الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أفْلَسَ، فَهُوَ أحَقُّ به" (8). وهذا ما أدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِه، ولا هو أحَقُّ به بالإِجْمَاعِ، فإنَّهم وَافَقُوا على وُجُوبِ تَبْقِيَتِها، وعَدَمِ الرُّجُوعِ فى عَيْنِها، ولأن مَعْنَى قَوْلِه: "مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِه". أىْ على وَجْهٍ يُمْكِنُه أخْذُه، لا يَتَعَلَّقُ حَقُّه بِعَيْنِه، وليس هذا كذلك. وأما النَّظَرُ، فلأنَّ البَائِعَ إنَّما كان أحَقَّ بِعَيْنِ مَالِه؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّه بالعَيْنِ، وإمْكَانِ رَدِّ مَالِه إليه بِعَيْنِه، فيَرْجِعُ على مَن تَعَلَّقَ حَقُّه بمُجَرَّدِ الذِّمَّةِ، وهذا لم يَتَعَلَّقْ حَقُّه بالعَيْنِ، ولا أمكنَ رَدُّها إليه، وإنَّما صَارَ فَائِدَةُ الرُّجُوعِ الضَّرْبَ بالقِيمَةِ دونَ المُسَمَّى، وليس هذا هو المُقْتَضِى فى مَحلِّ النَّصِّ، ولا هو فى مَعْناه، فإثْباتُ الحُكْمُ به تَحَكُّمٌ بغَيرِ دَلِيلٍ. ولو اكْتَرَى رَجُلًا يَحْمِلُ له مَتَاعًا إلى بَلَدٍ، ثم أفْلَسَ المُكتَرِى قبلَ حَمْلِ شىءٍ، فلِلْمُكْتَرِى الفَسْخُ. وإن حَمَلَ البعضَ، أو بعضَ المَسَافَةِ، فقِياسُ المَذْهَبِ ليس له الفَسْخُ، وقِيَاسُ قولِ القاضِى: له ذلك. فإذا فَسَخَ سَقَطَ عنه حَمْلُ ما بَقِىَ، وضَرَبَ مع الغُرَمَاءِ بِقِسْطِ ما حَمَلَ من الأَجْرِ المُسَمَّى. وعلى قِيَاسِ قولِ القاضِى: يَنْفَسِخُ العَقْدُ فى الجَمِيعِ، ويَضْرِبُ بِقِسْطِ ما حَمَلَ من أجْرِ المِثْلِ؛ لما ذَكَرْنَا من قولِه فى المَسْأَلَةِ التى حَكَيْنا قَوْلَه فيها.
فصل:
فإن أَقْرَضَ رجلًا مالًا، ثم أفْلَسَ المُقْتَرِضُ، وعينُ المالِ قائِمٌ، فله الرُّجُوعُ فيها؛ لقولِه عليه السلام:"مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أفْلَسَ، فَهُوَ أحَقُّ به". ولأنه غَرِيمٌ وَجَدَ عَيْنَ مَالِه، فكان له أخْذُها، كالبَائِعِ. وإن أَصْدَقَ امْرأةً (9) عَيْنًا، ثم انْفَسَخَ نِكَاحُها بِسَبَبٍ من جِهَتِها يُسْقِطُ صَدَاقَها، أو طَلَّقَها قبلَ دُخُولِه بها، فَاسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ فى نِصْفِه، وقد أفْلَسَتْ وَوَجَدَ عَيْنَ مَالِه، فهو أحَقُّ بها؛ لما ذَكَرْنَا.
(8) تقدم تخريجه فى صفحة 539.
(9)
فى م: "امرة له".
801 -
مسألة؛ قال: (فَإِنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ قَدْ تَلِفَ بَعْضُهَا، أوْ مَزِيدَةً (1) بِمَا لَا تَنْفَصِلُ زِيَادَتُها، أوْ نقَد بَعْضَ ثَمَنِهَا، كَانَ البائِعُ فِيهَا كَأُسْوَةِ الغُرَمَاءِ)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّ البائِعَ إنَّما يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ فى السِّلْعَةِ بِخَمْسِ شَرَائِطَ؛ أحدُها، أن تكونَ السِّلْعَةُ باقِيَةً بِعَيْنِها، لم يَتْلَفْ بعضُها، فإن تَلِفَ جُزْءٌ منها كبعضِ أطْرَافِ العَبْدِ، أو ذَهَبَتْ عَيْنُه، أو تَلِفَ بعضُ الثَّوْبِ، أو انْهَدَمَ بعضُ الدَّارِ، أو اشْتَرَى شَجَرًا مُثْمِرًا لم تَظْهَرْ ثَمَرَتُه، فتَلِفَتِ الثَّمرَةُ، أو نحوُ هذا، لم يكنْ لِلْبائِعِ الرُّجُوعُ، وكان أُسْوَةَ الغُرَمَاءِ. وبهذا قال إسحاقُ. وقال مالِكٌ، والأوْزَاعِىُّ، والشَّافِعِىُّ، والعَنْبَرِىُّ: له الرُّجُوعُ فى الباقِى، ويَضْرِبُ مع الغُرَمَاءِ بحِصَّةِ التَّالِفِ؛ لأنَّها عَيْنٌ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فى جَمِيعِها، فمَلَكَ الرُّجُوعَ فى بعضِها، كالذى له الخِيَارُ، وكالأبِ فيما وَهَبَ لِولَدِه. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ، فَهُوَ أحَقُّ به"(2). فشَرَطَ أن يَجِدَه بِعَيْنِهِ، ولم يَجِدْهُ بِعَيْنِه. ولأنَّه إذا أَدْرَكَه بِعَيْنِه، حَصَلَ له بالرُّجُوعِ فَصْلُ الخُصُومَةِ، وانْقِطَاعُ ما بينهما من المُعامَلَةِ، بِخِلَافِ ما إذا وَجَدَ بَعْضَهُ. ولا فَرْقَ بينَ أن يَرْضَى بالمَوْجُودِ بجميعِ الثَّمَنِ، أو يَأْخُذَهُ بِقِسْطِه من الثَّمِنِ؛ لأنَّه فَاتَ شَرْطُ الرُّجُوعِ. وإن كان المَبِيعُ عَيْنَيْنِ، كعَبْدَيْنِ، أو ثَوْبَيْنِ تَلِفَ أحدُهما، أو بعضُ أحَدِهما، فَفِى جوازِ الرُّجُوعِ فى الباقِى منهما روايتانِ؛ إحْداهما، لا يَرْجِعُ. نَقَلَها أبو طَالِبٍ، عن أحمدَ، قال: لا يَرْجِعُ بِبَقِيَّةِ العَيْنِ، ويكونُ أُسْوَةَ الغُرَمَاءِ؛ لأنَّه لم يَجِدِ المَبِيعَ بِعَيْنِه، فأشْبَهَ ما لو كان عَيْنًا واحِدَةً. ولأنَّ بعضَ المَبِيعِ تَالِفٌ، فلم يَمْلِكِ الرُّجُوعَ، كما لو قُطِعَتْ يَدُ العَبْدِ. ونَقَلَ الحَسَنُ بن ثَوَابٍ (3) عن أحمدَ، إن كان ثَوْبًا واحِدًا، فتَلِفَ بعضُه، فهو أُسْوَةُ
(1) فى أ: "متزيدة".
(2)
تقدم تخريجه فى صفحة 539.
(3)
أبو على الحسن بن ثواب الثعلبى المخرمى، بغدادى ثقة، كان له بالإمام أحمد أُنْسٌ شديد، توفى سنة ثمان وستين ومائتين. طبقات الحنابلة 1/ 131، 132.