الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن يَعْلَمَ المُشْتَرِى بالعَيْبِ. وهو قولُ الشَّافِعِيِّ. وقال إبراهيمُ، والحَكَمُ، وحَمَّادٌ: لا يَبْرَأُ إلَّا مِمَّا سَمَّى. وقال شُرَيْحٌ: لا يَبْرَأُ إلَّا مِمَّا أراهُ أو وَضَعَ (13) يَدَهُ عليه. ورُوِىَ نحوُ ذلك عن عطاءٍ، والحسنِ، وإسْحاقَ؛ لأنَّه مُرْفَقٌ في البَيْعِ، لا يَثْبُتُ إلَّا بالشَّرْطِ، فلا يَثْبُتُ مع الجَهْلِ، كالخِيارِ. والرواية الثانية: أنَّه يَبْرأُ من كلِّ عَيْبٍ لم يَعْلَمْهُ، ولا يَبْرَأُ من عَيْبٍ عَلِمَهُ. ويُرْوَى ذلك عن عثمانَ، ونحوُه عن زيدِ بنِ ثابِتٍ. وهو قولُ مالِكٍ. وقولُ الشَّافِعِيِّ في الحَيَوانِ خاصَّةً؛ لما رُوِىَ أنَّ عبدَ اللهِ ابنَ عمرَ باعَ زيدَ بنَ ثابِتٍ عَبْدًا بِشَرْطِ البَرَاءَةِ من العَيْبِ، بِثَمانِمائة دِرْهَمٍ، فأصابَ به زَيْدٌ عَيْبًا، فأرَادَ رَدَّهُ على ابنِ عمرَ، فلم يَقْبَلْهُ، فتَرَافَعا إلى عثمانَ، فقال عُثْمَانُ لابن عمرَ: تَحْلِفُ أنَّك لم تَعْلَمْ بهذا العَيْبِ؟ فقال: لا. فَرَدَّهُ عليه، فباعَه ابنُ عمرَ بألْفِ دِرْهَمٍ. وهذه قَضِيَّةٌ اشْتهرَتْ، فلم تُنْكَرْ، فكانَتْ إجْمَاعًا. ورُوِىَ عن أحمدَ أنَّه أجازَ البَرَاءَةَ من المجهُولِ، فيُخَرَّجُ من هذا صِحّةُ البَرَاءَةِ من كلِّ عَيْبٍ. ورُوِىَ هذا عن ابنِ عمرَ. وهو قولُ أصْحابِ الرَّأْى، وقولُ الشَّافِعِيِّ؛ لما رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، أنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا في مَوَارِيثَ دَرَسَتْ إلى رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال رَسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"اسْتَهِمَا، وتَوَخَّيَا، وَلْيَحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُما صَاحِبَه"(14) فدَلَّ هذا على أنَّ البَرَاءَةَ من المَجْهُولِ جائِزَةٌ، ولأنَّه إسْقَاطُ حَقٍّ لا تَسْلِيمَ فيه، فصَحَّ من المَجْهُولِ، كالعَتَاقِ والطَّلَاقِ، ولا فَرْقَ بين الحَيَوانِ وغيرِه، فما ثَبَتَ في أحَدِهِما ثَبَتَ في الآخَرِ، وقولُ عثمانَ قد خَالَفَه ابنُ عُمَرَ، وقولُ الصَّحابِيِّ المُخَالِفُ لا يَبْقَى حُجَّةً.
فصل:
فإن قُلْنا: لا يَصِحُّ شَرْطُ البَراءةِ من العُيُوبِ. فشَرْطُه لم يُفْسِدِ البَيْعَ في ظَاهِرِ المَذْهَبِ. وهو وَجْهٌ لأصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّ ابنَ عمرَ بَاعَ بِشَرْطِ البَراءَةِ، فأجْمَعُوا على صِحَّتِه، ولم يُنْكِرْه مُنْكِرٌ. فعلى هذا لا يُمْنَعُ الرَّدُّ بِوُجُودِ الشَّرْطِ،
(13) في النسخ: "واضع". ولعل الصواب ما أثبتناه.
(14)
أخرجه أبو داود، في: باب في قضاء القاضي إذا أخطأ، من كتاب الأقضية. سنن أبي داود 2/ 271. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 320.
ويكونُ وُجُودُه كعَدَمِه. وعن أحمدَ في الشُّرُوطِ الفَاسِدَةِ رِوَايَتانِ؛ إحْداهما، أنَّها تُفْسِدُ العَقْدَ، فيَدْخُلُ فيها هذا البَيْعُ؛ لأنَّ البائِعَ إنَّما رَضِىَ بهذا الثَّمَنِ عِوَضًا عنه بهذا الشَّرْطِ، فإذا فَسَدَ الشَّرْطُ فاتَ الرِّضَى به، فَيَفْسُدُ البَيْعُ؛ لِعَدَمِ التَّرَاضِى به.
751 -
مسألة؛ قال: (وَمَن بَاعَ شَيْئًا مُرَابَحَةً، فعَلِمَ أنَّهُ زَادَ (1) في رَأْسِ مَالِهِ، رَجَعَ عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ، وحَطَّهَا مِنَ الرِّبْحِ)
معنى بَيْعِ المُرَابَحَةِ، هو البَيْعُ بِرَأْسِ المالِ ورِبْحٍ مَعْلُومٍ، ويُشْتَرَطُ عِلْمُهُما بِرَأْسِ المالِ، فيقول: رأسُ مالِي فيه، أو هو عَلَيَّ بمائةٍ بِعْتُكَ بها، ورِبْحُ عشرةٍ، فهذا جائِزٌ لا خِلَافَ في صِحَّتِه، ولا نَعْلَمُ فيه عندَ أحَدٍ كَرَاهةً. وإن قال: بِعْتُكَ بِرَأْسِ مالِي فيه وهو مائة، وأرْبَحُ في كلِّ عشرةٍ درهمًا، أو قال:[ده يازده. أو ده داوزده](2). فقد كَرِهَهُ أحمدُ. وقد رُوِيَتْ كَراهَتُه عن ابنِ عمرَ، وابنِ عَبَّاسٍ، ومَسْرُوقٍ، والحسنِ، وعِكْرِمَةَ، وسَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، وعَطاءِ بنِ يَسارٍ. وقال إسْحاقُ: لا يجوزُ. لأنَّ الثمنَ مَجْهُولٌ حالَ العَقْدِ، فلم يَجُرْ، كما لو بَاعَهُ بما يَخْرُجُ به في الحِسابِ. ورَخَّصَ فيه سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ، وابنُ سِيرِينَ، وشُرَيْحٌ، والنَّخَعِيُّ، والثَّوْرِيُّ، والشَّافِعِيُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، وابنُ المُنْذِرِ. ولأنَّ رَأْسَ المالِ مَعْلُومٌ، والرِّبْحَ مَعْلُومٌ، فأشْبَهَ ما لو قال: ورِبْحُ عَشرَةِ دراهمَ. وَوَجْهُ الكَرَاهَةِ أنَّ ابنَ عمرَ وابنَ عَبَّاسٍ كَرِهَاه، ولم نَعْلَمْ لهما في الصَّحابَةِ مُخَالِفًا، ولأنَّ فيه نَوْعًا من الجَهَالةِ، والتَّحَرُّزُ عنها أولَى. وهذه كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، والبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لما ذَكَرْنا، والجَهَالَةُ يمكنُ إزَالَتُها بالحِسابِ، فلم تَضُرَّ، كما لو بَاعَهُ صُبْرَةً كلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، وأمَّا ما يَخْرُجُ به في الحِسَابِ، فمَجْهُولٌ في الجملةِ والتَّفْصِيلِ. إذا ثَبَتَ هذا عُدْنَا إلى مَسْأَلَةِ الكِتابِ، فنقول: متى بَاعَ شَيْئًا بِرَأْسِ مالِه، وربْحِ عشرةٍ،
(1) في م: "واد". تحريف.
(2)
فارسي، بمعنى ما تقدم.