الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من المِلْحِ والماءِ؛ لأنَّ ذلك ليس بمَقْصودٍ فيه، ويُرادُ لِمَصْلَحَتِه، فهو كالمِلْحِ فى الشَّيْرَجِ. وإن يَبِسَ الخُبْزُ، فدُقَّ، وجُعِلَ فَتِيتًا، بيعَ بمِثْلِه كَيْلًا؛ لأنَّه أمْكَنَ كَيْلُه، فَرُدَّ إلى أصْلِه. وقال ابنُ عَقِيلٍ: فيه وجْهٌ آخَرُ، أنَّه يُباعُ بالوَزْنِ؛ لأنَّه انتقَلَ إليه. النَّوْعُ الثانى، ما فيه غيرُه ممَّا هو مَقصودٌ، كالهَرِيسَةِ، والخَزِيرَةِ (14)، والفَالُوذَجِ، وخُبْزِ الأبازِيرِ، والخُشْكَنَانَجِ (15)، والسَّنْبُوسَكِ (16)، ونحوِه، فلا يَجوزُ بَيْعُ بَعضِه بِبعضٍ، ولا بَيْعُ نَوْعٍ بِنَوْعٍ آخَرَ؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما يَشْتَمِلُ على ما ليس من جِنْسِه، وهو مَقْصُودٌ، كاللَّحْمِ فى الهَرِيسَةِ، والعَسَلِ فى الفَالُوذَجِ والماءِ، والدُّهْنِ فى الخَزِيرَةِ. ويَكْثُرُ التَّفاوُتُ فى ذلك، فلا يَتَحَقَّقُ التَّماثُلُ فيه. وإذا لم يُمكِنِ التَّماثُلُ فى النَّوْعِ الواحِدِ، ففى النَّوْعَيْنِ أَوْلَى.
فصل:
والحُكْمُ فى الشَّعيرِ وسائِرِ الحُبوبِ كالحُكْمِ فى الحِنْطَةِ. ويجوزُ بَيْعُ الحِنْطَةِ والمَصْنوعِ منها بغيرِها من الحُبوبِ والمَصْنوعِ منها؛ لِعَدَمِ اشْتِراطِ المُماثَلَةِ بينهما. واللهُ أعْلَمُ.
711 - مسألة؛ قال: (وسَائِرُ اللُّحْمَانِ جِنْسٌ واحِدٌ)
أرادَ جَميعَ اللَّحْمِ، وجمَعَهُ -وهو اسْمُ جِنْسٍ- لاخْتِلافِ أَنْواعِهِ. ظَاهِرُ كَلامِ الخِرَقِىِّ، أنَّ اللَّحْمَ كُلَّه جِنْسٌ واحِدٌ، وذَكَرَهُ أبو الخَطَّابِ، وابنُ عَقِيلٍ، رِوايَةً عَن أحمدَ. وهو قولُ أبِى ثَوْرٍ، وأحدُ قَوْلَىِ الشَّافِعِىِّ. وأنْكَرَ القاضى أبو يَعْلَى كَوْنَ هذا رِوايَةً عن أحمدَ، وقال: الأَنْعامُ، والوُحوشُ، والطَّيْرُ، ودَوابُّ الماءِ، أجْناسٌ يَجوزُ التَّفاضُلُ فيهِا رِوايَةً وَاحِدَةً، وإنَّما فى اللَّحْمِ رِوايَتانِ؛ إحداهُما، أنَّه أرْبَعَةُ أجْناسٍ، كما ذَكَرْنَا. وهو مذهبُ مالِكٍ، إلَّا أنَّه يَجْعَلُ الأَنْعَامَ، والوَحْشَ
(14) الخزيرة: لحم يقطَّع قطعا صغارا، ثم يطبخ بماء كثير وملح، فإذا اكتمل نضجه ذُرَّ عليه الدقيق وعصد به، ثم أُدِم بإدام ما.
(15)
الخُشكنانَج: خبزة تصنع من خالص دقيق الحنطة وتملأ بالسكر واللوز والفستق وتقلى.
(16)
السَّنبوسك: عجين معجون بالسمن يحشى باللحم المطبوخ البارد والجوز.
جِنْسًا واحِدًا، فيكونُ عنده ثَلاثَةُ أصْنافٍ. والثانيةُ، أنَّه أَجْناسٌ باخْتِلافِ أُصولِهِ، وهو قولُ أبى حنيفةَ، وأحدُ قَوْلَىِ الشَّافِعِىِّ، وهى أصَحُّ؛ لأنَّها فُروعُ أصولٍ هى أجْناسٌ، فكانت أجناسًا، كالأَدِقَّةِ، والأخْبازِ. وهذا اخْتِيارُ ابنِ عَقِيلٍ. واخْتِيَارُ القَاضِى أنَّها أَرْبَعَةُ أجْناسٍ. وحَمَلَ كَلامَ الخِرَقِىِّ عليها، واحْتَجَّ بأنَّ لَحْمَ هذه الحَيَواناتِ تَخْتَلِفُ المَنْفَعَةُ بها، والقَصْدُ إلى أَكْلِها، فكانت أجْناسًا. وهذا ضَعِيفٌ جدًّا؛ لأنَّ كَوْنَها أَجناسًا لَا يُوجِبُ حَصْرَها فى أَرْبَعَةِ أجْناسٍ، ولا نَظِيرَ لهذا، فَيُقاسُ عليه. ولا يَصِحُّ حَمْلُ كَلامِ الخِرَقِىِّ عليه؛ لِعَدَمِ احْتِمالِ لَفْظِه له، وتَصْرِيحِه فى الأَيْمَانِ بأنَّه إذا حَلَفَ لا يَأْكُلُ لَحْمًا فأكَلَ من لَحْمِ الأَنْعامِ، أو الطَّائِرِ، أو السَّمَكِ، حَنِثَ. فيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلامِه على عُمومِهِ فى أنَّ جَميعَ اللَّحْمِ جِنْسٌ؛ لأنَّه اشْتَرَكَ فى الاسْمِ الواحِدِ حالَ حُدُوثِ الرِّبَا فيه، فكان جِنْسًا واحِدًا، كالطَّلْعِ، والصَّحِيحُ أنَّه أجْناسٌ باخْتِلافِ أُصولِه. وهذا الدَّلِيلُ يَنْتَقِضُ بالتَّمْرِ الهِنْدِىِّ والتَّمْرِ البَرْنِىِّ، وعَسَلِ القَصَبِ وعَسَلِ النَّحْلِ، وغيرِ ذلك. فعلى هذا، لَحْمُ الإِبِلِ كُلُّه صِنْفٌ، بَخاتيها وعِرابِها (1)، والبقرُ عِرابُها وجَوامِيسُها صِنْفٌ، والغَنَمُ ضَأْنُها ومَعْزُها صنْفٌ. ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونا صِنْفَيْنِ؛ لأنَّ اللهَ تَعَالَى سَمَّاها فى الأَزْواجِ الثَّمانِيَةِ فقال:{ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} (2). فَفَرَّقَ بينهما، كما فَرَّق بين الإِبِلِ والبَقَرِ، فقال:{وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ} (3). والوَحْشُ أصْنافٌ؛ بَقَرها صِنْفٌ، وغَنَمُها صِنْفٌ، وظِباؤُها صِنْفٌ، وكُلُّ ما لَه اسْمٌ يَخُصُّه فهو صِنْفٌ. والطُّيُورُ أَصْنافٌ، كلُّ ما انْفَرَدَ باسْمٍ وَصِفَةٍ فهو صِنْفٌ، فيُباعُ لَحْمُ صِنْفٍ بِلَحْمِ صِنْفٍ آخَرَ، مُتَفاضِلًا ومُتَماثِلًا، ويُباعُ بِصِفَةٍ مُتماثِلًا، ومن جَعَلَها صِنْفًا واحِدًا لم يَجُزْ عنده بَيْعُ لَحْمٍ بِلَحْمٍ، إلَّا مُتَماثِلًا.
(1) البخاتى: الإبل الخراسانية. والعراب غيرها.
(2)
سورة الأنعام 143.
(3)
سورة الأنعام 144.