الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به القَبْضُ؛ بِدَلِيلِ أنَّ المُرادَ به ذلك فى الذَّهَبِ والفِضَّةِ؛ ولهذا فَسَّرَهُ عُمَرُ به، ولأنَّهما مَالانِ من أمْوالِ الرِّبا عِلَّتُهُما واحِدَةٌ، فَحَرُمَ التَّفَرُّقُ فيهما قبلَ القَبْضِ كالذَّهَبِ بالفِضَّةِ. فأمَّا إنِ اخْتَلَفَتْ عِلَّتُهما، كالمَكِيلِ بالمَوْزونِ عند مَنْ يُعَلِّلُ بهما، فقال أبُو الخَطَّابِ: يَجُوزُ التَّفَرُّقُ فيهما قبل القَبْضِ رِوايةً واحِدَةً؛ لأنَّ عِلَّتَهُما مُخْتَلِفَةٌ، فَجازَ التَّفَرُّقُ قبل القَبْضِ، كالثَّمَنِ بالمُثَمَّنِ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ، إلَّا أنَّه لا يُتَصَوَّرُ عنده ذلك إلَّا فى بَيْعِ الأَثْمَانِ بِغَيْرِها، ويَحْتَمِلُ كلامُ الخِرَقِىِّ وجوبَ التَّقَابُضِ على كلِّ حالٍ؛ لِقَوْلِه:"يَدًا بِيَدٍ"(40).
706 - مسألة؛ قال: (وَمَا كَانَ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَجَائِزٌ التَّفَاضُلُ فِيه يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً)
اخْتَلَفَتِ الرِّوايةُ فى تَحْرِيمِ النَّساءِ فى غيرِ المَكِيلِ والمَوْزُونِ، على أَرْبَعِ رِواياتٍ؛ إحْدَاهُنَّ، لا يَحْرُمُ النَّساءُ فى شىءٍ من ذلك، سواءٌ بِيعَ بِجِنْسِه أو بِغَيْرِه، مُتساوِيًا أو مُتَفاضِلًا، إلَّا على قَوْلِنا: إنَّ العِلَّةَ الطَّعْمُ. فَيَحْرُمُ النَّساءُ فى المَطْعُومِ، ولا يَحْرُمُ فى غيرِه. وهذا مذهبُ الشَّافِعِىِّ. واخْتارَ القاضى هذه الرِّوَايةَ؛ لما رَوَى أبو داودَ (1)، عن عبدِ اللهِ بن عَمْرٍو، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمَرَه أن يُجَهِّزَ جَيْشًا، فَنَفِدَتِ الإِبِلُ، فأمَرَه أن يَأْخُذَ فى قِلاصِ (2) الصَّدَقَةِ، فكان يَأْخُذُ البَعِير بالبَعِيرَيْنِ إلى إبِلِ الصَّدَقَةِ (3). ورَوَى سعيدٌ فى سُنَنِه، عن أبى مَعْشَرٍ، عن صَالِحِ بن كَيْسَانَ، عن الحسنِ بن محمدٍ: أنَّ عليًّا بَاعَ بَعِيرًا له يُقالُ له: عُصَيْفِيرٌ، بأربعةِ أَبْعِرَةٍ
(40) تقدم تخريجه فى صفحة 54.
(1)
فى: باب فى الرخصة فى الحيوان بالحيوان نسيئة، من كتاب البيوع. سنن أبى داود 2/ 225. كما أخرجه البيهقى، فى: باب بيع الحيوان وغيره مما لا ربا فيه. . .، من كتاب البيوع. السنن الكبرى 5/ 287، 288. والدارقطنى، فى: كتاب البيوع. سنن الدارقطنى 3/ 69.
(2)
قلاص: جمع قلوص، وهى الشابة من الإبل.
(3)
بعد هذا فى م: زيادة "رواه أبو داود".
إلى أَجَلٍ. ولأنَّهما مَالَانِ لا يَجْرِى فيهما رِبا الفَضْلِ، فجازَ النَّسَاءُ فيهما كالعَرْضِ بالدِّينَارِ، ولأنَّ النَّسَاءَ أحَدُ نَوْعَىِ الرِّبَا، فلم يَجُزْ فى الأنواع (4) كُلِّها، كالنَّوْعِ الآخَرِ. والرِّوايةُ الثانية، يَحْرُمُ النَّساءُ فى كلِّ مالٍ بِيعَ بجِنْسِه، كالحيوانِ بالحيوانِ، والثِّيابِ بالثِّيابِ، ولا يَحْرُمُ فى غير ذلك. وهذا مَذهَبُ أبى حنيفةَ. ومِمَّنْ كَرِهَ بَيْعَ الحَيَوانِ بالحَيَوانِ نَساءً ابنُ الحَنَفِيَّةِ، وعبدُ اللهِ بن عُمَيْرٍ، وعَطاءٌ، وعِكْرِمَةُ ابن خالِدٍ، وابنُ سِيرِينَ، والثَّوْرِىُّ. وَرُوِىَ ذلك عن عَمَّارٍ، وابنِ عمرَ؛ لِمَا رَوَى سَمُرَةُ: أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بَيْعِ الحَيَوانِ بالحَيَوانِ نَسِيئَةً. قال التِّرْمِذِىُّ (5): هذا حَدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ، ولأنَّ الجِنْسَ أحدُ وَصْفَىْ عِلَّةِ رِبَا الفَضْلِ، فَحُرِمَ النَّسَاءُ، كالكَيْلِ والوَزْنِ. والثالثة، لا يَحْرُمُ النَّساءُ إلَّا فيما بيعَ بِجِنْسِه مُتَفَاضِلًا، فأمَّا مع التَّمَاثُلِ فلا؛ لِمَا رَوَى جابرٌ، أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"الحَيَوانُ اثْنَانِ (6) بِوَاحِدٍ لا يَصْلُحُ نَسَاءً، ولا بَأْسَ به يَدًا بِيَدٍ"، قال التِّرْمِذِىُّ (7): هذا حديثٌ حَسَنٌ. ورَوَى ابنُ عُمَرَ: أن رَجُلًا قال: يا رَسُولَ اللهِ، أرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَبِيعُ الفَرَسَ بالأَفْراسِ والنَّجِيبَةَ بالإِبِلِ؟ فقال:"لا بَأْسَ إذا كانَ يَدًا بِيَدٍ". من المسْنَدِ (8). وهذا يَدُلُّ على إباحةِ النَّسَاءِ مع التَّمَاثُلِ بمَفْهُومِهِ. والرابعة، يَحْرُمُ النَّساءُ فى كلِّ مالٍ بِيعَ بمالٍ آخَرَ، سَواءٌ كان من جِنْسِه [أو من غيرِ جِنْسِه](9). وهذا
(4) فى م: "الأموال".
(5)
فى: باب ما جاء فى كراهية بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 246.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى الحيوان بالحيوان نسيئة، من كتاب البيوع. سنن أبى داود 2/ 224. والنسائى، فى: باب بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 257. وابن ماجه، فى: باب الحيوان بالحيوان نسيئة، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 763. والدارمى، فى: باب فى النهى عن بيع الحيوان بالحيوان، من كتاب البيوع. سنن الدارمى 2/ 204.
(6)
فى النسخ: "اثنين". وعند ابن ماجه: "لا بأس بالحيوان واحدًا باثنين يدًا بيد".
(7)
فى: باب ما جاء فى كراهية بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 247.
كما أخرجه ابن ماجه، فى: باب الحيوان بالحيوان نسيئة، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 763.
(8)
المسند 2/ 109.
(9)
سقط من: الأصل.
ظَاهِرُ كَلَامِ الخِرَقِىِّ. ويحْتَمِلُ أنه أرَادَ الرِّوايةَ الثَّالثةَ؛ لأنَّه بَيْعُ عَرْضٍ بِعَرْضٍ، فَحُرِّمَ النَّساءُ بينهما كالجِنْسَيْنِ من أَموالِ الرِّبَا، قال القاضى: فعلى هذا لو باعَ عَرْضًا بِعَرْضٍ، ومع أحدهما دَرَاهِمُ، العُرُوضُ نَقْدًا والدراهمُ نَسِيئَةً (10)، جازَ، وإن كانتِ الدراهمُ نَقْدًا والعُرُوضُ نَسِيئَةً، لم يَجُزْ؛ لأنه يُفْضِى إلى النَّسِيئَةِ فى العُرُوضِ. وهذه الرِّوَايَةُ ضَعِيفَةٌ جِدًّا؛ لأنَّه إثْبَاتُ حُكْمٍ يُخَالِفُ الأصلَ بغير نَصٍّ ولا إجْمَاعٍ ولا قِياسٍ صحيحٍ، فإنَّ فى المَحلِّ المُجْمَعِ (11) عليه أو المَنْصُوصِ عليه أوصافًا لها أثَرٌ فى تَحْرِيمِ الفَضْلِ، فلا يَجُوزُ حَذْفُها عن دَرَجَةِ الاعْتِبارِ، وما هذا سَبِيلُه لا يجوزُ إثباتُ الحُكْمِ فيه، وإن لم يُخَالِفْ أصْلًا، فكيف يَثْبُتُ مع مُخَالَفَةِ الأَصْلِ فى حِلِّ البَيْعِ! وأصَحُّ الرِّواياتِ هى الأُولَى؛ لِمُوَافَقَتِهَا الأصْلَ. والأحادِيثُ المُخالِفَةُ لها، قال أبو عبدِ اللهِ: ليس فيها حَدِيثٌ يُعْتَمَدُ عليه، ويُعْجِبُنِى أن يَتَوَقَّاهُ. وذُكِرَ له حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ وابنِ عمرَ فى هذا، فقال: هما مُرْسَلانِ. وحديثُ سَمُرَةَ يَرْويهِ الحسنُ عن سَمُرَةَ (12)، قال الأَثْرَمُ، قال (13) أبو عَبْدِ اللهِ: لا يَصِحُّ سَماعُ الحسنِ من سَمُرَةَ. وحديثُ جَابرٍ، قال أبو عبدِ اللهِ: هذا حجَّاجٌ زَادَ فيه: "نَسَاءً"، ولَيْثُ بن سَعْدٍ سَمِعَهُ من أبى الزُّبِيْرِ، ولا يَذْكُرُ فيه:"نَسَاءً"، وحجَّاجٌ هذا هو حجَّاجُ بن أرْطاةَ، قال يعقوبُ بن شَيْبَةَ: هو واهِى الحدِيثِ، وهو صَدُوقٌ. وإن كان أحدُ المَبِيعَيْنِ مِمَّا لا رِبا فيه، والآخَرُ فيه رِبًا كالمَكِيلِ بالمَعْدُودِ، ففيهما (14) رِوَايَتَانِ، إحْدَاهُما: يَحْرُمُ النَّسَاءُ فيهما. والثانيةُ: لا يَحْرُمُ، كما لو باع مَعْدُودًا بِمَعْدُودٍ من غيرِ جِنْسِه.
(10) سقط من: الأصل.
(11)
فى الأصل: "المجتمع".
(12)
بعد هذا الموضع فى الأصل زيادة: "قال".
(13)
فى الأصل: "وقال".
(14)
فى م: "ففيه".