الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
وإذا جَمَعَ بين عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَىِ القِيمَةِ بِعِوَضٍ واحِدٍ، كالصَّرْفِ، وبَيْعِ ما يَجُوزُ التَّفَرُّقُ فيه قبلَ القَبْضِ، والبَيْعِ، والنِّكاحِ، أو الإِجارَةِ. نحوَ أن يقولَ: بِعْتُكَ هذا الدِّينارَ، وهذا الثَّوْبَ، بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا. أو بِعْتُكَ هذه الدَّارَ، وأجَرْتُكَ الأُخْرَى بألْفٍ. أو باعَه سَيْفًا مُحَلًّى بالذَّهَبِ بِفِضَّةٍ. أو زَوَّجْتُكَ ابْنَتى وبِعْتُكَ عَبْدَها بألْفٍ. صَحَّ العَقْدُ فيهما؛ لأنَّهما عَيْنان يجوزُ أخْذُ العِوَضِ عن كلِّ واحِدَةٍ منهما مُنْفَرِدَةً، فجازَ أخْذُ العِوَضِ عنهما مُجتَمِعَتَيْنِ، كالعَبْدَيْنِ. وهذا أحَدُ قَوْلَىِ الشَّافِعِىُّ. وقال أبو الخَطَّابِ: فى ذلك وَجْهٌ آخَرُ، أنَّه لا يَصِحُّ. وهو القولُ الثانى لِلشَّافِعِيِّ؛ لأنَّ حُكْمَهُما مُخْتَلِفٌ، فإنَّ المَبِيعَ يُضْمَنُ بمُجَرَّدِ البَيْعِ، والإِجارَةُ بِخِلافِه. والأوَّلُ أصَحُّ. وما ذَكَرُوه يَبْطُلُ بما إذا باعَ شِقْصًا وَسَيْفًا، فإنَّه يَصِحُّ مع اخْتِلافِ حُكْمِهِما بِوُجُوبِ الشُّفعَةِ فى أحَدِهِما دونَ الآخَرِ، فأمَّا إن جَمَعَ بين الكِتابَةِ والبَيْعِ، فقال: كاتَبْتُكَ وبِعْتُكَ عَبْدِى هذا بألْفٍ، فى (8) كلِّ شَهْرٍ مائةٌ. لم يَصِحَّ؛ لأنَّ المُكاتَبَ قبلَ تَمامِ الكِتابَةِ عَبْدٌ قِنٌّ، فلا يَصِحُّ أن يَشْتَرِىَ من سَيِّدِه شَيْئًا، ولا يَثْبُتُ لِسَيِّدهِ فى ذِمَّتِه ثَمَنٌ. وإذا بَطَلَ البَيْعُ، فهل يَصِحُّ فى الكِتابَةِ بِقسْطِها؟ فيه رِوايَتانِ، نَذْكُرُهما فى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وسَوَّى أبو الخَطَّابِ بين هذه الصُّوَرِ وبين الصُّوَرِ التى قَبْلَها، فقال: فى الكلِّ وَجْهانِ. والذى ذَكرناه إن شاءَ اللَّه تَعالَى أوْلَى.
فصل: فى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. ومَعْناه أن يَبِيعَ ما يَجُوزُ بَيْعُه، وما لا يَجُوزُ، صَفْقَةً واحِدَةً، بِثَمَنٍ واحِدٍ. وهو على ثَلاثةِ أقْسامٍ؛ أحَدِها، أن يَبِيعَ مَعْلُومًا ومَجْهُولًا، كقولِه: بِعْتُكَ هذه الفَرَسَ، وما فى بَطنِ هذه الفَرَسِ الأُخْرَى بألْفٍ. فهذا البَيْعُ باطِلٌ بكلِّ حالٍ، ولا أعْلَمُ فى بُطْلانِه خِلافًا، لأنَّ المَجْهُولَ لا يَصِحُّ بَيْعُه لِجَهالَتِه، والمَعْلُومَ مَجْهُولُ الثَّمَنِ، ولا سَبِيلَ إلى مَعْرِفَتِه؛ لأنَّ مَعْرِفَتَه إنَّما تكونُ بِتَقْسِيطِ الثَّمَنِ عليهما، والمَجْهُولُ لا يمكنُ تَقْوِيمُه، فيَتَعَذَّرُ التَّقْسِيطُ.
(8) سقط من: م.
الثانى، أن يكونَ المَبِيعانِ ممَّا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عليهما بالأجْزاءِ، كعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بينه وبين غيرِه، باعَه كلَّه بغيرِ إذْنِ شَرِيكِه، وكقَفِيزَيْنِ من صُبْرَةٍ واحِدَةٍ باعَهُما من لا يَمْلِكُ إلَّا بَعْضَهُما، ففيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، يَصِحُّ فى مِلْكِه بِقسْطِهِ من الثَّمَنِ، ويَفْسُدُ فيما لا يَمْلِكُه. والثانى، لا يَصِحُّ فيهما. وأصْلُ الوَجْهَيْنِ، أنَّ أحمدَ نَصَّ فى مَن تَزَوَّجَ حُرَّةً، وأمَةً، على رِوايَتَيْنِ؛ إحْداهُما، يَفْسُدُ فيهما. والثانية، يَصِحُّ فى الحُرَّةِ. والأوْلَى أَنَّه يَصِحُّ فيما يَمْلِكُه، وهو قولُ مالِكٍ وأبي حنيفةَ، وهو أحَدُ قَوْلَىِ الشَّافِعِيِّ، وقال فى الآخَرِ: لا يَصِحُّ. وهو قولُ أبي ثَوْرٍ؛ لأنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ حَلالًا وحَرامًا، فغَلَبَ التَّحْريمُ، ولأنَّ الصَّفْقَةَ إذا لم يُمْكِنْ تَصْحِيحُها فى جَمِيعِ المَعْقُودِ عليه، بَطَلَتْ فى الكُلِّ، كالجَمْعِ بين الأُخْتَيْنِ، وبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ. ولَنا، أنَّ كلَّ واحِدٍ منهما له حُكْمٌ لو كان مُنْفَرِدًا، فإذا جَمَعَ بينهما ثَبَتَ لكلِّ واحِدٍ منهما حُكْمُه، كما لو باعَ شِقْصًا وسَيْفًا. ولأنَّ ما يجوزُ له بَيْعُه قد صَدَرَ فيه البَيْعُ من أهْلِه فى مَحلِّه بِشَرْطِه، فصَحَّ، كما لو انْفَرَدَ. ولأنَّ البَيْعَ سَبَبٌ اقْتَضَى الحُكْمَ فى مَحلَّيْن، وامْتَنَعَ حُكْمُه فى أحَدِ المَحلَّيْنِ؛ لِثُبُوتِه عن قَبُولِه، فيَصِحُّ فى الآخَرِ، كما لو أوْصَى بشىءٍ لآدَمِىٍّ وبَهِيمَةٍ، وأمَّا الدِّرْهَمانِ والأُخْتانِ، فليس واحدٌ منهما أوْلَى بالفَسادِ من الآخَرِ، فلذلك فَسَدَ فيهما، وهاهُنا بِخِلافِهِ. القسم الثالثِ، أن يكون المَبِيعانِ مَعْلُومَيْنِ، ممَّا لا يَنْقَسِمُ عليهما الثَّمَنُ بالأجْزاءِ، كَعَبْدٍ وحُرٍّ، وخَلٍّ وخَمْرٍ، [وعَبْدِه](9) وعَبْدِ غيرِه وعَبْدٍ حاضِرٍ وآبِقٍ، فهذا يَبْطُلُ البَيْعُ فيما لا يَصِحُّ بَيْعُه، وفى الآخَرِ رِوايَتانِ. نَقَلَ صالِحٌ عن أبِيهِ فى مَنِ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ، فوَجَدَ أحَدَهما حُرًّا، رَجَعَ بقِيمَتِه من الثَّمَنِ. ونَقَلَ عنه مُهَنَّا فى مَن تَزَوَّجَ امْرَأةً على عَبْدَيْنِ، فوَجَدَ أحَدَهما حُرًّا، فلها قِيمَةُ العَبْدَيْنِ، فأَبْطَلَ الصَّداقَ فيهما جَمِيعًا. وللشَّافِعِيِّ قَوْلانِ، كالرِّوايَتَيْنِ. وأَبْطَلَ مالِكٌ العَقْدَ فيهما، إلَّا أن يَبِيعَ مِلْكَه، ومِلْكَ غيرِه، فيَصِحَّ فى مِلْكِه، ويَقِفَ فى مِلْكِ غيرِه على الإِجازَةِ. ونحوُه قولُ أبي حَنِيفَة؛ فإنَّه قال: إن كان أَحَدُهما لا يَصِحُّ بَيْعُه بِنَصٍّ، أو إجْماعٍ، كالحُرِّ والخَمْرِ، لم يَصِحَّ العَقْدُ
(9) تكملة يصح بها السياق.