الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فى أيَّامٍ، فإذا فَسَدَ فى بَعْضِه، فَسَدَ جَمِيعُه، كما لو شَرَطَ فى (26) الحَصَادِ.
فصل:
ويَجوزُ لِمَنْ له الخِيارُ الفَسْخُ من غيرِ حُضُورِ صَاحِبِه ولا رِضَاه. وبهذا قال مَالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وأبو يوسفَ، وزُفَرُ. وقال أبو حنيفةَ: ليس له الفَسْخُ إلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِه؛ لأنّ العَقْدَ تَعَلَّقَ به حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ من المُتَعاقِدَيْنِ، فلم يَمْلِكْ أحَدُهما فَسْخَه بغَيرِ حُضُورِ صَاحِبِه، كالوَدِيعَةِ. ولنا، أنَّه رَفْعُ عَقْدٍ لا يَفْتَقِرُ إلى رِضَا صَاحِبِه، فلم يَفْتَقِرْ إلى حُضُورِهِ، كالطَّلاقِ. وما قَالُوهُ يَنْتَقِضُ بِالطَّلاقِ، والوَدِيعَةُ لا حَقَّ لِلمُودِعِ فيها، ويَصِحُّ فَسْخُها مع غَيْبَتِه.
فصل: وإذا انْقَضَتْ مُدَّةُ الخِيَارِ، ولم يَفْسَخْ أحَدُهُمَا، بَطَلَ الخِيَارُ، ولَزِمَ العَقْدُ. وهذا قَوْلُ أبِى حنيفةَ، والشَّافِعِىِّ. وقال القاضى: لا يَلْزَمُ بِمُضِىِّ المُدَّةِ. وهو قولُ مَالِكٍ؛ لأنّ مُدَّةَ الخِيَارِ ضُرِبَتْ لِحَقٍّ له، لا لِحَقٍّ عليه، فلم يَلْزَمِ الحُكْمُ بِنَفْسِ مُرُورِ الزَّمَانِ، كمُضِىِّ الأجَلِ فى حَقِّ المَوْلَى. ولنا، أنها مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالعَقْدِ، فبَطَلَتْ بِانْقِضَائِها كالأَجَلِ. ولأنّ الحُكْمَ بِبَقائِها يُفْضِى إلى بَقاءِ الخِيارِ فى غيرِ المُدَّةِ التى شَرَطَاهُ فيها. والشَّرْطُ سَبَبُ الخِيَارِ، فلا يجوزُ أن يَثْبُتَ به ما لم يتناوَلْه، ولأنَّه حُكْمٌ مُؤَقَّتٌ، ففاتَ بِفَواتِ وَقْتِه، كسائِرِ المُؤَقَّتاتِ، ولأنَّ البَيْعَ يَقْتَضِى اللُّزُومَ، وإنَّما تخلَّفَ (27) مُوجِبُه بِالشَّرْطِ، فَفِيمَا لم يتناوَلْهُ الشَّرْطُ يَجِبُ أن يَثبُتَ مُوجِبُه؛ لِزَوَالِ المُعارِضِ، كما لو أمْضاهُ (28). وأما المَوْلَى، فإنّ المُدَّةَ إنَّما ضُرِبَتْ لِاسْتِحْقَاقِ المُطَالَبَةِ، وهى تُسْتَحَقُّ بِمُضِىِّ المُدَّةِ. والحُكْمُ فى هذه المسألَةِ ظاهِرٌ.
فصل: فإنْ قالَ أحَدُ المُتَعاقِدَيْنِ عندَ العَقْدِ: لا خِلَابَةَ (29). فقال أحمدُ: أرَى
(26) فى م: "إلى".
(27)
فى م: "يخلف".
(28)
فى م: "أمضوه".
(29)
الخلابة: المخادعة.
ذلك جائِزًا، وله الخِيارُ إن كان خَلَبَهُ، وإن لم يَكُنْ خَلَبَهُ فلَيْسَ له خِيَارٌ. وذلك لأن رَجُلًا ذَكَرَ لِلنبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه يُخْدَعُ في البُيُوعِ، فقال:"إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ". مُتَّفَقٌ عليه (30). ولِمُسْلِمٍ: "مَنْ بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ". فكان إذا بَايَعَ يقولُ: لا خِلَابَةَ. ويَحْتَمِلُ أن لا يكونَ له خِيارٌ (31). ويكونُ هذا الخَبَرُ خَاصًّا لِحَبَّانَ؛ لأنه رُوِيَ أنه عَاشَ إلى زَمَنِ عُثْمَانَ، رضي الله عنه، فكان يُبَايِعُ النّاسَ، ثم يُخَاصِمُهمْ، فيَمُرُّ بهم بعضُ الصَّحابَةِ، فيقولُ لِمن يُخاصِمُه: وَيْحَكَ، إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ له الخِيارَ ثَلاثًا (32). وهذا يَدُلُّ على اخْتِصَاصِه بهذا؛ لأنه لو كان لِلنّاسِ عَامَّةً لقال لِمن يُخَاصِمُه: إن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الخِيارَ لمن قال: لا خِلَابَةَ. وقال بعضُ أصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إن كانا عَالِمَيْنِ أنَّ ذلك عِبارَةٌ عن خِيَارِ الثَّلاثِ، ثَبَتَ، وإن عَلِمَ أحَدُهما دونَ الآخَرِ، فعلى وَجْهَيْنِ؛ لأنه رُوِيَ أنَّ حَبَّانَ بن مُنْقِذ بن عمْرو، كان لا يزالُ يُغْبَنُ، فأتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فذَكَرَ ذلك له، فقال له:"إذَا أنْتَ بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ، ثُمَّ أنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَإِنْ رَضِيتَ أمْسَكْتَ، وإنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْهَا عَلَى صَاحِبِهَا"(32). وما ثَبَتَ في حَقِّ وَاحِدٍ من الصَّحَابَةِ يَثْبُتُ في حَقِّ سَائِرِ النَّاسِ، ما لم يَقُمْ على تَخْصِيصِه دَلِيلٌ.
(30) أخرجه البخاري، في: باب ما يكره من الخداع في البيع، من كتاب البيوع، وفي: باب ما ينهى عن إضاعة المال. . .، من كتاب الاستقراض، وفي: باب من رد أمر السفيه والضعيف العقل وإن لم يكن حجر عليه الإمام. . .، من كتاب الخصومات، وفي: باب ما ينهى من الخداع في البيع، من كتاب الحيل. صحيح البخاري 3/ 85، 86، 157، 159، 9/ 31. ومسلم، في: باب من يخدع في البيع، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1165.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الرجل يقول عند البيع لا خلابة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 253. والترمذى، في: باب ما جاء في من يخدع في البيع، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي 5/ 257. والنسائي، في: باب الخديعة في البيع، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 222. وابن ماجه، في: باب الحجر على من يفسد ماله، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه 2/ 788. والإمام مالك، في: باب جامع البيوع، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 685. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 72، 80، 129، 130.
(31)
في م: "الخيار".
(32)
تقدم تخريج حديثه في صفحة 38.