الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَكارَتِها لو كانت بِكْرًا، والحَدِيثُ مُخْتَصٌّ (8) بالمُكْرَهَةِ على البِغَاءِ؛ فإنَّ اللهَ تعالى سَمَّاها بذلك، مع كَوْنِها مُكْرَهَةً عليه، فقال:{وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} (9). وقولُهم: لا يَجِبُ الحَدُّ والمَهْرُ. قُلْنا: لا يَجِبُ المَهْرُ لها، وفى مَسْأَلَتِنَا لا يَجِبُ لها، وإنَّما يَجِبُ لِسَيِّدِها، ويُفَارِقُ الحُرَّةَ، فإنَّ المَهْرَ لو وَجَبَ لوَجَبَ لها، وقد أَسْقَطَتْ حَقَّها بإِذْنِها، وهاهُنا المُسْتَحِقُّ لم يَأْذَنْ، ولأنَّ الوُجُوبَ في حَقِّ الحُرَّةِ يفْعَلُه (10) بإِكْرَاهِها، وسُقُوطُهُ بِمُطَاوَعَتِها، فكذلك السَّيِّدُ هاهُنا، لَمَّا تَعَلَّقَ السُّقُوطُ بإِذْنِه، يَنْبَغِى أن يَثْبُتَ عندَ عَدَمِه، وسواءٌ وَطِئَها مُعْتَقِدًا لِلْحِلِّ، أو غيرَ مُعْتَقِدٍ له، أو ادَّعَى شُبْهَةً، أو لم يَدَّعِها؛ لأنَّ المَهْرَ حَقُّ آدَمِيٍّ، فلا يَسْقُطُ بالشُّبُهَاتِ، ولا تَصِيرُ هذه الأمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُرْتَهِنِ بحالٍ، سواءٌ مَلَكَها بعدَ الوَضْعِ أو قبلَه، وسواءٌ حَكَمْنا [بِرِقِّ الوَلَدِ](11) أو حُرّيَّتِه، لأنَّه أَحْبَلَهَا في غيرِ مِلْكِه.
791 - مسألة؛ قال: (وَإذَا جَنَى الْعَبْدُ المَرْهُونُ، فَالمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَحَقُّ بِرَقَبَتِهِ مِنْ مُرْتَهِنِه، حَتَّى يَسْتَوْفِىَ حَقَّهُ، فَإن اختَارَ سَيِّدُهُ أنْ يَفْدِيَهُ وفَعَلَ، فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ)
وجملتُه أنَّ العَبْدَ المَرْهُونَ إذا جَنَى على إِنْسَانٍ، أو على مَالِه، تَعَلَّقَتِ الجِنَايَةُ بِرَقَبَتِه، فكانت مُقَدَّمَةً على حَقِّ المُرْتَهِنِ. لا نَعْلَمُ في هذا خِلَافًا؛ وذلك لأنَّ الجِنَايَةَ مُقَدَّمَةٌ على حَقِّ المالِكِ، والمِلْكُ أَقْوَى من الرَّهْنِ، فأَوْلَى أن يُقَدَّمَ على الرَّهْنِ. فإن قيل: فحَقُّ المُرْتَهِنِ أيضا يُقَدَّمُ على حَقِّ المالِكِ. قُلْنا: حَقُّ المُرْتَهِنِ ثَبَتَ من جِهَةِ المالِكِ بِعَقْدِه، وحَقُّ الجِنَايَةِ ثَبَتَ بغيرِ اخْتِيَارِه مُقَدَّمًا على حَقِّه، فيُقَدَّمُ على
(8) في م: "مخصوص".
(9)
سورة النور 33.
(10)
سقط من: م.
(11)
تكرر في م خطأ.
ما ثَبَتَ بِعَقْدِه، ولأنَّ حَقَّ الجِنَايَةِ مُخْتَصٌّ بِالعَيْنِ، يَسْقُطُ بِفَوَاتِها، وحَقُّ المُرْتَهِنِ لا يَسْقُطُ بِفَوَاتِ العَيْنِ، ولا يَخْتَصُّ بها، فكان تَعَلُّقُه بها أخَفَّ وأَدْنَى، فإن كانتْ جِنَايَتُه مُوجِبَةً للقِصَاصِ، فَلِوَلِيِّ الجِنَايَةِ اسْتِيفَاؤُه، فإن اقْتَصَّ سَقَطَ الرَّهْنُ، كما لو تَلِفَ، وإن عَفَا على مالٍ تَعَلَّقَ بِرَقَبَة العَبْدِ، وصارَ كالجِنَايَةِ المُوجِبَةِ للمالِ، فيُقال لِلسَّيِّدِ: أنْتَ مُخَيَّرٌ بين فِدَائِه وبينَ تَسْلِيمِه لِلْبَيْعِ. فإن اخْتَارَ فِدَاءَهُ، فَبِكَمْ يَفْدِيهِ؟ على رِوَايَتَيْنِ؛ إحْداهما، بأقَلِّ الأَمْرَيْنِ من قِيمَتِه أو أَرْشِ جِنَايَتِه؛ لأنَّه إن كان الأَرْشُ أقَلَّ، فالمَجْنِيُّ عليه لا يَسْتَحِقُّ أكْثَرَ من أَرْشِ جِنَايَتِه، وإن كانت القِيمَةُ أقَلَّ، فلا يَلْزَمُه أكْثَرُ منها، لأنَّ ما يَدْفَعُه عِوَضٌ عن العَبْدِ، فلا يَلْزَمُ أكْثَرُ من قِيمَتِه، كما لو أتلَفَهُ. والثانية، يَفْدِيه بأَرْشِ جِنَايَتِه بَالِغًا ما بَلَغَ؛ لأنَّه ربما يَرْغَبُ فيه رَاغِبٌ، فيَشْتَرِيه بأَكْثَرَ من قِيمَتِه، فإذا فَدَاهُ فهو رَهْنٌ بحالِه؛ لأنَّ حَقَّ المُرْتَهِنِ قائِمٌ لِوُجُودِ سَبَبِه، وإنما قُدِّمَ حَقُّ المَجْنِيِّ عليه لِقُوَّتِه، فإذا زَالَ ظَهَرَ حُكْمُ الرَّهْنِ، كحَقِّ مَن لا رَهْنَ له مع حَقِّ المُرْتَهِنِ في تَرِكَةِ مُفْلِسٍ (1)، إذا أسْقَطَ المُرْتَهِنُ حَقَّهُ ظَهَرَ حُكْمُ الآخَرِ، فإن امْتَنَعَ قِيل لِلْمُرْتَهِنِ: أنْتَ مُخَيَّرٌ بين فِدَائِه وبين تَسْلِيمِه. فإن اخْتَارَ فِدَاءَهُ، فَبِكَمْ يَفْدِيه؟ على الرِّوَايَتَيْنِ. فإن فَدَاهُ بإِذْنِ الرَّاهِنِ، رَجَعَ به عليه؛ لأنَّه أدَّى الحَقَّ عنه بإِذْنِه، فرَجَعَ به، كما لو قَضَى دَيْنَه بإِذْنِه، وإن فَدَاهُ مُتَبَرِّعًا، لم يَرْجِعْ بشىءٍ. وإن نَوَى الرُّجُوعَ، فهل يَرْجِعُ بذلك؟ على وَجْهَيْنِ، بنَاءً على ما لو قَضَى دَيْنَه بغيرِ إِذْنِه. وإن زادَ في الفِدَاءِ على الوَاجِبِ، لم يَرْجِعْ به، وَجْهًا واحِدًا. ومذهبُ الشَّافِعِيِّ كما ذَكَرْنَا في هذا الفَصْلِ، إلَّا أنَّه لا يَرْجِعُ بما فَدَاهُ به بغيرِ إِذْنِه، قَوْلًا واحِدًا. وإن شَرَطَ له الرَّاهِنُ الرُّجُوعَ، رَجَعَ، قَوْلًا واحِدًا. وإن قَضَاهُ بإذْنِه من غير شَرْطِ الرُّجُوعِ، ففيه وَجْهَانِ، وهذا أصْلٌ يُذْكَرُ في غير هذا المَوْضِع. فإن فَدَاهُ، وشَرَطَ أن يكون رَهْنًا بالفِدَاءِ مع الدَّيْنِ الأوَّلِ، فقال القاضى: يجوزُ ذلك؛ لأنَّ
(1) في أ: "المفلس".