الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبي حنيفةَ، أنَّها تَصِحُّ بالثَّمَنِ الأوَّلِ، ويَبْطُلُ الشَّرْطُ؛ لأنَّ لَفْظَ الإقالَةِ اقْتَضَى (6) مثلَ الثَّمَنِ، والشَّرْطُ يُنافِيهِ، فبَطَلَ، وبَقِىَ الفَسْخُ على مُقْتضاه، كسائِر الفُسُوخِ. ولَنا، أنَّه شَرَطَ التَّفاضُلَ فيما يُعْتَبَرُ فيه التَّماثُلُ، فبَطَلَ (7)، كبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدرْهَمَينِ. ولأنَّ القَصْدَ بالإِقالَةِ رَدُّ كلِّ حَقٍّ إلى صاحِبِه، فإذا شَرَطَ زِيادَةً أو نُقْصانًا، أخْرَجَ العَقْدَ عن مَقْصُودِه، فبَطَلَ، كما لو باعَه بِشَرْطِ أنْ لا يُسَلِّمَ إليه (8). ويُفارِقُ سائِرَ الفَسْخِ؛ لأنَّه لا يُعْتَبَرُ فيه الرِّضا منهما، بل يَسْتَقِلُّ به أحَدُهما، فإذا شُرِطَ عليه شىءٌ، لم يَلْزَمْه؛ لِتَمَكُّنِه من الفَسْخِ بدُونِه. وإنْ شَرَطَ لِنَفْسِه شَيْئًا، لم يَلْزَمْهُ أيضًا؛ لأنَّه لا يَسْتَحِقُّ أكْثَرَ من الفَسْخِ. وفى مَسْأَلَتِنَا لا تَجوزُ الإِقَالَةُ إلَّا بِرِضاهما، وإنَّما رَضِىَ بها أحَدُهما مع الزِّيادَةِ أو النَّقْصِ، فإذا أبْطَلْنا شَرْطَه فاتَ رِضاهُ، فتَبْطُلُ الإقالَةُ؛ لِعَدَمِ رِضاهُ بها.
736 - مسألة؛ قال: (وَمَنِ اشْتَرَى صُبْرَةَ طَعَامٍ، لَمْ يَبِعْها حَتَّى يَنْقُلَها)
هذه المسألة تَدُلُّ على حُكْمَيْنِ؛ أحدُهما، إباحَةُ بَيْعِ الصُّبْرَةِ جُزافًا مع جَهْلِ البائِعِ والمُشْتَرِى بِقَدْرِها، وبهذا قال أبو حنيفةَ والشَّافِعِيُّ. ولا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. وقد نَصَّ عليه أحمدُ. ودَلَّ عليه قولُ ابن عمرَ: كُنَّا نَشْتَرِى الطَّعَامَ من الرُّكْبَانِ جُزَافًا، فَنَهانَا رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أنْ نَبِيعَه حتى نَنْقُلَه من مَكَانِه. مُتَّفَقٌ عليه (1)، ولأنَّه مَعْلُومٌ بالرُّؤْيَةِ، فصَحَّ بَيْعُه، كالثِّيابِ والحَيوانِ. ولا يَضُرُّ عَدَمُ مُشاهَدَة باطِنِ الصُّبْرَةِ، فإنَّ ذلك يَشُقُّ؛ لكونِ الحَبِّ بَعْضَهُ على بعضٍ، ولا يمكنُ بَسْطُها حَبَّةً حَبَّةً، ولأنّ الحَبَّ تَتَساوَى أجْزاؤُه فى الظَّاهِرِ، فاكْتُفِىَ بِرُؤْيَةِ ظاهِره، بخِلافِ الثَّوْبِ، فإنَّ نَشْرَه لا يَشُقُّ، ولم تَخْتَلِفْ أجْزاؤُه، ولا يَحْتاجُ إلى مَعْرِفَةِ قَدْرِها مع المُشاهَدَةِ؛
(6) سقط من: الأصل.
(7)
فى الأصل: "فيبطل".
(8)
سقط من: م.
(1)
تقدم تخريجه فى صفحة 183.
لأنَّه عَلِمَ ما اشْتَرَى بأبْلَغِ الطُّرُقِ، وهو الرُّؤُيَةُ. وكذلك لو قال: بِعْتُكَ نِصْفَ هذه الصُّبْرَةِ، أو ثُلُثَها، أو جُزْءًا منها مَعْلُومًا. جازَ؛ لأنَّ ما جازَ بَيْعُ جُمْلَتِه، جازَ بَيْعُ بعضِه، كالحَيَوانِ. ولأنَّ جُمْلَتَها مَعْلُومَةٌ بالمُشَاهَدَةِ، فكذلك جُزْؤُها. قال ابنُ عَقِيلٍ: ولا يَصِحُّ هذا إلّا أنْ تكونَ الصُّبْرَةُ مُتساوِيَةَ الأجْزاءِ، فإنْ كانت مُخْتَلِفَةً، مثلَ صُبْرَةِ بَقَّالِ القَرْيَةِ، لم يَصِحَّ. ويَحتمِلُ أنْ يَصِحَّ؛ لأَنَّه يَشْتَرِى منها جُزْءًا مُشاعًا، فيَسْتَحِقُّ من جَيِّدِها ورَدِيئِها بِقِسْطِه. ولا فَرْقَ بين الأثْمانِ والمُثْمَناتِ فى صِحَّةِ بَيْعِها جُزافًا. وقال مالِكٌ: لا يجوزُ فى الأثْمانِ؛ لأنَّ لها خَطَرًا ولا يَشُقُّ وَزْنُها ولا عَدَدُها، فأشْبَه الرَّقِيقَ والثِّيابَ. ولنا، أنَّه مَعْلُومٌ بالمُشاهَدَةِ، فأشْبَه المُثْمَناتِ والنُّقْرَةَ (2) والحَلْىَ. ويَبْطُلُ بذلك (3) ما قالَه. أمّا الرَّقِيقُ، فإنّه يجوزُ بَيْعُهُم إذا شاهَدَهُم ولم يَعُدَّهم، وكذلك الثِّيابُ إذا نَشَرَهَا ورَأى جَمِيعَ أجْزائِها. الحكم الثانى، أنَّه إذا اشْتَرَى الصُّبْرَةَ جُزافًا، لم يَجُزْ له بَيْعُها حتى يَنْقُلَها. نَصَّ عليه أحمدُ فى رِوايةِ الأثْرَمِ، وعنه رِوايَةٌ أخرى، له بَيْعُها قَبلَ نَقْلِها. اخْتارَها القاضِى. وهو مذهبُ مالِكٍ؛ لأنَّه مَبِيعٌ مُتَعَيِّنٌ لا يَحْتاجُ إلى حَقِّ تَوْفِيَةٍ، فأشْبَه الثَّوْبَ الحاضِرَ. ولَنا، قولُ ابن عُمرَ: إنْ كُنَّا لَنَشْتَرِى الطَّعَامَ من الرُّكْبَانِ جُزَافًا، فَنَهانَا رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أنْ نَبِيعَه حَتَّى نَنْقُلَه مِنْ مَكَانِه (4). وعُمُومُ قوله عليه السلام:"مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فلا يَبِعْه حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ"(5) مع ما ذَكَرْنا من الأخْبارِ، ورَوَى الأثْرَمُ بإسْنادِه عن عُبَيْدِ بن حُنَيْنٍ، قال: قَدِمَ زَيْتٌ من الشَّامِ، فاشْتَرَيْتُ منه أَبْعِرَةً، وفَرَغتُ من شِرائِها، فقامَ إلىَّ رَجُلٌ فأرْبَحَنِى فيها رِبْحًا، فبَسَطْتُ يَدِى لأُبايِعَه، فإذا رَجُلٌ يأْخُذُنِى (6) مِن خَلْفِى، فنَظَرْتُ فإذا زَيْدُ بن ثابِتٍ، فقال: لا تَبِعْه حتى تَنْقُلَه إلى
(2) النقرة من الذهب والفضة: القطعة المذابة.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
تقدم تخريجه فى صفحة 183.
(5)
تقدم تخريجه فى صفحة 183.
(6)
فى الأصل: "يمدنى".