الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك كُسْوَتُه من جِنْسِ ما يَكْتَسِيه مِثْلُه، وكُسْوَةُ امْرَأتِه ونَفَقَتُها مثلُ ما يُفْتَرضُ على مِثْلِه. وأقلُّ ما يَكْفِيه من اللّبَاسِ قميِصٌ، وسَرَاوِيلُ، وشيءٌ يَلْبَسُه على رَأْسِه، إمَّا عِمَامَةٌ وإمَّا (3) قَلَنْسُوَةٌ أو غيرُهما، ممَّا جَرَتْ به عَادَتُه، ولِرِجْلِه حِذَاءٌ، إن كان يعْتَادُه. وإن احْتَاجَ إلى جُبَّةٍ، أو فَرْوَةٍ لِدَفْعِ البَرْدِ، دُفِعَ إليه ذلك. وإن كانت له ثِيَابٌ لا يَلْبَسُ مثله مِثْلَها، بِيعَتْ، واشْتُرِىَ له كُسْوَةٌ مثلُها، وَرُدَّ الفَضْلُ على الغُرَمَاءِ، فإن كانت إذا بِيعَتْ، واشْتُرِىَ له كُسْوَةٌ، لا يَفْضُلُ منها شىءٌ، تُرِكَتْ؛ فإنَّه لا فَائِدَةَ في بَيْعِهَا.
فصل:
وإن ماتَ المُفْلِسُ، كُفِّنَ من مَالِه؛ لأنَّ نَفَقَتَهُ كانت وَاجِبَةً من مَالِه في حال حَيَاتِه، فوَجَبَ تَجْهِيزُه منه بعدَ المَوْتِ، كغيرِه. وكذلك يَجِبُ كَفْنُ مَن يَمُونُه؛ لأنَّهم بمَنْزِلَتِه، ولا يَلْزَمُ تَكْفِينُ الزَّوْجَةِ؛ لأنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ في مُقَابَلَةِ الاسْتِمْتَاعِ، وقد فَاتَ بالمَوْتِ، فسَقَطَتِ النَّفَقَةُ. ويُفَارِقُ الأقَارِبَ؛ لأنَّ قَرَابَتَهُم بَاقِيَةٌ. وإن مَاتَ مِن عَبِيدِه أحَدٌ، وَجَبَ تَكْفِينُه وتَجْهِيزُه؛ لأنَّ نَفقتَه ليست في مُقَابَلَةِ الانْتِفَاعِ به، ولذلك تَجِبُ نَفَقَةُ الصَّغِيرِ والمَبِيعِ قبل التَّسْلِيمِ، ويُكَفَّنُ في ثَلَاثَةِ أثْوابٍ، كما كان يَلْبَسُ في حَيَاتِه ثَلَاثَةً، ويَحْتَمِلُ أن يُكَفَّنَ في ثَوْبٍ واحِدٍ يَسْتُرُهُ، لأن ذلك يَكْفِيهِ، فلا حَاجَةَ إلى الزِّيَادَةِ، وفَارَقَ حَالَةَ الحَيَاةِ؛ لأنَّه لابُدَّ له من تَغْطِيةِ رَأْسِه، وكَشْفُ ذلك يُؤْذِيه، بِخِلَافِ المَيِّتِ. ويَمْتَدُّ الإنْفَاقُ على المُفْلِسِ إلى حينِ فَرَاغِه من القِسْمَةِ بينَ الغُرَمَاءِ؛ لأنَّه لا يَزُولُ مِلْكُه إلَّا بذلك. ومذهبُ الشَّافِعِيِّ في هذا الفَصْلِ قَرِيبٌ ممَّا ذَكَرْنَا.
806 -
مسألة؛ قال: (ولا تُبَاعُ دَارُه الَّتِي لَا غِنَى لَهُ (1) عَنْ سُكْنَاهَا)
وجُمْلَتهُ أنَّ المُفْلِسَ إذا حُجِرَ عليه، بَاعَ الحاكِمُ مَالَه، ويُسْتَحَبُّ أن يَحْضُرَ
(3) في م: "أو".
(1)
سقط من: م.
المُفْلِسُ البَيْعَ، لِمَعَانٍ أرْبَعَةٍ؛ أحَدُها، لِيُحْصِيَ ثَمَنَهُ، ويَضْبِطَهُ. الثاني، أنَّه أَعْرَفُ بِثَمَنِ مَتَاعِه، وجَيِّدِه ورَدِيئِه، فإذا حَضَرَ تَكَلَّمَ عليه، وعَرَفَ الغَبْنَ من غيرِه. الثالث، أن تَكْثُرَ الرَّغْبَةُ فيه، فإنَّ شِرَاءَه من صَاحِبِه أحَبُّ إلى المُشْتَرِى. الرابع، أنَّ ذلك أطْيَبُ لِنَفْسِه، وأسْكَنُ لِقَلْبِه. ويُسْتَحَبُّ إحْضَارُ الغُرَمَاءِ أيضًا، لأمُورٍ أرْبَعَةٍ، أحَدُها، أَنَّه يُبَاعُ لهمْ. الثاني، أنَّهم رُبَّما رَغِبُوا في شِرَاءِ شىءٍ منه، فزَادُوا في ثَمَنِه، فيكونُ أصْلَحَ لهم ولِلْمُفْلِسِ. الثالث، أنَّه أطْيَبُ لِقُلُوبِهِم، وأبعَدُ من التُّهْمَةِ. الرَّابع، أَنَّه ربَّما كان فيهم من يَجِدُ عَيْنَ مَالِه، فيَأْخُذُها. فإن لم يَفْعَلْ، وبَاعَه من غير حُضُورِهِم كلِّهم، جَازَ؛ لأنَّ ذلك مَوْكُولٌ إليه، ومُفَوَّضٌ إلى اجْتِهَادِه، ورُبَّما أدَّاهُ اجْتِهَادُه إلى خِلَافِ ذلك، وبَانَتْ له المَصْلَحَةُ في المُبَادَرَةِ إلى البَيْعِ قبلَ إحْضَارِهِم. ويَأمُرُهُم الحاكِمُ أن يُقِيمُوا مُنَادِيًا يُنَادِي لهم على المَتَاعِ، فإن تَرَاضَوْا بِرَجُلٍ ثِقَةٍ، أمْضَاهُ الحاكِمُ، وإن اتَّفَقُوا على غير ثِقَةٍ رَدَّهُ. فإن قِيلَ: فلِمَ يَرُدُّه وأصْحَابُ الحَقِّ قد اتَّفَقُوا عليه، فأشْبَه ما لو اتَّفَقَ الرَّاهِنُ والمُرْتَهِنُ على أن يَبِيعَ الرَّهْنَ غيرُ ثِقَةٍ لم يَكُنْ لِلْحَاكِمِ الاعْتِرَاضُ؟ قُلْنا: لأنَّ لِلْحَاكِمِ هاهُنا نَظرًا واجْتِهَادًا؛ فإنَّه قد يَظهَر غَرِيمٌ آخَرُ، فيَتَعَلَّقُ حَقُّه به، فلهذا نَظَرَ فيه، بِخِلَافِ الرَّهْنِ، فإنَّه لا نَظَرَ لِلْحَاكِمِ فيه. فإن اخْتَارَ المُفْلِسُ رَجُلًا، واخْتَارَ الغُرَمَاءُ آخَرَ، أقَرَّ الحاكِمُ الثِّقَةَ منهما، فإن كانا ثِقَتَيْنِ، قَدَّمَ المُتَطوِّعَ منهما؛ لأنَّه أوْفَرُ، فإن كانا مُتَطَوِّعَيْنِ، ضَمَّ أحَدَهما إلى الآخَرِ، وإن كانا بِجُعْلٍ، قَدَّمَ أعْرَفَهما وأوْثَقَهما، فإن تَسَاوَيا قَدَّمَ مَن يَرَى منهما. فإن وَجَدَ مُتَطَوِّعًا بالنِّدَاءِ، وإلَّا دُفِعَتِ الأُجْرَةُ من مَالِ المُفْلِسِ؛ لأنَّ البَيْعَ حَقٌّ عليه، لِكَوْنِه طَرِيقَ وَفَاءِ دَيْنِه. وقيل: يَدْفَعُ من بَيْتِ المالِ؛ لأنَّه من المَصَالِحِ، وكذلك الحُكْمُ في أجْرِ مَن يَحْفَظُ المَتَاعَ والثَّمَنَ، وأجْرِ الحَمَّالِينَ، ونحوِهم. ويُسْتَحَبُّ بَيْعُ كل شَىءٍ في سُوقِه، البَزُّ في البَزَّازِينَ، والكُتُبُ في سُوقِها، ونحوُ ذلك؛ لأنَّه أحْوَطُ وأكْثَرُ لِطُلَّابِه، ومَعْرِفَة قِيمَتِه. فإن بَاعَ في غير سُوقِه بِثَمَنِ مِثْلِه، جَازَ؛ لأنَّ الغَرَضَ تَحْصِيلُ الثَّمَنِ، وربما أدَّى الاجْتِهَادُ إلى أنَّ ذلك أصْلَحُ، ولذلك لو قال: بِعْ ثَوْبِى في سُوقِ كذا بكذا. فبَاعَهُ بذلك
في سُوقٍ آخَرَ، جَازَ. ويَبِيعُ بِنَقْدِ البَلَدِ؛ لأنَّه أوْفَرُ. فإن كان في البَلَدِ نُقُودٌ بَاعَ بِغَالِبِها، فإن تَساوَتْ بَاعَ بِجِنْسِ الدَّيْنِ. وإن زَادَ في السِّلْعَةِ زَائِدٌ في مُدَّةِ الخِيَارِ، ألزَمَ الأمِينَ الفَسْخَ؛ لأنَّه أمْكَنَه بَيْعُه بِثَمَنٍ، فلم يَجُزْ بَيْعُه بدُونِه، كما لو زِيدَ فيه قبلَ العَقْدِ. وإن زَادَ بعدَ لُزُومِ العَقْدِ، اسْتُحِبَّ للأمِينِ سُؤَالُ المُشْتَرِى الإقَالَةَ، واسْتُحِبَّ لِلْمُشْتَرِي الإجَابَةُ إلى ذلك؛ لِتَعْلِيقِه بمَصْلَحَةِ المُفْلِسِ، وقَضَاءِ دَيْنِه، فيَبْدَأُ بِبَيْعِ العَبْدِ الجَانِي، فيَدْفَعُ إلى المَجْنِيِّ عليه أقَلَّ الأمْرَيْنِ مِن ثَمَنِه أو أرْشِ جِنَايَتِه، وما فَضَلَ منه رَدَّهُ إلى الغُرَمَاءِ، ثم يَبِيعُ الرَّهْنَ، فيَدْفَعُ إلى المُرْتَهِنِ قَدْرَ دَيْنِه، وما فَضَلَ من ثَمَنِه رَدَّهُ إلى الغُرَمَاءِ، وإن بَقِيَتْ من دَيْنِه بَقِيَّةٌ، ضَرَبَ بها مع الغُرَمَاءِ، ثم يَبِيعُ ما يُسْرِعُ إليه الفَسَادُ من الطَّعَامِ الرَّطْبِ؛ لأنَّ بَقَاءَهُ يُتْلِفُه بِيَقِينٍ، ثم يَبِيعُ الحَيَوانَ، لأنَّه مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ، ويَحْتَاجُ إلى مُؤْنَةٍ في بَقَائِه، ثم يَبِيعُ السِّلَعَ والأثَاثَ، لأنَّه يُخَافُ عليه، وتَنَالُه الأَيْدِى، ثم العَقَارَ آخِرًا؛ لأنَّه لا يُخَافُ تَلَفُه، وبَقَاؤُه أشْهَرُ له وأكْثَرُ لِطُلَّابِه. ومتى بَاعَ شَيْئًا من مَالِه، وكان الدَّيْنُ لواحِدٍ وَحْدَهُ، دَفَعَهُ إليه؛ لأنَّه لا حَاجَةَ إلى تَأْخِيرِه. وإن كان له غُرمَاءُ، فأمْكَنَ قِسْمَتُه عليهم، قَسَمَ ولم يُؤَخِّرْ، وإن لم يُمْكِنْ قِسْمَتُه، أُودِعَ عند ثِقَةٍ، إلى أن يَجْتَمِعَ، ويُمْكِنَ قِسْمَتُه فيُقْسَمُ. وإن احْتَاجَ في حِفْظِه إلى غَرَامَةٍ، دَفَعَ ذلك إلى مَن يَحفَظُه. إذا ثَبَتَ هذا عُدْنَا إلى مَسْألَة الكِتَابِ، فنقولُ: لا تُبَاعُ دَارُه التي لا غِنًى له عن سُكْنَاهَا. وبهذا قال أبو حنيفةَ وإسحاقُ. وقال شُرَيْحٌ، ومالِكٌ، والشَّافِعِيُّ: تُبَاعُ، ويَكْتَرِى له بَدَلَها. واخْتَارَهُ ابنُ المُنْذِرِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال في الذي أُصِيبَ في ثِمَارٍ ابْتَاعَها، فكَثُرَ دَيْنُه، فقال لِغُرَمَائِه:"خُذُوا ما وَجَدْتُمْ"(2). وهذا مما وَجَدُوهُ، ولأنَّه عَيْنُ
(2) أخرجه مسلم، في: باب استحباب الوضع من الدين، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1191. وأبو داود، في: باب وضع الجائحة، من كتاب البيوع 2/ 248. والنسائي، في: باب وضع الجوائح، و: باب الرجل يبتاع البيع فيفلس. . .، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 233، 275. وابن ماجه، في: باب تفليس المعدم والبيع عليه لغرمائه، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه 2/ 789. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 36.