الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّاهِنُ عَتَقَ. وإن رَجَعَ هذا المَبِيعُ إلى الرَّاهِنِ بإِرْثٍ أو بَيْعٍ أو هِبَةٍ أو غير ذلك، أو بِيعَ جَمِيعُها، ثم رَجَعَتْ إليه، ثَبَتَ لها حُكْمُ الاستِيلَادِ. وقال مالِكٌ: إن كانت الأمَةُ تَخْرُجُ إلى الرَّاهِنِ وتَأْتِيهِ، خَرَجَتْ من الرَّهْنِ، وإن تَسَوَّرَ عليها، أخَذَ وَلَدَهَا، وبِيعَتْ. ولَنا، أنَّ هذه أُمُّ وَلَدٍ، فلم يَثْبُتْ فيها حُكْمُ الرَّهْنِ، كما لو كان الوَطْءُ سَابِقًا على الرَّهْنِ، أو نَقُولُ: مَعْنًى يُنَافِى الرَّهْنَ في ابْتِدَائِه، فنَافَاهُ في دَوَامِه، كالحُرِّيَّةِ.
فصل:
فإن كان الوَطْءُ بإذْنِ المُرْتَهِنِ، خَرَجَتْ من الرَّهْنِ، ولا شىءَ لِلْمُرْتَهِنِ، لأنَّه أَذِنَ في سَبَبِ ما يُنَافِى حَقَّهُ، فكان إِذْنًا فيه. ولا نَعْلَمُ في هذا خِلَافًا. وإن لم تَحْبَلْ، فهى رَهْنٌ بحَالِها. فإن قيل: إنَّما أَذِنَ في الوَطْءِ، ولم يَأْذَنْ في الإِحْبَالِ. قُلْنا: الوَطْءُ هو المُفْضِى إلى الإِحْبَالِ، ولا يَقِفُ ذلك على اخْتِيَارِه، فالإِذْنُ في سَبَبِه إذْنٌ فيه، فإن أَذِنَ ثم رَجَعَ، فهو كمَن لم يَأْذَنْ. وإن اخْتَلَفَا في الإِذْنِ، فالقولُ قولُ مَن يُنْكِرُه، وإن أقَرَّ المُرْتَهِنُ بالإِذْنِ، وأنْكَرَ كَوْنَ الوَلَدِ من الوَطْءِ المَأْذُونِ فيه، أو قال: هو مِن زَوْجٍ أو زِنًا. فالقولُ قولُ الرَّاهِنِ، بَأرْبَعةِ شُرُوطٍ؛ أحَدِها، أن يَعْتَرِفَ المُرْتَهِنُ بالإِذْنِ. والثانى، أن يَعْتَرِفَ بالوَطْءِ. والثالثِ، أن يَعْتَرِفَ بالوِلَادَةِ. والرابعِ، أن يَعْتَرِفَ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ بعدَ الوَطْءِ يُمْكِنُ أن تَلِدَ فيها، فَحِينَئِذٍ لا يُلْتَفَتُ إلى إنْكَارِه، ويكونُ القولُ قولَ الرَّاهِنِ بغيرِ يَمِينٍ؛ لأنَّنا لم نُلْحِقْهُ به بِدَعْوَاه، بل بالشَّرْعِ. فإن أنْكَرَ شَرْطًا من هذه الشُّرُوطِ، فقال: لم آذَنْ. أو قال: أَذِنْتُ فما وُطِئَتْ. أو قال: لم تَمْضِ مُدَّةٌ تَضَعُ فيها الحَمْلَ منذُ وُطِئَتْ. أو قال: ليس هذا وَلَدَهَا، وإنما اسْتَعَارَتْه. فالقولُ قولُه؛ لأنَّ الأَصْلَ عَدَمُ ذلك كلِّه، وبَقَاءُ الوَثِيقَةِ صَحِيحَةً حتى تَقُومَ البَيِّنَةُ. وهذا مذهبُ الشَّافِعِيِّ.
فصل: ولو أَذِنَ في ضَرْبِهَا، فضَرَبَها فتَلِفَتْ، فلا ضَمَانَ عليه؛ لأنَّ ذلك تَوَلَّدَ من المَأْذُونِ فيه، كتَوَلُّدِ الإِحْبَالِ من الوَطْءِ.
فصل: إذا أَقَرَّ الرَّاهِنُ بالوَطْءِ لم يَخْلُ من ثلاثةِ أحْوالٍ؛ أحَدِها، أن يُقِرَّ به
حالَ العَقْدِ، أو قبلَ لُزُومِه، فحُكْمُ هذَين واحِدٌ، ولا يَمْنَعُ ذلك صِحَّةَ العَقْدِ؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ الحَمْلِ، فإن بَانَتْ حَائِلًا (2)، أو حَامِلًا بِوَلَدٍ لا يَلْحَقُ بالرَّاهِنِ، فالرَّهْنُ بِحَالِه، وكذلك إن كان يَلْحَقُ به، لكنْ لا تَصِيرُ به أُمَّ وَلَدٍ، مثلَ إنْ وَطِئَها وهى زَوْجَتُه، ثم مَلَكَها ورَهَنَها. وإن بَانَتْ حَامِلًا بِوَلَدٍ تَصِيرُ به أُمَّ وَلَدٍ، بَطَلَ الرَّهْنُ، ولا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ، وإن كان مَشْرُوطًا في بَيْعٍ؛ لأنَّه دَخَلَ مع العِلْمِ بأنَّها لا تكونُ رَهْنًا، فإذا خَرَجَتْ من الرَّهْنِ بذلك السَّبَبِ الذى عَلِمَهُ، لم يكُنْ له خِيَارٌ، كالمَرِيضِ إذا مَاتَ، والجانِى إذ اقْتُصَّ منه. وهذا قولُ أكْثَرِ أصْحابِ الشَّافِعِيِّ. وقال بعضُهم: له الخِيارُ؛ لأنَّ الوَطْءَ نَفْسَه لا يُثْبِتُ الخِيَارَ، فلم يكُنْ رِضَاهُ به رِضًى بالحَمْلِ الذى يَحْدُثُ منه، بخِلَافِ الجِنايَةِ والمَرَضِ. ولَنا، أنَّ إِذْنَهُ في الوَطْءِ إِذْنٌ فيما يَؤُولُ إليه، كذلك رِضَاهُ به رِضًى بما يَؤُولُ إليه. الحالِ الثالث، أقَرَّ بالوَطْءِ بعدَ لُزُومِ الرَّهْنِ، فإنَّه يُقْبَلُ في حَقِّه، ولا يُقْبَلُ في حَقِّ المُرْتَهِنِ؛ لأنَّه أقَرَّ بما يَفْسَخُ عَقْدًا لَازِمًا لغيرِه، فلم يُقْبَلْ، كما لو أقَرَّ بعد بَيْعِهَا. ويَحْتَمِلُ أن يُقْبَلَ؛ لأنَّه أقَرَّ في مِلْكِه بما لا تُهْمَةَ فيه، لأنَّه يَسْتَضِرُّ بذلك أَكْثَر من نَفْعِه بِخُرُوجِهَا من الرَّهْنِ. والأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لأنَّ إِقْرَارَ الإِنْسانِ على غيرِه لا يُقْبَلُ. وهكذا الحُكْمُ فيما إذا أقَرَّ بأنه غَصَبَها، أو أنَّها كانتْ جَنَتْ جِنَايَةً تَعَلَّقَ أَرْشُها بِرَقَبَتِها. وللشَّافِعِيِّ في ذلك قَوْلَانِ، وإن أقَرَّ أنَّه أَعْتَقَها، صَحَّ إقْرَارُه، وخَرَجَتْ من الرَّهْنِ. وبهذا قال أبو حنيفةَ. وقال الشَّافِعِيُّ في أحَدِ قَوْلَيْهِ: لا يُقْبَلُ. بنَاءً على أنَّه لا يَصِحُّ إعْتَاقُه لِلرَّهْنِ. ولَنا، أنَّه لو أَعْتَقَه لنَفَذَ عِتْقُه، فَقُبِلَ إقْرَارُه بِعِتْقِه، كغيرِ الرَّهْنِ، ولأنَّ إقْرَارَهُ بِعِتْقِه يَجْرى مَجْرَى عِتْقِه، فأشْبَه ما لو قال: أنْتَ حُرٌّ. ويَتَخَرَّجُ أن لا يَنْفُذَ إقْرَارُ المُعْسِرِ، بنَاءً على أنَّه لا يَنْفُذُ إعْتَاقُه. وكلُّ مَوْضِعٍ قُلْنا: القولُ قولُ الرَّاهِنِ. فقال القاضِى: ذلك مع يَمِينِه؛ لأنَّ كَذِبَهُ مُحْتَمِلٌ. ويَحْتَملُ أن لا يُسْتَحْلَفَ،
(2) الحائل: كل أنثى لا تحبل.