الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسْتِيفَاءُ القِصَاصِ، وليس لهم العَفْوُ على مالٍ. وذَكَرَ القاضى وَجْهًا آخَرَ، أنَّ لهم ذلك؛ لأنَّ الجِنَايَةَ حَصَلَتْ في مِلْكِ غيرِهم، فكان لهم العَفْوُ على مالٍ، كما لو جَنَى على أجْنَبِيٍّ. وللشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، كالوَجْهَيْنِ (3). فإن عَفَا بعضُ الوَرَثَةِ، سَقَطَ القِصَاصُ، وهل يَثْبُتُ لغيرِ العَافِى نَصِيبُه من الدِّيَةِ؟ على الوَجْهَيْنِ. ومذهبُ الشَّافِعِيِّ في هذا ال
فَصْلِ
كلِّه على نحوِ ما ذَكَرْناهُ.
فصل: وإن جَنَى العَبْدُ المَرْهُونُ على عَبْدٍ لِسَيِّدِه، لم يَخْلُ من حَالَيْنِ؛ أحَدِهما، أن لا يكونَ مَرْهُونًا، فحُكْمُه حُكْمُ الجِنايَةِ على طَرَفِ سَيِّدِه، له القِصَاصُ إن كانت جِنَايَتُه مُوجِبَةً له، وإن عَفَا على مالٍ أو غيرِه، أو كانت الجنَايَةُ لا تُوجِبُ القِصَاصَ، ذَهَبَتْ هَدْرًا، وسواءٌ كان المَجْنِيُّ عليه قِنًّا أو مُدَبَّرًا أو أُمَّ وَلَدٍ. الحال الثانى، أن يكونَ رَهْنًا، فلا يَخْلُو إمَّا أن يكونَ رَهْنًا عند مُرْتَهِنِ القاتِلِ، أو عندَ غيرِه، فإن كان عندَ مُرْتَهِنِ القاتِلِ والجِنَايَةُ مُوجِبَةٌ للقِصَاصِ، فلِلسَّيِّدِ (4) القِصَاصُ. فإن اقْتَصَّ، بَطَلَ الرَّهْنُ في المَجْنِيِّ عليه، وعليه قِيمَتُه لِلْمُقْتَصِّ منه، فإن عَفَا على مالٍ، أو كانت الجِنَايَةُ مُوجِبَةً للمالِ، وكانا رَهْنًا بحَقٍّ واحِدٍ لجِنَايَتِه، هُدِرَ؛ لأنَّ الحَقَّ يَتَعَلَّقُ (5) بكلِّ واحدٍ منهما، فإذا قُتِلَ أحَدُهُما، بَقِىَ الحَقُّ مُتَعَلِّقًا بالآخَرِ، وإن كان كلُّ واحدٍ منهما مَرْهُونًا بِحَقٍّ مُفْرَدٍ، ففيه أرْبَعُ مَسائِلَ؛ إحْدَاها، أن يكونَ الحَقَّانِ سواءً، وقِيمَتُهما سواءً، فتكونَ الجِنَايَةُ هَدْرًا، سواءٌ كان الحَقَّانِ من جِنْسَيْنِ، مثل أن يكونَ أحَدُهما بمائةِ دِينَارٍ والآخَرُ ألْفَ دِرْهَمٍ قِيمَتُها (6) مائةُ دِينَارٍ، أو من جنْسٍ واحِدٍ؛ لأنَّه لا فَائِدَةَ في اعْتِبَارِ الجِنَايَةِ. المسألة الثانية، أن يَخْتَلِفَ الحَقَّانِ وتَتَّفِقَ القِيمَتانِ، مثل أن يكون دَيْنُ أحَدِهما مائةً ودَيْنُ
(3) في م: "كالمذهبين"،
(4)
في م: "فلسيده".
(5)
في أ: "متعلق".
(6)
في ازيادة: "قيمة".
الآخَرِ مائتَيْنِ، وقِيمَةُ كل واحِدٍ منهما مائةً، فإن كان دَيْنُ القاتِلِ أكْثَرَ، لم يُنْقَلْ إلى دَيْنِ المَقْتُولِ، لِعَدَمِ الغَرَضِ فيه، وإن كان دَيْنُ المَقْتُولِ أكْثَرَ، نُقِلَ إلى القَاتِلِ، لأنَّ لِلْمُرْتَهِنِ غَرَضًا في ذلك. وهل يُبَاع القاتِلُ، وتُجْعَلُ قِيمَتُه رَهْنًا مَكانَ المَقْتُولِ، أو يُنْقَلُ بحالِه؟ على وَجْهَيْنِ؛ أحَدِهما، لا يُبَاع؛ لأنَّه لا فَائِدَةَ فيه. والثانى، يُبَاع؛ لأنَّه ربَّما زَادَ فيه مُزَايِدٌ، فبَلَّغَه أكْثَرَ من ثَمَنِه، فإن عُرِضَ لِلْبَيْعِ فلم يُزَدْ فيه، لم يُبَعْ، لعَدَمِ ذلك. المسألة الثالثة؛ أن يَتَّفِقَ الدَّيْنَانِ وتَخْتَلِفَ القِيمَتَانِ، بأن يكونَ دَيْنُ كلِّ واحدٍ منهما مائةً، وقِيمَةُ أحَدِهِمَا مائةً، والآخَرُ مائَتَيْنِ، فإن كانت قِيمَةُ المَقْتُولِ أكْثَرَ، فلا غَرَضَ في النَّقْلِ، فيَبْقَى بحالِه، وإن كانت قِيمَةُ الجانِى أكْثَرَ، بِيعَ منه بِقَدْرِ جِنَايَتِه، يكونُ رَهْنًا بِدَيْنِ المَجْنِيِّ عليه، والباقى رَهْنٌ بِدَيْنِه، وإن اتَّفَقَا على تَبْقِيَتِه ونَقْلِ الدَّيْنِ إليه، صَارَ مَرْهُونًا بهما، فإن حَلَّ أحَدُ الدَّيْنَيْنِ، بِيعَ بكلِّ حالٍ؛ لأنَّه إن كان دَيْنُه المُعَجَّلَ بِيعَ لِيَسْتَوْفِىَ من ثَمَنِه، وما بَقِىَ منه رَهْنٌ بالدَّيْنِ الآخَرِ، فإن كان المُعَجّلُ بالآخَرِ بِيعَ لِيَسْتَوْفِىَ منه بِقَدْرِه، والبَاقِى رَهْنٌ بِدَيْنِه. المسألة الرابعة، أن يَخْتَلِفَ الدَّيْنَانِ والقِيمَتَانِ، مثل أن يكونَ أحَدُ الدَّيْنَيْنِ خَمْسِينَ والآخَرُ ثَمَانِينَ، وقِيمَةُ أحَدِهِما مائةً والآخَرُ مائتَيْنِ، فإن كان دَيْنُ المَقْتُولِ أكْثَرَ، نُقِلَ إليه، وإلَّا فلا. وأمَّا إن كان المَجْنِيُّ عليه رَهْنًا عندَ غيرِ مُرْتِهِنِ القاتِلِ، فلِلسَّيِّدِ القِصَاصُ؛ لأنَّه مُقَدَّمٌ على حَقِّ المُرْتَهِنِ، بِدَلِيلِ أنَّ الجِنَايَةَ المُوجِبَةَ للمالِ مُقَدَّمَةٌ عليه، فالقِصاصُ أَوْلَى، فإن اقْتَصَّ، بَطَلَ الرَّهْنُ في المَجْنِيِّ عليه؛ لأنَّ الجِنَايَةَ عليه لم تُوجِبْ ما لا يُجْعَلُ رَهْنًا مكانَه، وعليه قِيمَةُ المُقْتَصِّ منه، وتكونُ (7) رَهْنًا، لأنَّه أبْطَلَ حَقَّ الوَثِيقَةِ فيه بِاخْتِيَارِه، ولِلسَّيِّد العَفْوُ على مالٍ، فتَصِيرُ الجِنَايَةُ كالجِنايَةِ المُوجِبَةِ للمالِ، فيَثْبُتُ المالُ في رَقَبَةِ العَبْدِ؛ لأنَّ السَّيِّدَ لو جَنَى على العَبْدِ، لوَجَبَ أَرْشُ جِنَايَتِه لِحَقِّ المُرْتَهِنِ، فبأن يَثْبُتَ على عَبْدِه أَوْلَى.
(7) سقطت الواو من: أ، م.