الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قولُ مالِكٍ، وأبي حنيفةَ، وأحَدُ قَوْلَىِ الشَّافِعِيِّ، لأنَّ جُمْلَةَ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ، فَصَحَّ كما لو كانا لرَجُلٍ واحِدٍ، وكما لو باعا عبدًا واحِدًا لهما، أو قَفِيزَيْنِ مِن صُبْرَةٍ واحِدَةٍ. والثَّانى، لا يَصِحُّ، لأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهما مَبِيعٌ بقِسْطِه مِنَ الثَّمَنِ، وهو مَجْهُولٌ على ما قَدَّمْنا. وفارَقَ ما إذا كانا لرَجُلٍ واحِدٍ؛ فإنَّ جُمْلَةَ المَبِيعِ مُقابَلَةٌ بجُمْلَةِ الثَّمَنِ مِن غيرِ تَقْسِيطٍ، والعبدُ المُشْتَرَكُ والقَفِيزانِ، يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عليهما بالأجْزاءِ، فلا جَهالَةَ فيه.
فصل:
ومتى حَكَمْنا بالصِّحَّةِ فى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وكان المُشْتَرِى عَالِمًا بالحالِ، فلا خِيارَ له، لأنَّه دَخَلَ على بَصِيرَةٍ. وإنْ لم يَعْلَمْ، مِثْلُ أنِ اشْتَرَى عبدًا يَظُنُّه كُلَّه للبائِعِ، فبانَ أنَّه لا يَمْلِكُ إلّا نِصْفَه، أو عَبْدَيْنِ، فَتَبيَّنَ أنَّه لا يَمْلِكُ إلَّا أحَدَهما، فله الخِيارُ بَيْنَ الفَسْخِ والإِمساكِ؛ لأنَّ الصَّفْقَةَ تَبَعَّضَتْ عليه. وأمّا البائِعُ فلا خِيارَ له؛ لأنَّه رَضِىَ بزَوالِ مِلْكِه عَمَّا يجوزُ بَيْعُه بقِسْطِه. ولو وَقَعَ العَقْدُ على شَيْئَيْنِ يَفْتقِرُ إلى القَبْضِ فيهما، فتَلِفَ أحَدُهما قبلَ قَبْضِه، فقال القاضى: لِلْمُشْتَرِى الخِيارُ بينَ إمساكِ الباقى بحِصَّتِه، وبينَ الفَسْخِ، لأنَّ حُكْمَ ما قبلَ القَبْضِ، فى كَوْنِ المَبِيعِ مِن ضَمانِ البائِعِ، حُكْمُ ما قبلَ العَقْدِ، بدَلِيلِ أنَّه لو تَعَيَّبَ قبلَ قَبْضِه، لمَلَكَ المُشْتَرِى الفَسْخَ به.
768 - مسألة؛ قال: (وَيَتَّجِرُ الْوَصِيُّ بِمَالِ الْيَتِيمِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَالرِّبْحُ كُلُّه لِلْيَتِيمِ. فَإنْ أعْطَاهُ لِمَنْ يُضَارِبُ لَهُ بِهِ، فَلِلْمُضَارِبِ مِنَ الرِّبْحِ مَا وَافَقَهُ الْوَصِيُّ عَلَيْهِ)
وجُمْلَتُه، أنَّ لوَلِيِّ اليَتِيمِ أنْ يُضارِبَ بمالِه، وأنْ يَدْفَعَه إلى مَن يُضارِبُ له به، ويَجْعَلَ له نَصِيبًا مِن الرِّبْحِ، أبًا كان، أو وَصِيًّا، أو حاكِمًا، أو أمِينَ حاكِمٍ، وهو أوْلَى مِن تَرْكِه. ومِمَّن رأى ذلك ابنُ عمرَ، والنَّخَعِيُّ، والحسنُ بن صالِحٍ، ومالِكٌ، والشَّافِعِيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصحابُ الرَّأْىِ. ويُرْوَى إباحَةُ التِّجَارَةِ به (1)
(1) سقط من: الأصل.
عن عمَرَ، وعائِشَةَ، والضَّحَّاكِ (2). ولا نَعْلَمُ أحَدًا كَرِهَه، إلَّا ما رُوِىَ عن الحسنِ، ولَعَلَّه أرادَ اجْتِنابَ المُخاطَرَةِ به (3). ولأنَّ خَزْنَه أحْفَظُ له، والذى عليه الجُمْهُورُ أوْلَى؛ لِمَا رَوَى عبدُ اللهِ بن عمْرِو بن العاصِ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ وَلِىَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ لَهُ، وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ"(4). وَرُوِىَ ذلك عن عمرَ بن الخَطَّابِ (5)، رَضِىَ اللهُ عنه، وهو أصَحُّ مِن المَرْفُوعِ. ولأنَّ ذلك أحَظُّ للمُوَلَّى عليه؛ لتَكُونَ نَفَقَتُه مِن فاضِلِه ورِبْحِه، كما يَفْعَلُه البالِغُونَ (6) فى أموالِهِمْ، وأموالِ مَن يَعِزُّ عليهم مِن أولادِهم، إلَّا أَنَّه لا يَتَّجِرُ إلَّا فى المواضِعِ الآمِنَةِ، ولا يَدْفَعُه إلّا لأمِينٍ (7)، ولا يُغَرِّرُ بمالِه. وقد رُوِىَ عن عائِشَة، رَضِىَ اللهُ عنها، أَنَّها أَبْضَعَتْ مالَ محمدِ بن أبى بكرٍ فى البَحْرِ. فيَحْتَمِلُ أَنَّه كان فى مَوْضِعٍ مَأمُونٍ قَرِيبٍ مِنَ السَّاحِلِ، ويَحْتَمِلُ أَنَّها جَعَلَتْ (8) ضَمانَه عليها، إنْ هَلَكَ غَرِمَتْه. فمتى اتَّجَرَ فى المالِ بنَفْسِه، فالرِّبْحُ كُلُّه لِلْيَتِيمِ، وأجازَ الحسنُ بن صالِحٍ، وإسحاقُ، أنْ يَأْخُذَ (9) الوَصِيُّ مُضارَبَةَ لنَفْسِه؛ لأنَّه جازَ له (10) أنْ يَدْفَعَه بذلك إلى غيرِه، فجازَ أنْ يَأْخُذَ ذلك لنَفْسِه. والصَّحِيحُ ما قُلْنا؛ لأنَّ الرِّبْحَ نَماءُ مالِ اليَتِيمِ، فلا يَسْتَحِقُّه
(2) أبو القاسم الضَّحَّاك بن مزاحم الهلالى، روى عن ابن عمر، وابن عبَّاس، وأبي هريرة، وغيرهم. وقيل لم يثبت له سماع من أحد من الصَّحابة، توفى سنة ست ومائة. تهذيب التهذيب 4/ 453، 454.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى زكاة مال اليتيم، من أبواب الزكاة. عارضة الأحوذى 3/ 136. والبيهقى، فى: باب من تجب عليه الصدقة، من كتاب الزكاة. وباب تجارة الوصى بمال اليتيم أو إقراضه، من كتاب البيوع. السنن الكبرى 4/ 107، 6/ 2. والدارقطني، فى: باب وجوب الزكاة فى مال الصبى واليتيم، من كتاب الزكاة. سنن الدارقطنى 2/ 109، 110.
(5)
حديث عمر، أخرجه البيهقى، فى البابين نفسيهما. والدارقطني، فى الباب نفسه. سنن الدارقطنى 2/ 110.
(6)
فى الأصل: "البائعون".
(7)
فى م: "الأمين".
(8)
فى م: "جعلته من".
(9)
فى م: "يأخذه".
(10)
سقط من: م.