الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِتَلَفِ مَالِه، وَادَّعَى أنَّ له مَالًا سِوَاهُ، لَزِمَتْهُ اليَمِينُ، فكذلك إذا قَامَتْ به البَيِّنَةُ، فإنَّها لا تَزِيدُ على الإِقْرَارِ. وإن كان الحَقُّ يَثْبُتُ عليه فى غيرِ مُقَابَلَةِ مالٍ أخَذَهُ، كأَرْشِ جِنَايَةٍ، وقِيمَةِ مُتْلَفٍ، ومَهْرٍ أو ضَمَانٍ أو كَفَالَةٍ، أو عِوَضِ خُلْعٍ، إن كان امْرَأةً، وإن لم يُعْرَفْ له مالٌ، حَلَفَ أنَّه لا مَالَ له، وخُلِّىَ سَبِيلُه، ولم يُحْبَسْ. وهذا قولُ الشَّافِعِىِّ، وابنِ المُنْذِرِ. فإن شَهِدَتِ البَيِّنَةُ بإعْسَارِه، قُبِلَتْ، ولم يُسْتَحْلَفْ معها؛ لما تَقَدَّمَ. وإن شَهِدَتْ أنَّه كان له مَالٌ، فتَلِفَ، لم يُسْتَغْنَ بذلك عن يَمينِه؛ لما ذَكَرْنَاهُ. وكذلك لو أقَرَّ له به غَرِيمُه، وإنَّما اكْتَفَيْنَا بِيَمِينِه؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ المالِ، لما رُوِىَ أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال لِحِبَّةَ وسَوَاءٍ ابْنَىْ خَالِدِ (5) بن سَوَاءٍ:"لا تَيْئَسا مِنَ الرِّزْقِ مَا اهْتَزَّتْ رُءُوسُكُما، فإنَّ ابنَ آدَمَ يُخْلَقُ ولَيْسَ لَهُ إلَّا قِشْرَتَاهُ (6)، ثُمَّ يَرْزُقُه اللهُ تَعَالَى"(7). قال ابنُ المُنْذِرِ: الحَبْسُ عُقُوبَةٌ، ولا نَعْلَمُ له ذَنْبًا يُعَاقَبُ به. والأَصْلُ عَدَمُ مَالِه، بِخِلَافِ المَسْأَلَةِ الأُولَى، فإنَّ الأصْلَ ثُبُوتُ مَالِه، فيُحْبَسُ حتى يُعْلَمَ ذَهَابُهُ. والخِرَقِىُّ لم يُفَرِّقْ بين الحَالَيْنِ، لكنه يُحْمَلُ كَلَامُهُ على ما ذَكَرْنَا، لِقِيَامِ الدَّلِيلِ على الفَرْقِ.
فصل:
إذا امْتَنَعَ المُوسِرُ من قَضَاءِ الدَّيْنِ، فلِغَرِيمِه مُلَازَمَتُهُ، ومُطَالَبَتُهُ، والإِغْلَاظُ له بالقولِ، فيقول: يا ظَالِمُ، يا مُعْتَدِى. ونحو ذلك؛ لقولِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"لَىُّ الوَاجِدِ، يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وعِرْضَهُ"(8). فَعُقُوبَتُه حَبْسُه، وعِرْضُه أى
(5) فى النسخ: "خلد". والمثبت فى سنن ابن ماجه ومسند الإمام أحمد. وانظر تهذيب التهذيب 2/ 177.
(6)
فى السنن: "وليس عليه قشر". وفى المسند: "وليس عليه قشرة".
(7)
أخرجه ابن ماجه، فى: باب التوكل واليقين. سنن ابن ماجه 2/ 194. والإمام أحمد، فى المسند 3/ 469.
(8)
أخرجه البخارى، فى: باب لصاحب الحق مقال، من كتاب الاستقراض. صحيح البخارى 3/ 155. وأبو داود، فى: باب فى الحبس بالدين وغيره، من كتاب الأقضية. سنن أبى داود 2/ 282. والنسائى، فى: باب مطل الغنى، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 278. وابن ماجه، فى: باب الحبس فى الدين والملازمة، من كتاب الصدقات. سنن ابن ماجه 2/ 811. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 388، 389.