الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صاحِبِه، أو حُكْمِ حَاكِمٍ؛ لأنَّ مِلْكَه قد تَمَّ على الثَّمَنِ، فلا يَزُولُ إلَّا بِرِضاه. ولَنا، أنَّه رَفْعُ عَقْدٍ مُسْتَحِقٍّ له، فلم يَفْتَقِرْ إلى رِضا صَاحِبِه، ولا حُضُورِه كالطَّلَاقِ؛ لأنَّه مُسْتَحِقُّ الرَّدِّ بالعَيْبِ، فلا يَفْتَقِرُ إلى رِضا صَاحِبِه، كَقبْلِ القَبْضِ.
744 - مسألة؛ قال: (وَلَوْ بَاعَ المُشْتَرِى بَعْضَها، ثم ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ، كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ مِلْكَهُ مِنْهَا بمِقْدارِهِ مِنَ الثَّمَنِ، أَوْ يَأْخُذَ أرْشَ العَيْبِ بِقَدْرِ مِلْكِه فِيهَا)
الكَلامُ فى هذه المَسْأَلَةِ فى فُصُولٍ ثلاثةٍ:
منها، أنَّه إذا اشْتَرَى مَعِيبًا فباعه، سَقَطَ رَدُّه؛ لأنَّه قد زال مِلْكُه عنه. فإن عادَ إليه، فأرادَ رَدَّه بالعَيْبِ الأوَّلِ، نَظَرْنا، فإن كان باعَه عالِمًا بالعَيْبِ، أو وُجِدَ منه ما يَدُلُّ على رِضاه به، فليس له رَدُّه؛ لأنَّ تَصَرُّفَه رِضًى بالعَيْبِ، وإن لم يكن عَلِمَ بالعَيْبِ، فله رَدُّه على بائِعِه. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وقال (1) أَبو حنيفةَ: ليس له رَدُّه، إلَّا أن يكونَ المُشْتَرِى فَسَخَ بحُكْمِ الحاكِمِ؛ لأنَّه سَقَطَ حَقُّه من الرَّدِّ بِبَيْعِه، فأشْبَه ما لو عَلِمَ بعَيْبه. ولَنا، أنَّه أمْكَنَه اسْتِدْراكُ ظُلامَتِه بِرَدِّه، فمَلَكَ ذلك، كما لو فسخَ الثانىَ بِحُكمِ حاكِمٍ، أو كما لو لم يَزُلْ مِلْكُه عنه، ولا نُسَلِّمُ سُقُوطَ حَقِّه، وإنَّما امْتَنَعَ لِعَجْزِه عن رَدِّه، فإذا عادَ إليه زال المانِعُ، فَظَهَرَ جَوازُ الرَّدِّ، كما لو امْتَنَعَ الرَّدُّ لِغَيْبَةِ البائِعِ، أو لِمَعْنًى سواه. وسواءٌ رَجَعَ إلى المُشْتَرِى الأولِ بالعَيْبِ الأوَّلِ، أو بإقالَةٍ، أو هِبَةٍ، أو شِراءٍ ثانٍ، أو ميراثٍ، فى ظاهِرِ كَلامِ القاضى. وقال أصْحابُ الشَّافِعِىِّ: إن رَجَعَ بغيرِ الفَسْخ بالعَيْبِ الأولِ، ففيه وجهانِ، أحدُهما، ليس له رَدُّه؛ لأنَّه اسْتَدْرَكَ ظُلَامَتَه ببَيْعِه، ولم يَزُلْ بفَسْخِه. ولَنا، أنَّ سَبَبَ اسْتِحْقاقِ الرَّدِّ قَائِمٌ، وإنَّما امْتَنَعَ لِتَعَذُّرِه بِزَوالِ مِلْكِه، فإذا زال المانِعُ وَجَبَ أن يجوزَ الرَّدُّ عليه بِالعَيْبِ. فعلَى هذا إذا باعَها المُشْتَرِى لِبائِعِها الأولِ، فوَجَدَ بها عَيْبًا كان مَوْجُودًا حالَ العَقْدِ الأولِ، فله الرَّدُّ على البائِعِ الثانى، ثم للثانى رَدُّه. وفائِدَةُ الرَّدِّ هاهنا، اخْتِلافُ الثَّمَنَيْنِ، فإنَّه قد يكون الثمنُ الثانى أكْثَرَ.
(1) فى م: "وقاله".
الفصل الثانى، أنَّه إذا باعَ المَعِيبَ، ثم أرادَ أخْذَ أَرْشِه. فظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، أنَّه لا أَرْشَ له سواءٌ باعَهُ عالِما بِعَيْبِه، أو غيرَ عالِمٍ. وهذا مذهبُ أبى حنيفةَ، والشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ امْتِناعَ الرَّدِّ كان بِفِعْلِه، فأشْبَه ما لو أتْلَفَ المَبِيعَ، ولأنَّه قد (2) اسْتَدْرَكَ ظُلامَتَه بِبَيْعِه، فلم يكنْ له أرْشٌ، كما لو زال العَيْبُ. وقال القاضى: إن باعَه مع عِلْمِه بالعَيْبِ، فلا أَرْشَ له؛ لِرِضاهُ به مَعِيبًا، وإن باعَه غيرَ عالِمٍ بالعَيْبِ، فله الأَرْشُ. نَصَّ عليه أحْمَدُ؛ لأنَّ البائِعَ لم يُوَفِّه ما أوْجَبَه له العَقْدُ، ولم يُوجَدْ منه الرِّضا به نَاقِصًا، فكان له الرُّجُوعُ عليه، كما لو أَعْتَقَهُ. وقِياسُ المَذْهَبِ، أنَّ له الأَرْشَ بكلِّ حالٍ، سواءٌ باعَهُ عالِما بِعَيْبِه أو جاهِلًا به؛ لأنَّنا خَيَّرْناهُ ابْتِداءً بين رَدِّه، وإمْساكِه وأخْذِ الأَرْشِ، فبَيْعُه والتَّصَرُّفُ فيه بِمَنْزِلَةِ إمْساكِه، ولأنَّ الأَرْشَ عِوَضُ الجُزْءِ الفائِتِ من المَبِيعِ، فلم يَسْقُطْ بِبَيْعِه، ولا رِضاهُ، كما لو باعَهُ عشرةَ أقْفِزَةٍ، وسَلَّمَ إليه تِسْعَةً، فباعَها المُشْتَرِى. وقولهم: إنَّه اسْتَدْرَكَ ظُلامَتَهُ. لا يَصِحُّ، فإنَّ ظُلامَتَهُ من البائِعِ، ولم يَسْتَدْرِكْها منه، وإنَّما ظُلِمَ المشُتَرِى، فلم يَسقطْ حَقُّه بذلك من الظَّالِمِ له، وهذا هو الصَّحِيحُ من قولِ مالِكٍ، وذكر أبو الخَطَّابِ عن أحْمَدَ، فى رُجُوعِ بائِعِ المَعِيبِ بالأَرْشِ (3)، رِوَايَتَيْنِ، من غير تَفْرِيقٍ بين عِلْمِ البائِعِ بالعَيْبِ وجَهْلِه به. وعلى قولِ من قال لا يَسْتَحِقُّ الأَرْشَ، فإذا عَلِمَ به المُشْتَرِى الثانى فرَدَّه به، أو أخَذَ أرْشَه منه، فَلِلأَولِ أخْذُ أرْشِه. وهو قولُ الشَّافِعِىِّ إذا امْتَنَعَ على المُشْتَرِى الثانى رَدُّه بِعَيْبٍ حَدَثَ عنده؛ لأنَّه لم يَسْتَدْرِكْ ظُلَامَتَهُ، وكلُّ واحِدٍ من المُشْتَرِيَيْنِ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ العَيبِ من الثَّمَنِ الذى اشْتَراهُ به، على ما ذَكَرْناهُ فيما تَقَدَّمَ.
(2) سقط من: الأصل.
(3)
فى م: "الأرش".