها رَهْنًا؛ لأنَّها من أجْزَائِها، ولو كانت مَرْهُونَةً قبلَ خَرَابِها، ولو رَهَنَهُ أَرْضًا، فنَبَتَ فيها شَجَرٌ، فهو من الرَّهْنِ، سواءٌ نَبَتَ بِفِعْلِ الرَّاهِنِ، أو بِفِعْلِ غيرِه؛ لأنَّه مِن نَمَائِها.
فصل:
وليس لِلرَّاهِنِ الانْتِفَاعُ بالرَّهْنِ، بِاسْتِخْدَامٍ، ولا وَطْءٍ، ولا سُكْنَى، ولا غيرِ ذلك. ولا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فيه، بإجَارَةٍ، [ولا إعَارَةٍ](2)، ولا غيرِهما، بغير رِضَى المُرْتَهِنِ. وبهذا قال الثَّوْرِىُّ، وأَصحَابُ الرَّأْى. وقال مالِكٌ، وابنُ أبى لَيْلَى، والشَّافِعِىُّ، وابنُ المُنْذِرِ: لِلرَّاهِنِ إجَارَتُه وإعَارَتُه مُدَّةً لا يَتَأخَّرُ انْقِضَاؤُها عن حُلُولِ الدَّيْنِ. وهل له أن يَسْكُنَ بِنَفْسِه؟ على اخْتِلَافٍ بينهم فيه. وإن كان الرَّهْنُ عَبْدًا، فله اسْتِيفَاءُ مَنَافِعِه بغيرِه. وهل له ذلك بِنَفْسِه؟ على الخِلَافِ. وليس له إجَارَةُ الثَّوْبِ ولا ما يَنْقُصُ بالانْتِفَاعِ. وبَنَوْهُ على أنَّ المَنَافِعَ لِلرَّاهِنِ، لا تَدْخُلُ فى الرَّهْنِ، ولا يَتَعَلَّقُ بها حَقُّهُ. وقد سَبَقَ الكلامُ فى هذا. ولأنَّها عَيْنٌ مَحْبُوسَةٌ، فلم يكُنْ لِلْمَالِكِ الانْتِفَاعُ بها، كالبَيْعِ المَحْبُوسِ عندَ البائِع على اسْتِيفَاءِ ثَمَنِه. أو نقولُ: نَوْعُ انْتِفَاعٍ، فلا يَمْلِكهُ الرَّاهِنُ، كالذى يَنْقُصُ قِيمَةَ الرَّهْنِ. إذا ثَبَتَ هذا فإنَّ المُتَرَاهِنَيْنِ إذا لم يَتَّفِقَا على الانْتِفَاعِ [بها، لم يَجُز الانْتِفَاعُ بها](3)، وكانت
(2) فى م: "أو إعارة".
(3)
سقط من: أ. نقلة نظر.
مَنَافِعُها مُعَطَّلَةً، فإن كانت دَارًا أُغْلِقَتْ، وإن كان عَبْدًا أو غيرَه تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُه حتى يُفَكَّ الرَّهْنُ. وإن اتَّفَقَا على إجَارَةِ الرَّهْنِ، أو إعَارَتِه، جازَ ذلك. هذا ظاهِرُ كَلَامِ الخِرَقِىِّ؛ لأنَّه جَعَلَ غَلَّةَ الدَّارِ وخِدْمَةَ العَبْدِ رَهْنًا، ولو عُطِّلَتْ مَنَافِعُهُما لم يَكُنْ لهما غَلَّةٌ. وقال ابنُ أبى موسى: إن أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فى إعَارَتِه، أو إِجَارَتِه، جَازَ، والأُجْرَةُ رَهْنٌ، وإن أجَرَهُ الرَّاهِنُ بإِذْنِ المُرْتَهِنِ، خَرَجَ من الرَّهْنِ، فى أحَدِ الوَجْهَيْنِ، والآخَرُ لا يَخْرُجُ، كما لو أجَرَهُ المُرْتَهِنُ. وقال أبو الخَطَّابِ، فى المُشَاعِ: يُؤجِرُه الحاكِمُ لهما. وذكر أبو بكرٍ فى الخِلَافِ، أنَّ مَنَافِعَ الرَّهْنِ تُعَطَّلُ مُطْلَقًا، ولا يُؤْجِرَاهُ. وهذا قولُ الثَّوْرِىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. وقالوا: إذا أجَرَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بإذْنِ المُرْتَهِنِ، كان إخْرَاجًا من الرَّهْنِ، لأنَّ الرَّهْنَ يَقتَضِى حَبْسَه عند المُرْتَهِنِ أو نَائِبِه على الدَّوَامِ، فمتى وُجِدَ عَقدٌ يَسْتَحِقُّ به زَوَالَ الحَبْسِ زَالَ الرَّهْنُ. ولَنا، أنَّ مَقْصُودَ الرَّهْنِ الاسْتِيثَاقُ بالدَّيْنِ، واسْتِيفَاؤُه مِن ثَمَنِه عندَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِه من ذِمَّةِ الرَّاهِنِ، وهذا لا يُنَافِى الانْتِفَاعَ به، ولا إجَارَتَه، ولا إعَارَتَه، فجازَ اجْتِمَاعُهُما، كانْتِفَاعِ المُرْتَهِنِ به، ولأنَّ تَعْطِيلَ مَنْفعَتِه تَضْييعٌ لِلْمَالِ، وقد نَهَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عن [إِضَاعَة المالِ](4)، ولأنَّه عَيْنٌ تَعَلَّقَ بها حَقُّ الوَثِيقَةِ، فلم يَمْنَعْ إِجَارَتَها، كالعَبْدِ إذا ضمِنَ بإِذْنِ سَيِّدِه، ولا نُسَلِّمُ أن مُقْتَضَى الرَّهْنِ الحَبْسُ، وإنَّما مُقْتَضَاهُ تَعَلُّقُ الحَقِّ به على وَجْهٍ تَحْصُلُ به الوَثِيقَةُ، وذلك غيرُ مُنَافٍ لِلانْتِفَاعِ به، ولو سَلَّمْنَا أنَّ مُقْتَضَاهُ الحَبْسُ، فلا يَمْنَعُ أن يكونَ المُسْتَأْجِرُ نَائِبًا عنه فى إمْسَاكِه وحَبْسِه، ومُسْتَوْفِيًا لِمَنْفَعَتِه لِنَفْسِه.
(4) فى أ: "إضاعته".
والحديث أخرجه البخارى، فى: باب لا صدقةَ إلا عن ظهر غنى. . .، من كتاب الزكاة، وفى: باب ما ينهى عن إضاعة المال. . .، من كتاب الاستقراض، وفى: باب من رد أمر السفيه. . .، من كتاب الخصومات، وفى: باب ما يكره من قيل وقال، من كتاب الرقاق. صحيح البخارى 2/ 139، 3/ 157، 159، 8/ 124. ومسلم، فى: باب النهى عن كثرة المسائل. . .، من كتاب الأقضية. صحيح مسلم 3/ 1340، 1341. والدارمى، فى: باب إن اللَّه كره لكم قيل وقال، من كتاب الرقاق. سنن الدارمى 2/ 311. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 250 - 251، 255.